إعداد وحوار: منى العريضي
لم يأتِ اللقاء مع الطبيب وهو على طريق “البروفسورية” غازي الحلبي محض صدفة، إنما وقع أصداء نجاحاته وصلت إلى مسامعنا وأفئدتنا وشراينها التي يعتني بسلامتها بدقة، ليستحق بذلك لقب طبيب النوايا الحسنة وسفير المهنة لكثرة أسفاره متنقلاً بين ثقافات العالم مستقدماً حداثة الطب والأجهزة … لم يكتفِ بتحصين نفسه علمياً وطبياً، بل عمد لإيصال هذه الثروة إلى أكبر عدد ممكن من خلال تنظيم المؤتمر اللبناني – الروسي الاول، الذي يُعَد خطوة إستباقية مبشّرة للبنان الإنجازات من جديد .. لبنان الحضارة وموطن الثقافات ومهد الرسائل الإنسانية.. وهو الذي رسّخ مفهوم الانسان الحقيقي في كتابه” بوذي من التيبت” … د. غازي الحلبي، رسولٌ في زمن الوعكات .. وفي هذه المقابلة تكمن التفاصيل.
1- كطبيب مساهم في نشر الثقافة الطبية، حدثنا عن آخرالإنجازات على المستوى الشخصي لا سيما بعد استضافتك لمجموعة أطباء من روسيا للمشاركة في المؤتمر اللبناني – الروسي الطبي لأول مرة في لبنان.
بالفعل أنه المؤتمر الطبي اللبناني – الروسي الاول. يوجد في لبنان جمعية منذ 45 سنة، الا إنها لم تقم بأي نشاط مماثل حتى يومنا هذا. مما استدعى منا نحن “خريجين اتحاد السوفياتي والدول الإشتراكية” بالسعي إلى تنظيم المؤتمر ولو جاء على صعيد مبادرة وجهد فردي محض… لكني نجحت والحمدالله!
قسم كبير من خريجي اتحاد السوفياتي تسلم اليوم أهم المناصب والمراكز، فمنهم نواب البرلمان اللبناني ومنهم مدراء لمؤسسات كبرى او جامعات ومعاهد على مستوى عالٍ.
فقد نجحنا على صعيد افراد ولكننا فشلنا على صعيد جماعات. والسبب الرئيسي في ذلك هو انغماسنا في متاهات والصراعات السياسية والطائفية غير المجدية ككل المواطنين اللبنانيين، ولكن يبقى عنصر “الأنا” هو الأقوى والاكثر سلبية تأثيراً على مسيرة التقدم والتطور. فقد نُظم مؤتمراً متواضعاً منذ عشرين سنة في شتورا بمبادرة فردية فقط. أما المؤتمر اللبناني – الروسي هو الأساسي والفعلي والأول في لبنان رغم كل العراقيل التي واجهتنا. فقد اتخذت على عاتقي كل المسؤولية والتنظيم بمبادرة فردية بعد أن تعذر على نادي الخريجين تنظيمه فاستلمت هذه المهمة بنفسي وهو تحدي بحد ذاته ونحمد الله ان المؤتمر لاقى الإيجابية ودعم من قِبل نادي معاهد وجامعات روسيا حيث حمل إسم النادي.
ونسطيع القول ان مع نجاح هذا المؤتمر هو نقطة انطلاق سلسلة مؤتمرات في المستقبل، ويجب ان يتكرر هذا النشاط سنوياً لا سيما بعد ان لمسنا اهتماماً خاصاً لدى المشاركين المتعطشين لمثل هذه المؤتمرات في ظل مشاركة أطباء روسيين على مستوى عالمي.
من جهة ثانية، لقد فوجئنا بعدد المشاركين الذين أتوا من جميع المناطق اللبنانية رغم قساوة الطقس حينها ورغم ايضاً كل المحاولات لإفشال المؤتمر وتوقيفه بشتى الوسائل، ومن هنا أتوجه عبركم بشكر خاص لكل من حضر وتفاعل مع المواد المطروحة والمحاضرات التي ألقيت.
2- ماذا كان يتضمن برنامج المؤتمر؟
نُظم البرنامج على اساس أحدى عشر محاضرة القاها 9 محاضرين ستة منهم أطباء روسيين وثلاثة لبنانيين. تركزت خمس محاضرات منها حول أمراض القلب والشرايين كما أُلقيت محاضرتين عن أمراض الكبد وأُخرى عن تشمّع الكبد ومحاضرتين عن مرض السكري ومرض الغدة الدراقية وأيضاً محاضرة عن الضغط المرتفع ومحاضرة حول قصور العضلة القلبية واخرى حول عدم انتظام دقات القلب، كما كان هناك محاضرة حول الابتكارات الروسية لوسائل واجهزة متطورة تساهم في معالجة انتظام دقات القلب.
