يعيشُ العالم حالياً مرحلة من المُمَاطلة والتسوِيف، حيث يغيب الحسم عن المشاكل الإقليميّة والدَولية العالقة، الأمر الذي سمح لمنظّمة “داعش” الإرهابيّة بالإستمرار في إرتكاباتها بحقّ الإنسانيّة، في ظلّ إستعراضات إعلاميّة قلّ نظيرها لأعمال القتل الوحشيّة.
وبالتالي، وفي ظلّ إستمرار تقدّم الخلافات بين الغرب وروسيا على ما عداها من ملفّات دوليّة، وفي طليعتها ملفّ الحرب المفتوحة في سوريا، وفي ظلّ إستمرار الإنقسامات العربيّة الداخليّة، والتي تُتَرجَم صراعات بالواسطة في أكثر من مكان ومَوقع على الرغم من محاولات تقريب وجهات النظر، تُواصل مُنظّمة “داعش” الإرهابيّة إستعراضاتها الوحشيّة من قتل ونحر وتنكيل بحق أشخاص عُزّل، بغضّ النظر إذا كانوا رهائن مدنيّين أم أسرى عسكريّين. وهي بلغت أخيراً مرحلة مُتقدّمة من العراضات الدمويّة التي تُظهر نوعاً من عدم الإتزان العَقلي والخلَل النَفسي من جانب قادة هذا التنظيم، مُتزامناً مع محاولات البعث برسائل التخويف إلى العالم وبثّ الرعب ومشاعر الهزيمة في نفوس أخصامهم. فتصوير أفلام القتل الجَماعي بأسلوب الـVideo Clip، مع إخراج فنّي يُظهر رؤوساً مُطأطأة للخصوم الذين يسيرون نحو مصيرهم، وصُوراً مُقرّبة لأدوات القتل وهي السكاكين التي يَستلّها الناحرون واحداً تلو الآخر، قبل بثّ عمليّة الذبح الجَماعي بكامل تفاصيلها، وبأسلوب العرض التصويري البطيء، ثم إستعراض الرؤوس المقطوعة المُوزّعة على ظهور الجثث بشكل مُنظّم، لا يُمكن أن تتمّ إلا بتوجيهات من عقول مريضة.
صحيح أنّهم يُحاولون بأفلامهم المُصوّرة، ومنها الفيلم الذي جرى توزيعه في الساعات الماضية، التأكيد على أنّ أعدادهم في تكاثر على الرغم من كل العمليّات العسكرية والأمنية ضدّهم، وصحيح أنّهم يُحاولون أن يظهروا بمظهر القوي والمُنتصر والمتحكّم بأعناق خصومه، وصحيح أنّهم يحاولون في كلّ مرّة إخافة خصومهم أكثر فأكثر، لكن الأصحّ أنّهم بذلك يُثبتون للعالم أجمع أنّهم يعيشون في حقبة العصور الوسطى ووحشيّتها بحيث لم يعد بإمكان أحد مناصرتهم علناً، ويؤكّدون لخصومهم الكُثر أنّ لا مجال للتفاوض أو المساومة أو تقاسم السلطة معهم، ويدفعون كل من يقف في الجانب الآخر لموقعهم إلى التشدّد أكثر في موقفه ضدّهم، وإلى إتخاذ خيار المواجهة بكل شراسة وحتى الرمق الأخير، لأنّهم لم يتركوا أيّ خيار آخر أصلاً، حتى أنّ رسالة الرعب التي يُحاولون بثّها، فقدت معناها لأنّ الناس بدأت تعتاد على مشاهد القتل والذبح والتنكيل بالجثث التي يبثّها تنظيم “داعش” الإرهابي. ومع كل جريمة جديدة يعرضونها، يقلّ التأثّر العاطفي وتزداد مشاعر الكراهيّة ضدّ المنفّذين، وتحتقن النفوس أكثر فأكثر.
في الختام يُمكن القول، وللأسف الشديد، إنّ الخلافات الإقليمية والتسويف الدولي مُستمرّان… وكذلك عراضات “داعش”. ولا تظهر في الأفق أيّ بوادر لإمكان الخروج قريباً من هذه الدوّامة، حيث أنّ التعقيدات الإقليمية والدولية القائمة، وتضارب المصالح الكبير بين مختلف القوى المتورّطة بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع في سوريا، ومحاولة القوى المؤثّرة إستغلال الأوضاع القائمة لتعزيز مواقعها التفاوضيّة، تحول كلّها دون وضع حدّ لما يجري على الأرض السورية في المستقبل القريب. وبالتالي، لا يزال أمامنا مرحلة طويلة من القتل والعنف والدماء… قبل أن تُفتح أولى الثغرات لحلّ الأزمة، خاصة وأنّ أسباب نشوء “داعش”، وكذلك نموّها وتطوّرها ووصولها إلى ما هي عليه اليوم، لا تزال قائمة كلّها.