كتب الصحافي سمير منصور في جريدة “النهار” :
في زمن تصاعد الحديث عن الحوار، لا بد من التذكير بأنه “يكون عادة بين مختلفين” وفق رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتلك الاشارة تبدو ضرورية، وخصوصا لمنتقدي الحوار سلفاً بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”، ومن كل الجهات من دون استثناء، فإذا كان التفاهم تاما بين الطرفين فلمَ الحوار بينهما؟ وهنا ينبغي التمييز بين رافضي الحوار بالمطلق من دون اي حجج مقنعة، ودعاة وضع قواعد له. وعلى سبيل المثال، بدا رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة في نظر أطراف قريبة من فريق 8 آذار وكأنه “ضد الحوار” بمجرد انه اقترح وضع قواعد له، وفي ذلك ظلم للرجل الذي أكد أن القواعد ضرورية لحوار جدي وناجح. كما يحلو لبعض القريبين من فريق 14 آذار استتباع ترحيبهم بالحوار مبدئيا، بالتشكيك في التزام “حزب الله” ومعه فريق 8 آذار بما يمكن ان يتم الاتفاق عليه، ويضرب هؤلاء مثلا “ما سبق ان اتفق عليه على طاولة الحوار الوطني” التي طواها النسيان… وفي ذلك ظلم وحكم استباقي على الدعوة التي اطلقها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير في ذكرى عاشوراء الى حوار مع “تيار المستقبل” مشيدا بمواقفه في مواجهة التطورات الامنية الخطيرة التي استهدفت بعض المناطق في الشمال والبقاع وتضمنت دعما مطلقا للجيش في مواجهة المجموعات المسلحة على اختلافها، والجرائم الارهابية، وذلك في رسالة واضحة الى زعيم “المستقبل” الرئيس سعد الحريري.
وأياً تكن خلفيات الدعوة التي صدرت عن أعلى مرجع في “حزب الله” والركن الاساسي في فريق 8 آذار، وكذلك خلفية اي دعوة سابقة او لاحقة للحوار مع الرئيس الحريري، فإن ايا من الطرفين لا يستطيع رفض مثل تلك الدعوة ايا يكن مصدرها وخلفياتها، وكذلك ليس في استطاعة أي طرف سياسي رفضها، فسيكون محرجا امام الغالبية الساحقة من اللبنانيين ان يستفزها الخطاب السياسي التعبوي والتحريضي من اي طرف كان، وتدعو الى الحوار سبيلا لحل الخلافات، مع الاشارة الى ان الضغوط والمؤثرات الخارجية شرقا وغربا ليست خافية على أحد، ومن السذاجة تجاهلها، وثمة مسؤولون يشيرون اليها صراحة، اذ يعلنون ترقب نتائج محادثات اميركية – ايرانية في فيينا ليبنوا على الشيء مقتضاه ولمعرفة ما اذا كان سيتم الافراج عن الاستحقاق الرئاسي في لبنان، والموضوع ليس على جدول اعمال تلك المحادثات، بل في الأسر وبين الاوراق التي يُحتفظ بها للضغط وتحسين شروط التفاوض!
ولئن يكن من الضروري انتظار ما سيقوله الرئيس سعد الحريري في اطلالته الاعلامية مساء غد، فإن التسريبات والمواقف سبقته، ومن الجهتين على حد سواء: مصادر في “تيار المستقبل” رحبت بالحوار مع التذكير بضرورة وضع جدول اعمال جدي وتأكيد الطرفين التزام ما يمكن ان يُتّفق عليه. ومصادر في “حزب الله” أعلنت عدم الاستعداد لمناقشة ملف مشاركته العسكرية في الحرب الدائرة في سوريا دعما للنظام. ونسب الى تلك المصادر ايضا عدم الاستعداد لمناقشة الاستحقاق الرئاسي، وهنا يصبح التوجس مشروعا: اذا كان هذان الملفان الكبيران خارج النقاش، فعلامَ يمكن ان يتفق الطرفان؟
ترى جهات سياسية محايدة من خارج الاصطفاف بين 8 و14 آذار، ان في استطاعة الطرفين اعتماد “الوصفة الجنبلاطية” في الحوار، وانطلاقا من نقاط التلاقي، وهي غير قليلة، واولاها عدم استطاعة اي طرف المزايدة على الآخر في الموقف من الخطر الاسرائيلي التاريخي على لبنان والدول العربية، والحق في مقاومة اي عدوان اسرائيلي، وثانيتها استشعار الطرفين بخطر المجموعات المسلحة ومصادر الارهاب على اختلافه، وثالثتها التلاقي عند ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، وان يكن حليف “حزب الله” رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون ونوابه وبعض حلفائه اعلنوا عدم انزعاجهم من الفراغ الرئاسي وان لا مشكلة في ظل عدم التفاهم على “رئيس قوي” معروف الاوصاف، و”يشبه” العماد عون وذلك في رد على اتهام “الحزب” و”التكتل” بتعطيل الانتخابات الرئاسية بايعاز ايراني واستطرادا سوري، في انتظار جلاء محادثات فيينا النووية التي رُحّلت الى تموز المقبل…
بيد ان اعلان الامين العام لـ”حزب الله” في خطابه الاخير التمسك بحليفه عون مرشحا وحيدا للرئاسة، لا يعني، على الرغم من “النقطة على السطر”، عدم الاستعداد لمناقشة الاستحقاق الرئاسي وإمكان التوافق على مرشح يحظى بتأييد طرفي الانقسام في 8 و14 آذار. ألم يكن موقف “الحزب” ولا يزال انه مع عون ما دام مستمرا في الترشح؟ هذا الموقف لا يعني رفض اي مرشح آخر بالمطلق، وإن يكن عون هو المرشح المفضل لـ”حزب الله” لأسباب كثيرة معروفة…
وفي المحصلة، فإن الحوار بين طرفين مختلفين مفيد في اي وقت، وفق مرجع سياسي، لكنه على اهميته لا يكفي وحده، بل المطلوب حوار وطني وتوافق على قيام دولة قادرة وعادلة أقوى من الجميع، مع التوصل أولا الى فهم مشترك لمواصفات تلك الدولة التي يعلن الجميع انهم ينتظرون قيامها!