في وقت يصرّ الرئيس تمام سلام على موقفه من عدم عقد جلسة حكومية قبل التوافق بين الفرقاء، تؤكد مختلف الأطراف أن “وضع الحكومة لا يزال تحت السقف”. لكن هذا السقف بدأ يتشقق، امنياً. فالفراغ السياسي لا يملأه حتى الساعة إلا التوتر الامني
كلّ شيءٍ في مؤسسات الدولة اللبنانية يبدو معطّلاً. بعد رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، أتى الجمود أيضاً على حكومة الرئيس تمام سلام. لكن يبدو أن الاتفاق على تهدئة لبنان، الذي يجمع السياسيون على كونه إقليمياً ودولياً أيضاً، لم يعد قادراً على تثبيت الاستقرار الأمني. من الجنوب إلى البقاع الشمالي، وطرابلس، السلطة غائبة. آليات عمل الفراغ في المؤسسات لم تعد تنتج سوى توتر أمني.
في البقاع الشمالي، هجمات تشنها “جبهة النصرة” وحلفاؤها في الجرود، بعضها ينطلق من داخل الأراضي اللبنانية. وفي الجنوب، صواريخ مجهولة المصدر، واعتداءات إسرائيلية على الأرض والبحر والسيادة، من دون أن يعتبر أحد من أهل الحكم نفسه معنياً بما يجري، ولا أحد يأخذ على عاتقه المبادرة لمحاولة التخفيف من وطأة الفراغ تمهيداً لملئه. فالأزمة لم تعد مقتصرة على شغور، بل تتعداه إلى فراغ تام على مستوى الدولة، وعلى صعيد التواصل السياسي بين القوى الوازنة في البلد. وفراغ كهذا لا يملأه إلا الأمن، بالمعنى السيئ للكلمة، تماماً كما جرى عامي 2007، و2008.
ما جرى في الجنوب أمس خير مثال على الواقع الأمني. لليلة الثالثة على التوالي، أطلق مجهولون صواريخ من سهل القليلة جنوبي صور في اتجاه فلسطين المحتلة. الصواريخ سقطت في الجليل الأعلى، قبالة رأس الناقورة بحسب وسائل إعلام العدو الذي قصفت مدفعيته المنطقة المحيطة بمكان إطلاق الصواريخ، ولا سيما أطراف القليلة والحنية وزبقين ودير قانون رأس العين. القصف الذي استمر أكثر من نصف ساعة مترافقاً مع إلقاء قنابل مضيئة على طول الساحل الجنوبي من صور حتى الناقورة، استدعى قطعاً لحركة السير في المنطقة من قبل الجيش اللبناني. تكرار العملية للمرة الثانية في أقل من 24 ساعة وللمرة الثالثة في غضون ثلاثة أيام، طرح تساؤلات عدة عن الجهة التي تقف وراءها وتمكنها من التحرك بسهولة في منطقة يبدو أنها تعرفها جيداً. كذلك طرحت تساؤلات عن الإجراءات الأمنية التي اتخذها الجيش واليونيفيل منذ العملية الأولى ليل السبت، ما يوحي بأن مطلقي الصواريخ قادرون على التحايل على الإجراءات والتخفي عن نقاط الجيش المنتشرة في المنطقة.
مقتل قيادي بارز في “جبهة النصرة” في معارك السلسلة الشرقية
ومن الجنوب إلى البقاع الشمالي، حيث هدأت حدّة المعارك بعد ليل الأحد ــ الاثنين الطويل، الذي شهد اشتباكات عنيفة بين حزب الله من جهة، و”جبهة النصرة” والقوى الحليفة لها من جهة أخرى، واستمرار الطيران الحربي والمدفعية السوريين بقصف أماكن انتشار المسلحين في جرود القلمون السورية. وعلمت “الأخبار” أن قيادياً بارزاً في “جبهة النصرة”، لم تعرف هويته الكاملة قد قتل في المعارك التي اندلعت مع حزب الله أول من أمس. وأشارت مصادر مطلعة في عرسال إلى أن القيادي في الجبهة أحمد عمر يقظان، وهو من بيروت، قتل في الاشتباكات التي دارت في جرود السلسلة الشرقية. وأكدت المصادر أن جثة يقظان نقلت مع جثث أخرى إلى المستشفى الميداني في عرسال ليلاً. وجرى التكتم على ذكر اسمه بين القتلى لعدم “إحباط عزيمة المقاتلين”. وتردد أن يقظان قريب المدعو “أبو حسن الفلسطيني”، المسؤول عن إعدام المواطن مصطفى عز الدين في عرسال منذ أيام.
