كتب بسام حلاوي: رحمة بفلسطين لا تضيعوا البوصلة

لا اعلم ان كان من حسن حظي او سوئه ، تعرفي على القضية الفلسطينية منذ نعومة اظافري . وبالتحديد في العام 1967 بعد نكسة حزيران ، وبالتحديد في شهر ايلول وهو شهر قطاف التفاح في بلدتي الباروك . حيث كان يتردد الى منزلنا رجل يتعاطى تجارة التفاح وكان المرحوم والدي يعاونه بذلك .

بقلم رئيس دائرة الشوف في الحزب الديمقراطي اللبناني بسام حلاوي

وما استوقفني انه حين  كان يسأل احدهم والدي عن هذا الرجل يقول له : متى سيأتي ابو حسين الفلسطيني ، وفي البداية كنت اعتقد ان الفلسطيني كنيته ، الى ان حادثت العم ابو حسين الذي كان معجب بجرأتي وحشريتي في كثير من الاحيان . وعرفت فلسطين لأول مرة واستفاض ابو حسين في الحديث معي لدرجة اصبحت اعرف الكثير عن فلسطين  وتهجير اهلها والمجازر التي ارتكبها اليهود ، ودير ياسين وجيش الانقاذ وغيرها واصبحت اعرف ماذا يقصد اهلي او ابناء بلدتي عندما ينعتون انسانا سيئا بقولهم بقولهم : يهودي ام مثل اليهودي . وبت احفظ اسماء المدن والقرى والدساكر الفلسطينية ومنتجات فلسطين الزراعية ، كاليافاوي ، والغزاوي ، والحيفوي وغيرها ، واصبحت افاخر امام اترابي بهذه المعرفة واحاضر في القضية الفلسطينية . وكنت ولا زلت متعلقا بالمطالعة واصبح لدي هوس بكل ما هو فلسطيني او يمت الى فلسطين بصلة ، واقتنيت ما استطعت اليه سبيلا من الكتب ودواوين الشعر والدراسات الفلسطينية .

gaza

 

وتعلقت بسير ابطال فلسطين وتاثرت بهم , وبشكل خاص بعد عمليتي ميونيخ ومطار اللد ، ودلال المغربي وايلول الاسود . وكانت تكبر احلامي معي باني سازور القدس يوما واسمع اجراس العودة الفيروزية وسارى غزة عمي ابو حسين . وما كانت قراءتي لكتابي الاستاذ شوقي خيرالله الطريق الى القدس والمنهج الاكبر الا لتزيد قناعاتي اننا على قاب قوسين من تحرير فلسطين وطرد الغتصبين ورميهم في البحر . حتى اني فكرت اكثر من مرة بالالتحاق في صفوف الثورة الفلسطينية واتخذت اسما حركيا لي ( كبوجي ) تيمنا بمطران القدس اطال الله بعمره المطران ايلاريون كبوجي . الى ان شعرت باحساس غريب ينتابني وهو ان قادة الثورة الفلسطينية يضيعون البوصلة . خاصة بعد معرفتي باحداث العام 73 التي جرت مع الجيش اللبناني هذا الجيش الذي كان من اول المدافعين والحاضنين للقضية والثورة خاصة وان تربيتي الارسلانية ومعرفتي بسيرة الراحل الامير مجيد ارسلان جعلتني اطلع عن كثب كيف كانت عقلية الجيش والاوامر المعطاة له .

اضف الى ذلك سماعي للمرة الاولى شعار طريق فلسطين تمر عبر من جونية ومن عيون السيمان . وبالرغم من معرفتي الجيدة بخارطة لبنان اعتقدت للوهلة الاولى انه ربما هناك سرداب غير مرئي يربط جونية او عيون السيمان بفلسطين . الا اني ادركت لاحقا ان البوصلة فعلا ضائعة ، فمن يقاتل جيش وشعب البلد الذي يحتضن ثورته وشعبه فعلا ضائع . واذا اتينا على ذكر انسحاب مقاتلي الثورة الفلسطينية الى تونس فندرك تماما انه اضاعة للبوصلة ايضا . وعلى ذكر تونس فلماذا تكون تونس دائما نهاية المشاريع والاحلام ، ولماذا تم اختيار تونس كمقر لكتاتب منظمة التحرير الفلسطينية ؟ ولماذا تم اختيار تونس كمكان لانعقاد ما سمي مؤتمر اصدقاء سوريا ؟ ومعاذ الله ان يكون في تلميحي هذا اساءة الى الشعب التونسي الحبيب الطيب الصادق الشقيق الذي نحيي ثورته ونتمنى عدم قضمها وازاحتها عن مسارها الحقيقي في متاهات الربيع العربي بتنقيط العين او ادغامها بتنا لا نعلم . تونس ابي القاسم الشابي .

