لا يمكن أن تحسد الولايات المتحدة الأميركية على الموقف الذي وضعت نفسها به، من وجهة نظر الكثيرين هي القوة العظمى المطلوب منها حل كل مشاكل المنطقة، في حين هي في الموقع المقابل متهمة من قبل فئات واسعة بالمسؤولية عن هذه المشاكل.
خلال لقاء مع مجموعة من الصحافيين اللبنانيين، شاركت “النشرة” فيه، كان يجهد مدير مكتب التواصل الإعلامي والمتحدث الرسمي باللغة العربية لوزارة الخارجية الأميركية جوشوا بيكر، بتأكيد أن بلاده لا تملك عصا سحرية، وبأن ليس المطلوب منها حل كل المشاكل، لكن ذلك لم يحول دون توجيه الأسئلة التي تحوّلت إلى حد الإتهامات وتوجيه النصائح من بعض المتذاكين لمعالجة الأزمات المتعددة، والتي تأتي الحرب على الإرهاب على رأسها.
“الجهود التي تقودها الولايات المتحدة مع شركائها الدوليين للتغلب على التحديات الإقليمية والعالمية”، كانت العنوان العريض لهذا اللقاء الذي دام لما يقارب الساعة من الوقت، وكان المتحدث الأميركي يريد التأكيد على أن بلاده تعتقد أنه، سواء كان هناك تهديداً أمنياً أو من المتطرفين أو تفشياً لفيروس، فالنجاح يأتي من الوحدة الدولية، ومع إدراك المجتمع الدولي أن الخطر الذي يبدأ محليًّا، سوف يمتد أثره في نهاية المطاف ويكون عابراً للحدود.
منذ البداية، كان من الواضح أن الأوضاع في سوريا والعراق، وخطر الحركات الإرهابية ستكون محور الجلسة، لا سيما بالنسبة إلى المواقف الأميركية التي تبدو غامضة في الكثير من الأحيان، لكن بيكر سعى إلى توضيح بعضها من دون أن يقدّم أجوبة مقنعة على أكثر من سؤال.
غزوة الموصل كانت مفاجئة!
عند السؤال الأول، سارع المتحدث الأميركي إلى التأكيد بأن تقدّم “داعش”، خاصة في العراق كان أمراً مفاجئاً، وبأن وكالات الإستخبارات الأميركية كانت متفاجئة ممّا يحصل ومن تصرف القوات العسكرية في العراقية في الموصل وشمال بغداد.
وأشار إلى أن مهمّة التحالف الدولي تركّز على تفكيك “داعش” وهزيمته أولاً في العراق لإعادة الإستقرار إلى هذا البلد، وأيضاً لتعبيد الطريق نحو حل سياسي في سوريا، وذكر بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان واضحاً بأن ليس هناك أي تغيير في الموقف من الأزمة السورية، والولايات المتحدة تريد حلاً سياسياً من دون الرئيس السوري بشار الأسد.
بعد ذلك، أوضح بأن هذه التنظيم ليس جديداً، ومن الممكن العودة إلى العام 2004، عندما بدأ تنظيم “القاعدة” بالعمل في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، لكنه جزم بأن مصيره سيكون الهزيمة، وذكر بأن داعش كان مُدمّرا في العراق، لكن المفاجأة، بالنسبة إلى واشنطن، كانت بقدرة هذا التنظيم على العودة من سوريا إلى العراق. وعلى الرغم من إعترافه بأن هذه المهمة معقدة قال: “سنقوم بتفكيكه وبعد ذلك هزيمته”.
