السفير
لبنان بلا رئيس للجمهورية، لليوم التاسع بعد المئة على التوالي.
تهيّب الجميع الفتنة التي تدحرجت على طرقات لبنان، إطارات مشتعلة وعمليات خطف متبادل، فتحرّك الجيش بقوة وحزم ما أدى الى الإفراج ليلاً عن ابن سعدنايل أيمن صوان وفتح الطرقات في البقاع، فيما ارتفعت الأصوات السياسية الداعية إلى التعقل والحكمة في مواجهة صعبة مع صراخ الغرائز والانفعالات.
وبرغم كل المظاهر السلبية التي طبعت الأيام القليلة الماضية، إلا أن هناك إيجابية أساسية يمكن استخلاصها من وسط غبار الشارع، وهي أن القوى القادرة والمتمكنة لا تريد الفتنة، بل تضغط لتفاديها وإن اختلفت دوافع كل منها، الأمر الذي سمح لغاية الآن بضبط الأرض نسبياً وحصر حالات الانفلات في الإطار الفردي او العائلي او العشائري، في حين غاب الغطاء الحزبي او السياسي.
لقد بدا واضحاً أنه ما من «قرار سياسي» بالاندفاع نحو مواجهة داخلية، وتحديداً لدى قطبي البيئتين الشيعية والسنية، تحالف «حزب الله ـ أمل» و«تيار المستقبل» اللذين بذلا خلال الايام الماضية جهداً كبيراً لاحتواء غضب الشارع والسيطرة عليه، مع تكاثر حوادث الخطف، لا سيما في البقاع.
وقد جاء مضمون اللقاء بين الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ليتلاقى مع جوهر الموقف الصادر أمس عن الرئيس سعد الحريري الذي دعا الى عدم الانجرار وراء تصرفات وممارسات لا وظيفة لها سوى تحقيق مآرب القوى الإرهابية بتوسيع رقعة التخريب والفوضى الى ساحة لبنان».
وأكد الحريري أن «حماية بلدنا من الانزلاق الى الفتنة هي في الدرجة الأولى بإرادة المسلمين في لبنان، سنة وشيعة، الذين يمتلكون قرار إخماد الفتنة في مهدها ورفض استنساخ الحالتين السورية والعراقية»، معتبراً أن «العودة الى الخطف والخطف المضاد، والتحريض المذهبي واستدراج بعضنا البعض إلى لغة العصبيات المتخلفة، هو أسوأ ما يمكن أن نقع فيه في هذا الزمن المشحون بالتعصب».
وبينما كان الخوف من الفتنة يجمع المتفرقين في السياسة، واصل الجيش تحسين مواقعه في جرود عرسال واستهداف مراكز المسلحين فيها، استكمالاً لعملية التضييق عليهم وعزل نقاط انتشارهم عن البلدة، بعد سيطرته على تلال الحصن، في وقت أبلغ مصدر أمني «السفير» أن الجيش يواصل عملية العزل والفصل، متوقعاً أن تكون قد أصبحت في مراحلها الاخيرة.
المشنوق: الخيارات مفتوحة
في هذه الأثناء، عقدت «خلية الازمة» الوزارية اجتماعاً أمس برئاسة الرئيس تمام سلام، سبقه لقاء مع أهالي العسكريين المخطوفين، أكد خلاله سلام أن «المساعي الهادفة للإفراج عن المخطوفين جارية عن طريق وساطة قطرية»، موضحاً أن «مطالب الخاطفين غير واضحة حتى الآن».
وقال وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ« السفير» إن اجتماع «الخلية» بحضور القادة العسكريين والأمنيين كان ممتازاً، كاشفاً عن أن كل الخيارات موضوعة على الطاولة، من دون استثناء، أولها خيار المفاوضات، ولكنه ليس أحسنها.
وأكد أن الوضع الأمني «تحت السيطرة» مشيراً إلى أن الإفراج عن المخطوف صوان سيساهم في تنفيس الأجواء المحتقنة. وشدد على ان هناك قراراً سياسياً لدى جميع الاطراف بمنع الانزلاق الى الفتنة.
وأشار الى أن الموفد القطري، السوري الجنسية، يواصل مهمته يوماً بيوم، و«شغله ماشي». وأوضح ان اللواء عباس ابراهيم يتابع مهمته التي باشر بها منذ حصول الاختطاف، بداية بالتنسيق مع رئيس الحكومة ووزير الداخلية، وحالياً مع خلية الازمة.
وعلم في هذا الاطار، ان ابراهيم يستعدّ للتوجه الى الدوحة خلال الساعات المقبلة.
وأكد مصدر وزاري في «خلية الازمة» لـ«السفير» أن ملفي العسكريين والنازحين يشكلان اختباراً مفصلياً للأداء الحكومي في هذه المرحلة، مشددا على وجود خطوط حمر ليس مسموحاً تجاوزها.