اما المحاضرات اللبنانية ألقاها د. مكرم بحمد حول الجلطات القلبية والمحاضرة الثانية القاها د. حكمت الأحمدية حول ترقق العظم اما المحاضرة الثالثة قدمتها بنفسي وهي حول تغييرات وظائف الاعضاء وتحدثت عن اجهزة متطورة من الإنتاج الروسي مهمته الكشف المبكر للخلل الناتج عن عدم انتظام دقات القلب والذي غالباً ما يؤدي للموت المفاجئ.
وقد تخلل المؤتمر جلسة من الأسئلة والحوار المفتوح للإستيضاح.
أما المهرجان الخطابي فقد كان برعاية وزير الصحة وائل أبو فاعور ممثلاً بالدكتور بهيج عربيد ومشاركة جمعية أطباء القلب ونقابة أطباء القلب. فكانت للوزارة كلمة بالمناسبة اما افتتاحية الكلمات كانت لرئيس النادي د. رجا علي وقد تحدث كل من د. نيكولا مسلم الذي القى كلمةجمعية اطباء القلب وكان هناك كلمة بإسم السفارة الروسية وكلمة اخرى للوفد الروسي.وفي ختام المؤتمر تم توزيع دروع تقديرية على الاطباء المشاركين في المؤتمر عربون شكر وامتنان.
3- لماذ لم يتم تنظيم مؤتمرات مماثلة في السابق؟
السبب الرئيسي يعود الى ضيق الأفق نتيجة تأثّر البعض بالتجاذبات السياسية أو المصالح الخاصة في حين غالباً ما كانت تطغى ” الأنا” على المصلحة العامة عدا عن انجراف البعض لسياسة الأحزاب التي لا تمت للطب بصلة بحت… لذلك أنا أقول أننا فشلنا على صعيد الجماعة.
– هل إقتصر دور وزارة الصحة على رعاية النشاط فقط؟
لقد دعينا وزارة الصحة ولبت الحضور كما رعت الحفل وقد كانت لهم كلمة بالمناسبة.
4- لماذا وُجهت الدعوة للأطباء الروس وليس سواهم؟
لقد خُصص المؤتمر لخريجي الإتحاد السوفياتي واليوم أصبحت روسيا بالطبع، حيث نال معظم الطلاب الأجانب الشهادات من جامعات الاتحاد السوفياتي ولا سيما من جامعة الصداقة التي تأسست عام 1960 التي شرفنا منها معظم الوفد الروسي المشارك في المؤتمر. فقد تأسست الجامعة آنذاك خصيصاً للأجانب، اما اليوم اصبحت مختلطة للروس والاجانب معاً وتحول اسمها من جامعة الصداقة بين الشعوب الى جامعة الروسية للصداقة بين الشعوب حيث فاق عدد خريجي الجامعة في السنوات الاخيرة عشرة آلاف متخرج في كافة الإختصاصات ( طب، هندسة، فنون، مساحة ….الخ)
ولكن على الرغم من أن عددنا جداً كبير إلا اننا لم نستطع تنظيم أنفسنا. فلم نؤسس لا مصانع ولا مستشفيات أومدارس وليس لنا إعلامنا الخاص حتى. كم كنا لنخدم مجتمعنا اللبناني في هذا الإطار لو أننا حققنا مثل هذه الإنجازات من خلال مؤسساتنا.. ولكن مع الاسف هذا ما لم يحصل.
5- لقد تحدثت عن عراقيل واجهت التحضيرات للمؤتمر وتنظيمه ، ما هي تلك العراقيل؟
“الأنا” اكثر مما هي عراقيل سياسية او دينية والأنا الطاغية تلك التي يمارسها البعض الذين يعتبرون أنفسهم متضررين على الرغم انه كان باستطاعهم القيام بمثل هذا المؤتمر.. ولكن أحداً لم يتحرك طوال هذه السنوات لا بل حاولوا عرقلة تنظيم نشاط بهذا الحجم بشتى الوسائل من لبنان وصولاً الى موسكو عبر إرسال رسائل تحول دون مجيء الوفد للمشاركة في المؤتمر بحيث توقفت التجهيزات الخاصة لإستضافة الوفد الروسي ثلاث مرات وحتى الآن لم أفهم سبب هذه المحاولات على الرغم إنني انصفت الجميع في الدعوة بالتساوي ولم أستجهل أحد وقد نظمت البرنامج متضمناً كلمات للجميع إيماناً مني بأهمية مثل هذه المؤتمرات في بلاد العلم والثقافة والطب المتطور.. ولكن البعض اصّر ان يضع” فيتو” على نفسه.