الإستراتجية الحالية مختلفة عن السابقة
من ناحية أخرى، لفت بيكر إلى أن الإستراتيجية الأميركية الحالية مختلفة عن السابقة، فبلاده لا تريد العودة إلى العام 2003 أو إلى 1991، مشيراً إلى أن الإنتصار في هذه المعركة لا يمكن أن يكون من الخارج، مذكراً بأن الرئيس الأميركي أكد أن ليس هناك أي مشاركة لجنود أميركيين مقاتلين على الأرض سواء في العراق أو في سوريا، لأن هزيمة “داعش” تعتمد على القوات العسكرية العراقية وعلى قوات البشمركة وعلى العشائر السنيّة العراقية وعلى المعارضة المعتدلة في سوريا، بالإضافة إلى الحكومات في المنطقة والدول المجاورة وليس على الجنود الأميركيين، مشيراً إلى أننا “نعتقد أن أي تدخل أجنبي في المنطقة سوف يؤدي إلى تحديات جديدة”.
وأكد أن هذه الإستراتيجية، التي قد تأخذ وقتاً طويلاً، سوف تعتمد على القرارات السياسية في العراق وأيضاً داخل سوريا، وعلى مشاركة المجتمع الدولي في إيجاد حل سياسي للأزمة السوريّة.
أوباما لم يكن يريد العودة إلى المنطقة عسكرياً
في السياق نفسه، كان التشديد الأميركي على أن أوباما لم يكن يريد العودة مرة جديدة بشكل عسكري إلى المنطقة، فهو مقتنع بأن أي تدخل عسكري خارجي لا يساعد في إيجاد الحلول السياسية، لكن عندما بات هناك تهديداً لاستقلال العراق كانت الضربات الجوية، بعد طلب الحكومة العراقية مساعدة الولايات المتحدة.
ورأى بيكر أن الضربات الجويات منعت تقدم “داعش”، وهناك الكثير من الأمثلة، فالتحالف الدولي نجح، من وجهة نظره، عندما كان هناك تنسيقاً بين القوات العسكرية العراقية والضربات الجوية الدولية التي لم تكن أميركية فقط.
وشدد على أن الولايات المتحدة سوف تقوم بتدريب وتقديم المشورة وتجهيز القوات العراقية في محاربة “داعش”، موضحاً أن هذه القوات كانت تعتمد بشكل كامل على بلاده، لكن أوباما يرى حاليًّا أن الضربات ممكن أن تستمر دون وجود أي دور لجنود أميركيين مقاتلين، كاشفًا أن الحكومة العراقية لم تصدق ذلك بداية، لكنها أدركت لاحقًا أن التحالف الدولي سوف يعتمد على القوات العراقية البرية.
وأشار إلى أن تدريب الجيش العراقي سيشارك فيه جميع دول التحالف، الّتي تمارس الضغط على الحكومة العراقية لادخال القبائل السنيّة في المعركة، لا سيما بعد الذي حصل مع قبيلة البو نمر، ورأى أن هذا تقدماً بفضل التحالف والحوار والمناقشات.
لا وجود لصفقة مع إيران
في ظل الحديث عن الأوضاع في سوريا والعراق، وجد المتحدث الأميركي نفسه مضطراً للدفاع عن وجهة نظر بلاده بالنسبة إلى العلاقة مع إيران، لا سيما بعد أن نُقلت إليه هواجس بعض الدول العربية الحليفة لها من إحتمال عقد واشنطن صفقة مع طهران، وتحميلها المسؤولية عن الأوضاع في المنطقة بسبب عدم تدخلها مباشرة في سوريا منذ بداية الأزمة، حيث أن البعض يساوي بين “داعش” وأخواتها والنظامين السوري والإيراني، ويرى هؤلاء أن الولايات المتحدة لم تعد تهتم بهذا الجانب وتركز على مواجهة إرهاب “داعش” فقط، في حين أن أنصار المحور المقابل يعتبرون أنها مع حلفائها مسؤولون عن هذه الظاهرة.
بيكر، ومنذ التشكيك بقوله أن الولايات المتحدة لم تكن تدرك بأن “داعش” سوف يغزو الموصل ويشكل خطراً على إستقلال العراق، رد بشكل واضح: “وكالات الإستخبارات كانت تعرف أنه يشكل خطراً، لكن هل هي ستحل كل مشاكل المنطقة؟”.