لكننا اليوم نعيش حالة اسمها علامات استفهام ، ويحتم واجبنا علينا طرحها في كل صغيرة وكبيرة ونحن في كنف هذا الربيع العربي المزهر الخارج من رحم ثورة الارز او الأرُزً اللبنانية . ويا لدر الارز كم يحتمل .  الم تكن البوصلة ضائعة عندما احتضن مخيم نهر البارد اولئك المجرمون منتحلي الصفة ، الذيم تجرأوا وللمرة الثانية على مد يدهم على اقدس مقدساتنا وهي الجيش اللبناني طبعا . هذا الجيش الذي يسهر على امن وسلامة الشعب الفلسطيني الضيف في لبنان كما يسهر على امن وسلامة الشعب اللبناني وكل مقيم على الاراضي اللبنانية . وما اكد لي اكثر ضياع هذه البوصلة منذ عدة اشهر كنت اتابع الاخبار برفقة اصدقاء لي ووردت اخبار مشرفة من مخيم عين الحلوة ( صيدا ) عن اشتباكات داخل المخيم على اثر قيام جماعة فلسطينية باغتيال مرافق احد مسؤولي حركة فتح وكانت بيننا جدة صديقي التي تجاوزت التسعين من عمرها ، فهزت رأسها قائلة : ( اذا ما كان فيهن بقوي لبعضن كيف بدن يرجعوا ارضن ويحرروا فلسطين ) واللي ما عندو كبير يشتري كبير والاصح ان يسمع ما يقوله الكبير . حقا عندما يصبح الفلسطيني عدو للفلسطيني وقاتل الفلسطيني فمن يخدم هذا واين البوصلة ولا اريد ان استعرض اسماء الفصائل الفلسطينية او مدعية الفلسطينية من جند الشام الى عصبة الانصار وفتح الاسلام  الى غيرها من الاسماء التي لا اعلم من اين اتت والى ماذا تهدف ؟ او هل هي جاهزة للقتال من اجل فلسطين او خارجة من رحم مشابه لرحم ثورة الارز . يا قادة فلسطين العظماء الميامين .  اثناء اقامتي في سورية عام 1989 تعرفت عن كثب على امرين كنت اجهلهما تماما . مخيمي فلسطين واليرموك وجيش التحرير الفلسطيني

فانت لا تستطيع التفريق بين هذين المخيمين واي من احياء الشام الاخرى ، ان كان من حيث الابنية او المؤسسات التجارية وطريقة معيشة الناس الذين يتمتعون بجميع حقوق المواطن السوري باستثناء الجنسية طبعا وهذا من المسلمات ولا اريد ان اخوض هنا بموضوع الجنسية التي منحتها أنظمة عربية كثيرة لابناء الشعب الفلسطيني لطمس هويته سناتي عليه لاحقا . اما جيش التحرير الفلسطيني فهو جيش بكل ما للكلمة من معنى ضباطا وافرادا وقيادة وقطعا عسكرية وثكنات وتوجد لديه مهام بموازات الجيش العربي السوري . ناهيك عن مكاتب لجميع الفصائل الفلسطينية التي تعمل بكامل حريتها وبما تقتضيه مستلزمات التحضير لتحرير فلسطين والعودة المظفرة لابناء الشعب الفلسطيني . ولن انسى صوت فلسطين من دمشق واغنيات ابو عرب وفرقة العاشقين المشهورة :  اشهد يا عالم علينا وعا بيروت اشهد للحرب الشعبية  واللي ما شاف من الغربان يا بيروت اعمى بعيون امريكية  بالطيارات غطوا السما يا بيروت غارة برية وبحرية … بالصوت كانوا معانا يا بيروت والصورة ذابت في المية …. الخ  ولن اشرح من المقصود بالغربان العميان بعيون امريكية ولا الذين كانوا معانا بالصوت وذابت الصورة وذاب الدعم ولن اقل ما كان التمني ….!!! واذكر تماما عام 78 ( الاجتياح الاول ) حين سألت احد اصدقائي في حركة فتح عن الصمت العربي حيال ما يجري قال لي : ( أجانا برقيات اصمدوا ) عارف ايش اصمدوا يعني اصمدوا حتى آخر واحد فيكو يلعنكو ويلعن ابيكو بلكي منرتاح منكو ….!  وكان المقاتل الفلسطيني يقاتل جنبا الى جنب مع اخيه اللبناني ويؤازره الجيش العربي السوري . هذه الكلمة او هذا الاسم المرفوض الذي يختصر كل اسباب المؤامرة على سورية . فهل صدفة ان يكون الجيش العربي السوري الوحيد الذي يحمل هذه التسمية ( اي العربي ) الم ينتبه احد الى ان التركيز المباشر لضرب هذا الجيش وتفكيكه للقضاء عليه وعلى اسمه الغير مقبول والغير وارد .