واعتبر ان ضبط الامن في عرسال وجرودها بات بموجب القرار الأخير لمجلس الوزراء من مسؤولية الجيش حصراً، والحكومة منحته الغطاء اللازم كي يؤدي مهمته، ويفعل ما يراه مناسباً لاستعادة العسكريين. واعتبر المصدر أنه لم يعد يكفي القول إن لبنان لا يحتمل استقبال المزيد من النازحين السوريين، بل صار المطلوب تخفيض عددهم.
عون – نصرالله
وعلى وقع التوترات المتنقلة وما تحمله من مخاطر على السلم الأهلي، التقى السيد نصرالله أمس الاول العماد عون، بحضور كل من وزير الخارجية جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، ومسؤول «لجنة الارتباط والتنسيق» في الحزب وفيق صفا.
وعلمت «السفير» أن المشهد الإقليمي الملتهب استحوذ على الحيز الأكبر من اللقاء الذي استمر أكثر من أربع ساعات، حيث جرى عرض شامل للوضع من اليمن الى عرسال مروراً بالعراق وسوريا وفلسطين.
وتوقف نصرالله وعون بشكل أساسي عند المستجدات في العراق بعد سيطرة «داعش» على الموصل وأجزاء أخرى من الاراضي العراقية، وما ترتب على هذا التطور من تفاعلات وتهجير.
وقدم نصرالله عرضاً مفصلاً للوضع في سوريا ومسار التطورات العسكرية على الارض، مؤكداً ان مشروع «داعش» في المنطقة ليس قابلاً للحياة، وإن استغرق سقوطه الميداني بعض الوقت.
واتفق عون ونصرالله على أن الخطر الناتج عن الهجمة التكفيرية هو خطر وجودي يطال كل المكونات الموجودة في المنطقة عبر التاريخ، بدليل ما تعرّض له المسيحيون والسنة والإيزيديون والشيعة في المناطق التي سيطر عليها التكفيريون في سوريا والعراق.
وتطرق الرجلان الى سبل مواجهة هذه الظاهرة التكفيرية، وكان توافق بينهما على أن الخطوة الاولى والاساسية في هذا الاتجاه تكمن في تحصين الساحة الداخلية من خلال تعزيز الحوار والتواصل بين كل الأطراف. وأكدا ضرورة التصدي للفتنة وعدم الانزلاق إليها، كما أعرب نصرالله عن رفضه للتصرفات الفردية والانفعالية، غير الصحيحة.
وتناول «السيد» و«الجنرال» الواقع اللبناني من زاوية ارتباطه بالصورة الإجمالية للمنطقة وتأثره بما يجري في محيطه الاقليمي، وجرت مقاربة الاستحقاق الرئاسي من هذه النافذة تحديداً، مع تأكيد المؤكد من قبل الطرفين، وهو أن عون متمسك بأحقية وصوله الى رئاسة الجمهورية انطلاقاً من الاسس الميثاقية التي يجب ان يقوم عليها الاستقرار الداخلي والتوازن الوطني، وأن «حزب الله» بدوره مستمر في دعم وصول عون الى الرئاسة ما دام عند موقفه.
وعُلم أن نصرالله توجه الى عون بالقول: الموضوع الرئاسي عندكم بالكامل يا جنرال.. ما دمت مستمراً نحن مستمرون معك، وحين تتوقف نتوقف معك.. هذا أمر محسوم بالنسبة إلينا.
وعرض عون نتائج الحوار مع الرئيس سعد الحريري، حتى الآن، مشيراً إلى أن هناك مصلحة وطنية في الإبقاء عليه، فيما شجع نصرالله من جهته على مواصلته.
وفي ما يتعلق باحتمال التمديد لمجلس النواب، تم نقاش سريع لهذه النقطة، وسط تفهم متبادل من كل جانب لوجهة نظر الجانب الآخر.
وتردّد في هذا الإطار أن عون الذي لا يزال عند رفضه للتمديد، قد يكتفي هذه المرة بمعارضته من دون الطعن فيه.
ووفق بيان صادر عن الوحدة الاعلامية في الحزب أمس، عرض المجتمعون «الأوضاع الخطيرة التي يمر بها لبنان والمنطقة، خصوصاً إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل وتهديداتها المستمرة وأفعالها الجرمية الموصوفة، وخطر الموجة التكفيرية الإرهابية التي تؤسس للفوضى الشاملة والتي تتوجب مواجهتها».
وأكدوا «صحة رؤيتهم السابقة للأخطار، ودقة تقديرهم لما هو آتٍ، وصوابية تحذيرهم من الانقسامات الطائفية في لبنان ومن التقسيمات التدميرية في المنطقة، حيث ثبتت صحة التفاهم الذي بنوه والذي يشجعون على تعميمه على باقي القوى تحصيناً للوضع الداخلي في مواجهة الفتنة المرفوضة».
وشدّد المجتمعون على «تطابق وجهات النظر في ما يخص الإرهاب وحتمية مواجهته بالوسائل كافة، وعلى رأسها تحصين الوحدة الوطنية وتوفير الاستقرار الداخلي وتحقيق بناء الدولة على الأسس الميثاقية السليمة».