السفير
…الرسالة وصلت. التكفيري وصل إلى أسوار القصر الرئاسي. الرسالة لم تكن تحتاج ضحايا عشية الاحتفال بإزاحة “أمير المؤمنين”، أو نسخة “اللحظة الراهنة” منه كما صاغتها جماعة الإخوان والمتحالفين معها. قنابل “أجناد مصر” لم تكن دعابة ولا عملية إرهابية لكنها إعلان: “نستطيع الوصول إلى أي مكان”! وبينما كان “داعش” يعلن في العراق عن إقامة دولة “الخلافة” ويعلن “أمير مؤمنين” على كامل الأوصاف التي قامت عليها “الفكرة الإسلامية” من إخوان حسن البنّا مروراً بـ”المشروع الحضاري” و”الصحوة” و”الخصوصية” و”الهوية”… التي انتهت إلى ميليشيا إرهاب أممية تخبط خبطات أخيرة على مشاريع دولة الاستبداد التي أصبحت عارية إلا من طائفيتها أو تسلّطها العائلي أو جبروتها العسكري… ولا يمكنها حتى وقف دعابات التكفيري العابرة.
2
…التكفيري نجم المتاهات. يستثمر في فشل أجهزة ليس لديها إلا إعادة إنتاج القمع… ويشاركها في الوقت نفسه عملية “حصار” بادرة التغيير أو الثورة أو التمرّد على ثنائية (الدولة / الإرهاب… المستبد / الفوضى… الجنرالات / الاسلاميين)… هذه هي اللعنة التي تعود بالمنطقة كلها إلى أجواء تستسلم فيها إلى مراكز المال التي تحكمها أنظمة “ماقبل الدولة”… وهذا فضح لهشاشة “الدولة” التي بُنيت على “التحرّر” من الاستعمار… لكنها دمّرت كل قوى “التحرّر” بمعناه الأشمل من استبدال حاكم بحاكم أو انتصار مستبد في حلبة “الدولة الوطنية”.
هي لحظة مهمة وخطرة تسقط “قشرة الأوهام” التي كانت تغطي استبداد الدولة وإرهاب منافسها على التسلط… لننتظر حرب النهايات التي يبدو فيها طرفا اللعنة أدوات في يد أطراف أخرى… وتبدو فيها المنطقة العربية أو محاورها الملتهبة في العراق وسوريا وليبيا والقلقة في مصر والمتراوحة في تونس…. كلها ملاعب لسباق كبير على هندسة ما بعد “سايكس بيكو”.
3
كل ينشر خريطته.
حتى اللامعقول في “داعش” أصبح مرسوماً في خريطة… أما الأنظمة التي يقودها مستبدّ منهك فليس لديها سوى خرائط قديمة محفوظة، وأمل في توافق إقليمي أو دولي يطيل العمر أو يجعل وجوده “نوستالجيا إلى ما لا بديل عنه”…
تعددت الخرائط… ويبدو الصراع حلوها رهن “اقتصاد غائب” تتبدّل فيه مراكز أهمية الثروة (البترول مثلاً) والقوة (الجيوش عادت للظهور على سطح الصراع)… بينما هناك قوى تنتشر أفكارها أو تأثيرها في تفكيك الماضي بينما يغيب حضورها السياسي… قوة وُلدت على هامش ثورات الناس في العالم العربي، ولم تبحث عن أب جديد أو منقذ، أو بديل يلتفّون حوله ليدخل صراع الآلهة منتهية الصلاحية.
هذه القوة تتعرض لضربات وتنكيل من كل الأطراف… ويهدّدها خطر أكبر عندما “يفشل” المستبدّ العائد / ويتغوّل التكفير العابر… فيبقى الرعب حاضراً وحده من دون ضمانات أو مساند لمستقبل محتمل بلا دمار.
هكذا فإن إعلان “الخلافة” مضحك لكن تكلفته الكوميدية باهظة من دماء وتدمير لإمكانات في سلم اجتماعي قريب، كما أن استدعاء الأنظمة المستبدة لإنقاذ الدول القديمة ميلودراما باهظة التكاليف من عنف وتقليص المساحات وتوسيع السجون… والأهم رواج تجارة الخوف…
مَن سيدفع تكاليف الهندسة الجديدة؟
f