أصدر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني بيانين حدد فيهما فدية العجز عن الصيام وصدقة الفطر لشهر رمضان للعام 1435هـ/2014م.
وأشار قباني في البيان الأول، إلى أن العجز عن الصيام في شهر رمضان قد يكون مؤقتاً، وقد يكون دائماً:
1 – العجز المؤقت عن الصوم: هو العجز الذي يزول بزوال سببه، كالمريض مرضا يرجى برؤه وشفاؤه، أو كالحامل أو المرضع التي يضعفها الصوم وتخاف على نفسها لا على حملها أو رضيعها، فيفطر الصائم في هذه الحالات وعليه قضاء الأيام التي أفطرها عند زوال السبب بعد شهر رمضان، ولا فدية عليه لكون سبب الفطر يتعلق بنفسه. أما إذا أفطرت الحامل أو المرضع لخوفها على حملها أو رضيعها من صومها فعليها القضاء بالصوم مع الفدية لكون سبب الفطر متعلق بغيرها، وهو حملها أورضيعها.
ومتى وقع الفطر في الحالات المذكورة وجب عليه القضاء بصوم الأيام التي أفطرها بعد شهر رمضان وبعد زوال العذر وقبل حلول شهر رمضان من العام الذي يليه، فإن لم يقض صيام ما أفطر تساهلا حتى دخل رمضان آخر أثم، ولزمه مع القضاء فدية، وسيأتي بيان مقدارها، وأما إذا استمر عذره ودخل عليه رمضان التالي فلا يجب عليه إلا القضاء. ولا فدية عليه بهذا التأخير لبقاء العذر.
2 – وأما العجز الدائم عن الصوم: فهو العجز الذي يدوم إلى الموت غالبا، كالمريض مرضا لا يرجى برؤه ولا شفاؤه، ولا يطيق المريض معه الصوم أو يشكل له ضررا أو زيادة في مرضه، أو خطرا على صحته أو حياته، أو الكبير في السن (الهرم) الذي لا يطيق الصوم، فهذان وأمثالهما يفطران ولا يعيدان الأيام التي أفطراها، بل عليهما فدية الصوم فقط، وهي على النحو الآتي:
مقدار فدية العجز عن الصيام عند فقهاء الشافعية رحمهم الله تعالى: “عن كل يوم يعجز أحد المذكورين عن صيامه من رمضان مد من طعام من غالب قوت البلد على الأصح، من قمح أو تمر أو زبيب، والمد مكيال متوارث من عهد النبي يقدر بستمائة غرام تقريبا (600 غرام)، ومصرف الفدية الفقراء والمساكين، ويجوز صرف عدد منها إلى مسكين واحد”. روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي 2/380، 381.
ومقدار فدية العجز عن الصيام عند فقهاء الحنفية: إطعام مسكين وجبتين مشبعتين عن كل يوم أفطره من أيام رمضان، قال الكمال بن الهمام رحمه الله تعالى: “المعتبر أكلتان مشبعتان” (تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق للزيعلي3/129)؛ وهذا القول أنفع وأصلح للفقير إذا كان مخرج الفدية موسرا وقادرا.
ويجوز دفع قيمة هذه الفدية من النقود، وهو أيسر على الناس وأنفع للفقراء، ومقدار قيمتها يتفاوت بحسب الأكلتين المشبعتين وبحسب حال المعذور قدرة واستطاعة، وهي ما بين 5.000 خمسة آلاف ليرة لبنانية في حدها الأدنى. و10.000 عشرة آلاف ليرة لبنانية في حدها الوسط؛ و15.000 خمسة عشر ألف ليرة لبنانية وما فوق للقادر بحسب حال المعذور قدرة واستطاعة، ومن عجز عنها بقيت في ذمته حتى يقدر عليها، وتصرف من تركته إذا لم يؤدها في حياته.
مصرف فدية العجز عن الصيام في شهر رمضان المبارك: وتصرف فدية وكفارة العجز عن الصيام للفقراء والمساكين من غير الأصول والفروع، فلا يجوز صرفها للأصول وهم الأبوان والجدان، ولا للفروع وهم الأولاد والأحفاد الذين تلزم المفطر نفقتهم، فإن كانوا ممن لا تلزمه نفقتهم فيجوز صرفها إليهم، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى بعد أن سئل: “لو كان من لزمته الكفارة فقيرا، فهل يصرفها على أهله وأولاده؟ فأجاب: “لا يجوز كالزكاة وسائر الكفارات” روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي 2/380.
ويندب صرفها إلى الأقارب الفقراء والمساكين من غير الأصول والفروع الذين تلزمه نفقتهم، أما الذين لا تلزمه نفقتهم فيجوز صرفها لهم عند فقرهم ومسكنتهم، ويكون له بذلك أجران: أجر الصدقة والفدية من جهة، وأجر صلة الرحم من جهة أخرى، لقول النبي محمد: “الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي القربى اثنتان: صدقة وصلة” رواه ابن ماجه”.
صدقة الفطر
وجاء في البيان المتعلق بصدقة الفطر لشهر رمضان الحالي ما يلي:
“إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ومسلمة عنده فضل وزيادة عن قوته وقوت من تلزمه نفقتهم ليلة العيد ويومه، فيخرجها عن نفسه وعنهم كزوجة وأولاد وخدم وغيرهم ممن هم في نفقته، يدفعها إلى الفقراء والمساكين، لقول النبي محمد: “أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم” أي يوم العيد، لما في ذلك من الرفق بالفقراء وإغنائهم عن السؤال يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدومه عليهم، وهو ما ذهب إليه الأئمة الأربعة الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل ومالك بن أنس، رضي الله عنهم أجمعين.
وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز إخراجها بنية زكاة الفطر من أول شهر رمضان، وتصبح واجبة ليلة العيد بغروب شمس آخر يوم من أيام رمضان على من لم يخرجها قبل ذلك كي لا يفوت وقتها، بشرط عدم تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، لما رواه أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: “فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة (أي قبل صلاة العيد) فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات”. المجموع للنووي 6/162.
ومقدار الواجب فيها صاع من قمح أو تمر أو زبيب، لحديث الصحيحين البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب”؛ وفي الصحيحين أيضا: عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: “فرض رسول الله زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر على كل ذكر وأنثى من المسلمين”؛ والصاع مكيال متوارث من عهد النبي يقدر بكيلوغرامين وأربعمائة غرام (2400 غراما) فيخرج عن كل نفس كيلوغرامين وأربعمائة غرام من تمر أو زبيب أو قمح.
ويجوز دفع قيمة هذه الأشياء من النقود، وهو أيسر على الناس، وأنفع للفقراء، ومقدار قيمتها يتفاوت بحسب الأجناس المنصوص عليها وما هو غالب قوت أهل البلد سعرا وقدرة واستطاعة ما بين 7,000 ل.ل سبعة آلاف و20,000 ل.ل عشرين ألف ليرة لبنانية، وهي على التفصيل 7,000 ل.ل سبعة آلاف ليرة باعتبار القمح؛ و15,000 ل.ل خمسة عشر ألف ليرة باعتبار التمر, و20,000 ل.ل عشرون ألف ليرة باعتبار الزبيب، يصرفها كل واحد عن نفسه وعن كل واحد ممن تلزمه نفقتهم بحسب حاله قدرة واستطاعة بالتقدير المذكور بالعملة اللبنانية، ومن تطوع خيرا بالزيادة فهو خير له، والله تعالى أعلم”.