سياسياً، إذا كان لبنان بأكمله ينتظر متغيّرات المحيط الملتهب من سوريا إلى العراق إلى غزّة، فإن عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب وجلسة عادية للحكومة، ينتظر عودة فريق تيار المستقبل (وزراء ونوّاباً) بالجواب اليقين من لقاء الرئيس سعد الحريري في المملكة السعودية.
“اعتكاف” سلام عن عقد جلسة للحكومة وسط اختلاف الفرقاء على كلّ شيء، ولا سيّما ملفّ التفريغ في الجامعة اللبنانية، وإعطاء فرصة للاتفاق، يبدو “عين العقل”، في ظلّ حرص الرئيس الذي “نفد صبره”، بحسب ما صرّح الوزير محمد المشنوق، على حكومته، و”انزعاجه من التعطيل”، ومن “اتفاق القوى السياسية على التمديد للمجلس النيابي بينما تعطّل الحكومة”. وفوق حرص سلام على بقاء الحكومة مكاناً رديفاً للحوار في البلد، لا تزال مختلف القوى السياسية تؤكّد تماهي وجود الحكومة مع الاتفاق الإقليمي والدولي على بقاء الاستقرار اللبناني، ما يعني أن الأزمة الحكومية لا تزال “تحت السقف”، على ما أشار إليه لـ”الأخبار” أكثر من طرف وزاري مشارك في الحكومة.
وحتى مساء أمس، كانت الأمور لا تزال تراوح مكانها، في ظلّ الـ”لا جواب” حول الجلسة التشريعية، الآتي من فريق المستقبل، الذي غادر إلى الرياض على دفعات، وعلى رأسه الرئيس فؤاد السنيورة والوزيران نهاد المشنوق وأشرف ريفي ونادر الحريري والنائب محمد كبارة. وأشارت مصادر نيابية بارزة في قوى 8 آذار إلى أنه “لا جديد حتى الآن بشأن الجلسة التشريعية، ننتظر موقف المستقبل، لكن من المفترض أن يتم الاتفاق عليها قريباً”، لبتّ مسألة رواتب موظفي الدولة وإصدار “اليوروبوند” لتمويل الدين العام بالعملات الأجنبية. وحول ما إذا تمّ طرح التمديد للمجلس النيابي في الجلسة التشريعية، أكدت المصادر أنه “لم يتم الحديث، لا من قريب ولا من بعيد، في مسألة التمديد في الجلسة، ولم يجرؤ أحد بعد على طرح الأمر، رغم أن غالبية القوى تريد التمديد”.
وفي ما خصّ الملفّ الحكومي، عكست مواقف الوزراء بعد زيارة سلام أن الوضع الحكومي مؤقت، وأن الجميع حريص على بقاء الحكومة. وفي ظلّ إعلان حزب الكتائب عدم اعتراضه على ملفّ التفريغ، أشار وزير التربية الياس بو صعب إلى أن “سلام أكد لي أن الكتائب وجهات أخرى قدموا له تطمينات بخصوص ملف الجامعة”، مؤكداً أن “موقف الكتائب من هذا الملف علمته من رئيس الحزب أمين الجميّل، وهو كلف وزير الاقتصاد آلان حكيم لمتابعة الملف”. وقالت مصادر وزارية كتائبية لـ”الأخبار” إلى أنها “تستغرب موقف سلام من تضخيم أزمة الحكومة، وخصوصاً أن حزب الكتائب وافق على ملفّ التفريغ”. وفي ما خصّ مجلس النواب، أكدت مصادر الحزب الاشتراكي أن هناك “ضرورة لفتح أبواب مجلس النواب والتشريع، وربما كانت هناك إمكانية لعقد الجلسة. والبحث جار في هيئة المجلس للاتفاق على المسار العام للجلسة”. وحول سلسلة الرتب والرواتب، أكدت المصادر أن اللقاء بين النائب وليد جنبلاط ووفد هيئة التنسيق النقابية كان ممتازاً، كاشفة عن “بحث جدي حول السلسلة، لتثبيت الأرقام التي وضعتها وزارة المالية والتأكد من القدرة على تحصيل الواردات المطلوبة”.