كتب الصحافي مارون ناصيف في موقع النشرة الالكتروني :
وفي نهاية المطاف، عاد “تيار المستقبل” الى لغة العقل والحوار، الحوار مع الآخر للتلاقي ولو على القليل من النقاط المشتركة، لمصلحة لبنان، حوار بغض النظر عما يمكن أن ينتج عنه، وحتى لو لم يثمر شيئاً، يبرّد الأجواء الساخنة على الأقل بعض الشيء بين السنة والشيعة. حوار كان يجب أن يبدأ منذ زمن، يقول المتابعون لتطورات العلاقة بين الفريقين، لو أخذ التيار الأزرق بعين الإعتبار كل النصائح التي أعطيت له في السابق. نصائح يصر المقربون من الحزب والتيار في آن معاً على التوقف عند بعضها، علّ هذا التوقف يؤدي إلى التخلي عن التكابر الذي إعتمد في المرحلة الماضية.
لا يعود المقربون الى الزمن البعيد بل الى تشكيل حكومة تمام سلام. ويقولون “منذ أن كلف سلام تشكيل الحكومة، رفع تيار المستقبل سقف شروطه للمشاركة فيها الى أقصى الحدود على إعتبار أنه المنتصر الأول من إستقالة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وراح نواب التيار الأزرق ووزراؤه يقولون عبر وسائل الإعلام تارةً إنه “من سابع المستحيلات الجلوس الى طاولة وزارية واحدة مع حزب الله الإرهابي”، وطوراً “إن حزب الله الذي تفرّد بالقرار وراح يقاتل في سوريا لا يحق له أن يشارك في حكومة قد يهيمن على قرارها في أي لحظة وهذا أمر مرفوض”.
وعلى رغم ذهاب مجموعات تدور في كنف “تيار المستقبل” للمشاركة في القتال السوري ايضاً، بقي هذا الفريق مصراً على إستعمال هذه الورقة سلاحاً لاستبعاد خصمه عن الحكومة السلامية. وبعد إغتيال الوزير محمد شطح تمسك التيار الأزرق أكثر فأكثر بشروطه غير القابلة للتطبيق.
في تلك المرحلة، انهالت على قيادة التيار النصائح القائلة بضرورة التخفيف من شروطه هذه لأنه سيأتي يوم بالتأكيد يوافق فيه على إعطاء “حزب الله” حصة في الحكومة، على قاعدة عدم تغييب مكون أساسي عن تركيبة السلطة التنفيذية. المطلعون على هذا الملف يكشفون أن أكثر من نصح “تيار المستقبل” على هذا الصعيد هو رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي وعلى رغم إختلاف موقفه عن موقف “حزب الله” حيال الأحداث في سوريا، كان يؤمن تماماً بضرورة مشاركته في الحكومة، لذلك كان يوجه النصيحة تلو الأخرى لـ”تيار المستقبل” من دون أن تلقى هذه النصائح آذاناً صاغية. وفي المعلومات المتوافرة، لم يوفر الزعيم الدرزي مناسبة إلا ونصح فيها حليفه السابق، أكان عبر اللقاءات الحزبية التي كانت تعقد مع قيادة التيار حتى في عز الأزمات بين الفريقين، او بطريقة غير مباشرة عبر الوسيط السعودي وتحديداً من خلال الزيارات التي قام بها وزير الصحة وائل أبو فاعور برفقة تيمور جنبلاط الى المملكة العربية السعودية بين الحين والآخر. و”للمفارقة” يقول المطلعون، “إقتنعت المملكة ولم يقتنع تيار المستقبل بهذه النصائح”.
أيضاً من بين الذين قدموا نصائح على هذا الصعيد لقيادة التيار الأزرق، كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي على رغم خلافه السياسي مع هذا الفريق، لم يقطع خطوط التواصل معه. وبحسب أوساط متابعة كان بري يشدد دائماً في نصائحه على ضرورة أخذ الأحداث السورية وانعكاساتها على اللعبة الداخلية في لبنان بعين الإعتبار، إذ أن أي مقاربة لملف داخلي في هذه المرحلة يجب أن تنطلق من خارج الحدود لا من داخلها حيث المؤسسات مشلولة. كل ذلك وبقي “تيار المستقبل” يرفع سقف شروطه من دون أن يخفف حملاته الحكومية على الحزب.
كل هذه النصائح، أضف اليها تلك الأخرى التي قدمت من الأفرقاء الذين يصنفهم التيار الأزرق في خانة الخصوم، لم تلق من يأخذها على محمل الجد داخل التيار سوى مجموعة صغيرة من النواب والقياديين، لطالما عبّرت عن رأيها بصوت خافت في هذا المجال خوفاً من إتهامها بالتساهل مع “حزب الله” وإقصائها من مواقعها فيما بعد. أما اليوم وبعدما قرر الحريري السير بالحوار، لا بد من طرح السؤال، هل يدرك مدى الخسائر التي لحقت بلبنان ومؤسساته نتيجة التكابر الذي إعتمد بالأمس؟
http://www.elnashra.com/news/show/815953/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%A3%D8%B9%D8%B7%D9%8A%D8%AA-%D9%84%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D8%A3%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A3%D8%B0%D9%86%D9%87