كتبت روزانا رمّال في صحيفة البناء:اليد “الإسرائيلية” تعبث بالجيش اللبناني…!

لا تعليق
مقالات وتحليلات
3
0

 

تضاربات الأنباء والمعلومات وبعض مواقف الأهالي المنددة بانشقاق جنود لبنانيين عن الجيش وانضمامهم إلى «جبهة النصرة» أو «داعش»، كانت قد سبقتها إشاعات غير مؤكدة طاولت عناصر من الجيش اللبناني كانت سبباً في تسليم عسكريين إلى «جبهة النصرة» في إطار حملة منظمة وشديدة الخطورة، تستهدف عمق التنشئة والهيبة العسكرية للمؤسسة الوطنية.
هذه الأخبار أرفقت بفيديو حي، يتحدث فيه أحد الجنود المفترض أنه من المنشقين، ويبدو جلياً تركيزه في فحوى حديثه على إيصال رسالة إلى اللبنانيين عموماً ولزملائه العسكريين خصوصاً، مفادها التالي: «هذا الجيش اللبناني الذي ننتمي إليه ما هو إلا تابع لحزب الله وإيران، وإن أكذوبة أنه جيش الوطن وكل اللبنانيين ليست موجودة».

يفيد التذكير بأن استهداف الجيش اللبناني ليس بجديد، وقد تعددت الأطراف التي ساهمت أو عملت مباشرة داخلياً، منذ أن ساء الوضع الأمني في سورية وتفاقمت فيها الأزمة، فبدأنا نسمع أصواتاً أصرت على مهاجمة الجيش اللبناني كانت بينها أصوات برلمانيين وسياسيين لبنانيين اشتهر بينهم النائب خالد الضاهر ومعه معين المرعبي وصولاً إلى النائب محمد كبارة.

التحريض قد يكون شمل شخصيات أخرى، لكننا نتحدث هنا عن وقائع مثبتة بتصريحات مباشرة دعت الجنود والضباط السنة في الجيش إلى الانشقاق، حدث هذا على لسان العميد غسان بلعة المحسوب على تيار المستقبل في مرحلة أحداث السابع من أيار 2008 وتلاه نواب المستقبل في بداية الأزمة السورية وأحداث عكار الناجمة عن محاولة الجيش إغلاق الحدود ومنع تهريب المقاتلين والسلاح، ولم تكن آخرها نداءات أحمد الأسير أثناء معركته ضد الجيش في صيدا وواكبته الشخصيات ذاتها التي سبق وتورطت بمواقف عدائية من الجيش.

يفيد التذكير أيضاً بأن «إسرائيل» موجودة و بالمرصاد دائماً لاقتناص فرص الانقضاض على الجيش أو السعي لها، وهي التي استطاعت في غير مرة إحداث خرق بين صفوف الجنود أو الضباط اللبنانيين، ونجحت أيضاً ـ ما قلّ وندر ـ في تجنيد عملاء كانت لهم أدوار مهمة في تقديم معلومات للعدو في حروب عدة شنت على لبنان بعد عام 2000، هذا من دون نسيان تجربة «جيش لحد» أو «سعد حداد» الذي يشكل بصورة أو بأخرى في ذاكرة اللبنانيين صورة العسكري المنشق خدمة للعدو وللتجسس على المقاومة وأهلها.

لم يعد ممكناً الرهان على شق الجيش كما جرى عام 1976 على أساس مسيحي ـ مسلم، فصار البديل «الإسرائيلي» لشق الجيش وإضعافه عنوان مذهبي سني ـ شيعي ، وهذا يستدعي أن تتولى أطراف من الطائفة السنية طرح عنوان شيعي لتبرير الانشقاق، وهذا بالضبط هو فحوى البيان الذي طُلب من العسكري المنشق أن يذيعه، جندي سني يقول إنه انشق لأن الجيش صار ألعوبة بيد الشيعة، أليس هذا مضمون كلام الضاهر وزملائه؟

إذن، استهداف الجيش اللبناني أو العمل على تفكيكه ليس وليد اليوم ولا يمكن اعتبار أنه فقط وليد الأزمة السورية وتداعياتها كما يشاع أو أنه نسخة أخرى فقط عمّا جرى للجيش في سورية.