الم تفهموا بعد ان كلمة عربي يجب ان تمحى من النصوص والاسماء والنفوس لتحل محلها اي صفة تقسيمية تفتيتية وتكون مقبولة .! لماذا تضيعون البوصلة يا ابناء فلسطين افهل تستحق سورية مثل هذه المبادلة هل تقبلون يا ابناء فلسطين دعم المعارضة السورية المسلحة وجيشها المزعوم . وانا غير مقتنع طبعا بتسمية المعارضة لان المعارضة السورية الوطنية لم تحمل السلاح المشبوه وتقاتل به لغاية الآن كي اكون دقيقا . أوليس ايواء الهاربين من المرتزقة المأجورين الذين يقاتلون الجيش العربي السوري في مخيم اليرموك وتسهيل احتلالهم لاجزاء من هذا المخيم اضاعة للبوصلة ، الا تعلمون انه هناك ضباط يهود واميركيين وبريطانيين يتواجدون في سورية الآن للقضاء على آخر معقل من معاقل العزة والكرامة ، ألم تكن خيانتكم لهذا النظام الحاضن للثورة والشعب الفلسطيني السبب في تدمير مخيم اليرموك وتهجير سكانه المساكين ، وتستكملون مؤامرتكم بمهاجمة هذا النظام اعلاميا بانه يقتل الشعب الفلسطيني وتقاتلونه بسلاحه الذي حُرم الشعب السوري الكثير من الامتيازات لمنحه لكم . الم تدركوا ان ما يحصل في سوريا اليوم جاء للقضاء على آخر امل اذا كان هناك امل بتحرير فلسطين بعد . وعندما اخاطب ابناء فلسطين انا بالطبع لا اخاطب ما يعرف بقادة المقاومة الفلسطينية وليعذرني الاشراف منهم فهم يعرفوننا ونحن نعرفهم , فهناك فصائل شريفة مقاومة ونحترم اداءها . انا اخاطب اولئك الذين حولوا الحجر الى سلاح استراتيجي ، وقضيتم عليه ببهوراتكم وخلافاتكم وسلاحكم الذي بت اشك الآن – وهولم يقدم او يؤخر اصلا – انه كان يهدف الى القضاء على هذا الحجر الذي اعاد خلط الاوراق في الصراع العربي الاسرائيلي وفي منظومة المقاومة الفلسطينية الداخلية ، نعم انا لا اخاطبكم بل اخاطب طفل فلسطين الذي يدرك تماما معنى المعاناة ويفهم بالضبط ثوابت الثورة وما تقتضيه هذه الثوابت ، اطفال الجسد العاري واليد والمعدة الخاوية وليس الشقق المفروشة والسيارات الفخمة واجهزة المرافقة والثراء الفاحش ، على حساب اناس يعيشون الشتات ولا يجدون ما يسد رمقهم . ولا اعلم ما الجدوى من احتضان الاصوليات الدينية المتطرفة وفلسطين هي قبلة المسلمين ، ومهد السيد المسيح .!

وان كنتم ترون في اسلمة الثورة مصلحة فلا اظن ذلك. لا اخاطبكم ايها القادة لانكم تعرفون ان ما صرف على دعم المؤامرة على سورية من صناديق عربية لو وضع في مكانه الصحيح واعطي لاطفال الحجارة في فلسطين لاقاموا الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .  وليس تلك الدولة التي قضيتم عليها قبل ان تولد بخلافاتكم وانقساماتكم واضاعتكم للبوصلة الصحيحة التي ستوصلكم الى الهدف المنشود وبت لا اعرف اذا كان تحرير فلسطين هو غايتكم ام انتم سعداء الآن بما تتمتعون به من مكتسبات لانكم تنتمون لهذه السبية فلسطين .  فرحمة بها كفاكم ضياعا للبوصلة   بسام حلاوي