عندما سُجّلت المواقف الإيجابية المتبادلة بين “حزب الله” و “تيار المستقبل“، ثمة من قال أنها رغبة رئيس مجلس النواب نبيه بري. معلوم عن رئيس المجلس دفعه الدائم لحوار بين فريقين أساسيين تنازعا في السياسة حول ملفات عدة داخلية وخارجية، إلا أنهما يتشاركان في الحكومة. تلك المشاركة تعني وجود روابط ومسؤولية يُبنى عليها لتقريب المسافات بين الفريقين.
تاريخيًا لعب بري دورًا بارزًا في صنع الحوار الوطني عام 2006 وما بعده. جمع الشمل في عز الأزمات السياسية فكانت عين التينة ممرًا للوفاق، مع أنّ بري لم يتنازل يومًا لا عن قناعاته السياسية ولا عن موقعه وتحالفاته. كان أكثر من دافع ولا يزال عن المقاومة.
قفز فوق النكايات الضيقة، ولم يتوقف عند هجمات متكرّرة بحقه أدّاها نائب “المستقبل” أحمد فتفت مثلاً، مع أنّ الأخير عضو هيئة مكتب المجلس النيابي التي يرأسها بري. قد تكون إشادة النائب مروان حمادة الأخيرة تحديداً بدور بري أفضل رد على تهجمات يؤديها عادة فتفت.
تقاسم رئيس المجلس النيابي و النائب وليد جنبلاط أدوارًا تشجيعية لجمع “حزب الله” و”المستقبل” نتيجة الخوف من إجتياح التطرف ساحات المنطقة. جاء كلام رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تبعه خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الإيجابي، ما شكل مقدمة بنّاءة استند إليها بري في تحركه لتقريب الفريقين والتخطيط لجمعهما لاحقاً على طاولة واحدة، بينما كان جنبلاط يدفع أيضاً لتحقيق الغاية نفسها.
فتحُ قنوات الحوار استلزم اجتماعات بدأت بين بري و”المستقبل” الذي تمثل برئيس الكتلة فؤاد السنيورة ومدير مكتب الحريري نادر الحريري. في الشكل، يعني حضور هذين المسؤولين من قبل التيار الأزرق الجدية والقرار والرغبة بتحقيق تقدم في الحوار. طبعاً يوجد تباعد كبير حول ملفات عدة بين الحزب والتيار، لكنّ بري سعى لرأب الصدع. تحتاج المهمة لإجتماعات إضافية. رئيس المجلس يواصل المساعي والجو ليس ضبابياً ولا سيئاً.
قيادة “حزب الله” تثق برئيس المجلس، وهو عادة يمون على الحزب، فماذا عن إستجابة “المستقبل”؟
توحي التسريبات التي حصلت للصحف عن إجتماع بري-“المستقبل” بأن التيار الأزرق يقف وراءها لأن بري لم يكن أطلع اياً من المقربين لديه. تفاجأ زوار عين التينة بما ورد في إحدى الصحف عن خبر الإجتماع، لم يكن بري ذكر أمامهم أي إشارة ولا معلومة، لكنه عندما سُئل لاحقاً رد: نعم حصل الإجتماع منذ عشرة أيام.
بالنسبة لرئيس المجلس، المسألة مهمّة بحجم الأجواء الإيجابية التي يتركها الصدى الطيب في البلد، إضافة طبعاً للدفع بإتجاه سلوك درب الإستحقاق الرئاسي.
أساساً التوافق غير المباشر على التمديد للمجلس كان مؤشراً لسلوك طريق التقارب عبر الحوار، خصوصًا أنّ بري كان ذكر مرات عدة أنه بدّل موقفه من التمديد نتيجة موقف الحريري. هنا يقتضي الأمر من الحريري رد التحية لرئيس المجلس.
في الأسابيع الماضية تأزمت العلاقة المتوافرة بين “المستقبل” و”حزب الله”، وتظهرت عبر موقف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، لكن الخطة الأمنية سلكت طريقها الآن في بعلبك والبقاع الشمالي، ما يعكس إشارات عن رغبة الفريقين بإزالة المطبات بينهما.
يبقى الموقف من الملفات الإقليمية التي تعرقل التقارب. لكن لماذا لا تُستنسخ تجربة جنبلاط-“حزب الله”؟ هي مثالٌ ناجحٌ عن تحديد قواعد الإشتباك السياسي. تحييد الموقف حول سوريا والبناء على الملفات الداخلية الجامعة خصوصًا أنّ تطورات أمنية حاصلة تدفع نحو الغوص في هذه التجربة.
اليوم ثمة عناصر مشتركة: “داعش” خطر على “المستقبل” تماماً كما هو على “حزب الله”. رغبة القوى الفاعلة إقليميًا ودولياً بتحييد لبنان. وجود مؤشرات خارجية عن تقارب محتمل بين طهران والرياض. التفاوض النووي بين الغرب وإيران. تقطيع الوقت داخلياً بإنتظار جلاء الصورة الإقليمية. الحاجة لوفاق يمهد لبت الإستحقاق الرئاسي اللبناني واستيلاد قانون الانتخابات الجديد. إدراك القوى أنّ لا قدرة على السير قدمًا بأيّ قضية دون وفاق سياسي ركيزته التقارب بين “حزب الله” و”المستقبل”.
مهمة بري ليست سهلة لكنّ اللبنانيين اعتادوا على قدرة رئيس المجلس في الجمع ولمّ الشمل وصنع الابتكارات السياسية.