وأشار إلى أن هذه المشاكل من المنطقة وسببها يعود إلى العناصر الموجودة والسياسة الخاطئة من قبل الحكومات، لافتاً إلى أنه كان هناك اختلافاً كبيراً في النهج بين أوباما والرئيس السابق جورج بوش، معرباً عن إعتقاده بأن بلاده لم تتأخر بالذهاب إلى مواجهة الخطر الإرهابي، قائلاً: “نحن في الطريق الصحيح، فهناك تقدم للقوات العراقية في العراق وهناك ضغط على “داعش”، والكثير من كبار قادة التنظيم ماتوا في الهجمات”.
بعد ذلك، شدد على أن بلاده تدرك كل الهواجس الموجودة في المنطقة، لا سيما بالنسبة إلى الحديث عن صفقة مع إيران، لكنه جزم بأن ليس هناك أي صفقة معها، هي موجودة في المنطقة وكل الدول المجاورة لها أيدت العقوبات الإقتصادية، التي دمرت تدميراً كاملاً الاقتصاد الايراني وكان لها التأثير الكبير في عودتها إلى المفاوضات مع مجموعة دول 5+1.
وأضاف: “نحن نعرف أن هناك مشاعر بأن واشنطن اقتربت من ايران، لكن هذا غير صحيح، ونحن نعرف أيضاً أن طهران تزعزع الاستقرار في الكثير من دول المنطقة، لكن نحن منعناها من الحصول على سلاح نووي”، مؤكداً أن “ليس هناك أي رابط بين أي اتفاقية نووية مع ايران وتصرفاتها في المنطقة”.
المشكلة الأكبر في سوريا
خلال هذه الجلسة، كان من الواضح أن المشكلة الأساس التي تواجه التحالف الدولي هي سوريا، لا سيما أن ليس لديه حلفاء أقوياء على الأرض يستطيع الإعتماد عليهم في محاربة “داعش”، الأمر الذي إعترف به بيكر عبر التأكيد أن “هذا أصعب جزء من الاستراتيجية”.
وتطرق إلى العلاقة مع المعارضة السورية، ولفت إلى وجود عناصر معتدلة منذ البداية داخل سوريا وخارجها، مع معضلة كبيرة بأنها لم تكن موحدة، مشيراً إلى أننا “كنا نتعامل مع هذه العناصر مع علمنا بانه ستتشكّل حكومة جديدة في دمشق في المستقبل، ويجب أن نبحث عن بديل عن الحكومة الحالية من بين العناصر المعتدلة، ولكن نحن نعرف أن هذا صعب”.
وشدد على أن الولايات المتحدة غير مقتنعة بأي تدخل عسكري لحل المشكلة السوريّة، فهي تعلمت من التجربة في العراق، موضحاً أنها تعتقد بأن حل هذه الوضع المأزوم يكون في الوحدة الدولية وعبر المحاولات الدولية وليس بحركة فردية من قبلها.
لبنان والإرهاب
على الرغم من المخاطر الكبيرة التي تحدق بلبنان، لم تشكّل الأوضاع فيه إلا هامشاً قصيراً من النقاش، كانت تتولى مسؤولة القسم الثقافي والإعلامي في السفارة الأميركية في بيروت روبن هولزاور توضيح وجهة نظر بلادها منها، لافتةً إلى تقديم مساعدات كبيرة إلى لبنان كونه المتضرر الأكبر من الأزمة السورية ويتحمل الكمّ الأكبر من النازحين.
وأشارت إلى أن بلادها تقدر جيداً دور لبنان واستقباله النازحين ودعمهم ومشاركته في كل من مؤتمر جنيف 1 و2، لافتة أيضاً إلى المساعدات التي قُدّمت إلى المؤسسة العسكرية.