لطالما كان حدوث انشقاقات في الجيش اللبناني وليد أية لحظة يظهر فيها «عدو» تجسد سابقاً في كيان «إسرائيلي» محتل، واليوم يتجسد في «داعش» والعدو «الإسرائيلي» معاً، إذ لم يسقط العدو الأول من الحسابات بغض النظر عن فوارق العدوين اللذين يجمعهما تقاطع مصالح أساسية أبرزها: استهداف المقاومة وأعوانها.

ما يهم اليوم، أن المشهد برمته والهدف من وراء هذه الانشقاقات يتمحور حول استهداف معادلة واحدة «العلاقة الوثيقة بين الجيش والمقاومة».

يهدف «داعش» ومشغلوه إلى محاربة حزب الله من باب المؤسسة العسكرية، عبر تصوير التعاون بين المقاومة المتمثلة بحزب الله الخطر الأكبر على الجيش اللبناني. وليس بعيداً أن يكون هذا أحدث وسائل العدو «الإسرائيلي» لاستهداف حزب الله وإحراجه في الداخل وبث جو من الإجماع حول خطورة تعاونه مع الجيش وأن حزب الله سبب في ضياع الجيش اللبناني وأخذه نحو الهاوية.

ميدانياً، ينتظر الجيش في الأيام المقبلة وبالتعاون مع المقاومة ـ والتعاون هذا لم يعد سراً ـ استحقاقات كبرى ومفصلية، فالحرب على الإرهاب رسمياً ستبدأ مع اشتداد البرد والصقيع، والانفجار المنتظر في ساحات المواجهة الحدودية في البقاع أو الشمال وربما غيرها آت لا محالة، والحديث عن السلاح لدعم الجيش من فرنسا وإيران ليس سوى ترجمة للمعارك المقبلة.

خرق الصف بين الجيش والمقاومة وخرق الثلاثية الذهبية «معادلة الجيش والشعب والمقاومة» أمران ليسا سهلين، وكان من أبطالهما كبار أطراف الرئيس السابق للبلاد العماد ميشال سليمان الآتي من المؤسسة العسكرية الذي أخذته حدّة مواقفه إلى اعتبار أن هذه المعادلة باتت معادلة خشبية.

أول خطوة يفكر بها عدو الجيش والمقاومة سواء كان «إسرائيل» أو «داعش» ليربح حربه، هي الفصل بينهما. لأنه يعلم حجم أهمية الجيش للمقاومة وحجم أهميتها له، فالحروب تعاون وتقاسم أدوار ويؤكد هذا الأمر، التعاون القديم بين الجيش السوري وحزب الله منذ ما قبل الأزمة السورية والتدريبات المشتركة والتحالف المشترك كتحصيل حاصل بين القيادتين، ولهذا فالتحريض كله يصب في إطار استكمال مخطط استهداف آخر الجيوش المقاومة المناهضة لـ«إسرائيل» و خرق صفها ووحدتها طائفياً وفئوياً هذه المرة عبر الجماعات الإرهابية المسلحة «داعش».

إنها «إسرائيل» إذاً، ومثلما فشلت دائماً ستفشل مجدداً والتجربة اللبنانية أثبتت أن الجيش اللبناني وإن أصابته نكسات يستطيع أن يحتفظ بمكانته في قلوب اللبنانيين وعقولهم، الذين يعتبرونه الأمل الوحيد لوحدة هذه البلاد.

اليد «الإسرائيلية» عبثت بالجيش السوري… اليد «الإسرائيلية» تعبث بالجيش اللبناني…

مكشوفة… فشلت… وستفشل.