6- هل تعتبر أن المؤتمر حقق الأهداف التي كنتم تصبون إليها؟
الخطوة كانت جداً ناجحة رغم ضيق الوقت للتحضير لمؤتمر بهذا الحجم، فضلاً أن عامل التمويل كان جداً خجول وذلك بسبب تزامن المؤتمر مع نهاية العام وهي الأشهر التي تستعد الشركات فيها للقيام بالجردة السنوية وبالتالي لم تسطع تقديم رعاية او دعم مادي يساهم في تعزيز قدراتنا مما اضطررنا لتحمل تكاليف المؤتمر بنفسي مع الدكتور د. غازي الشعار واقتصرت المشاركة الخجولة على بعض شركات الأدوية ومع ذلك مشكورين.
-هل كانت الكلفة مرتفعة ؟
الكلفة نسبياً مرتفعة لأن الحضور تخطى ال200 شخص في فندق فخم فضلاً عن تكاليف سفر الوفد الروسي ذهاباً وإياباً وإقامتهم في لبنان خمسة أيام إضافة إلى البرنامج الذي واكب المؤتمر … ومع ذلك لم نسأل عن الكلفة طالما إننا استطعنا وضع حجر الأساس لمؤتمرات مماثلة في المستقبل.
7- ماذا قدمت لك هذه التجربة على الصعيد الشخصي والعلمي والمهني ؟
لم يكن الهدف شخصي من هذه الخطوة على الإطلاق. لا بل انشغلت جداً في التنظيم لدرجة قلما سنحت لي الفرصة الإستماع للمحاضرات، ولكن كنت سعيداً في التنظيم الذي يستحق لمؤتمر مثيل . وأفضل ما حصل معي هو إلقائي محاضرة عن موضوعين جدد وهو الامر الذي استحوذ اهتمام الحاضرين لا سيما اني تحدثت باللغة العربية بطلب من رئيس الجمعية الصديق د. نيكولا مسّلم ومجموعة من الأطباء وممثلي شركات الادوية الذين تعذّر عليهم فهم اللغة الروسية فاضطررنا إلى ترجمة المحاضرة من العربية الى الروسية عبر شاشات عملاقة كي تصل الرسالة الى كافة الحضور دون استثناء. فقد نوّه الزميل الدكتور بسام غازي بهذه الخطوة كما قدم اقتراح لجمعية أطباء القلب ونقابة اطباء لبنان يقضي بوضع الشاشات المترجمة بلغات العالم الاساسية، على ان تكون المحاضرات المباشرة بلغتنا العربية. معتبراً ان اي محاضرة هي عبارة عن رسالة وواجب ان تصل هذه الرسالة الى اكبر عدد ممكن بالإضافة الى الترجمة لمن تعذر عليهم فهم اللغة العربية لكي تصل المعلومة للجميع.
8- سياسياً، هل تعتبر أن للسياسة دور في عرقلة أو تسهيل مثل هذه المؤتمرات على مستوى لبنان؟
لم يتدخل رجال السياسة تحديداً عرقلة مشروعنا ولكن دائماً هناك من يعوّل على إفشال العمل لشدة رغبتهم في الهيمنة أو نحن او لا أحد حتى على المؤتمر طبي علمي.
ما هي الرسالة التي توجهها في هذا الإطار؟
في ختام المؤتمر تحدثت عن ما يسمى “توصيات المؤتمر” تمنيت فيها أن تكون هذه الخطوة بداية لسلسة مؤتمرات وأكدت على أهمية مثل هذه النشاطات على مستوى لبنان، وأن نحتفظ بكل معتقداتنا الدينية والسياسية والخلفيات والافكار بعيداً عن المهنة والمسيرة العلمية والتطور الطبي والثقافي والتي لا تساهم في أي تقدم لا بل تعيق تقدمنا وتفاعلنا مع المجتمعات المتطورة والرائدة في هذا المجال. ودعيت الجميع للعمل لمصلحة الوطن وأهله.
كما سأوجه رسالة من خلالكم انتم الإعلاميين وهي ضرورة التركيز في رسائلكم الإعلامية على ايجابيات هذا الوطن واهم الإنجازات على جميع الأصعدة بدل التركيز على السلبيات والفضائح التي لا تفيد المواطن بشيء. وأن تعملوا على تخصيص مساحة إعلامية للثقافات على انواعها بما فيها الطب الذي يعود بفائدة جيدة للمواطن بدل نقل المشادات الكلامية والنزاعات التي من شأنها تعزيز الانقسامات عدا عن التوتر الذي يصيبهم نتيجة الأخبار السلبية والتي هي عامل من عوامل أمراض القلب نتيجة القلق والخوف وعدم الراحة النفسية.
-بالحديث عن الإعلام، هل حصلتم على مواكبة إعلامية تليق بأهمية المؤتمر؟
مع الاسف، لقد وقع خطأ بهذا الشأن بحيث أن الدعوات وصلت للمؤسسات الإعلامية بعد يومين على انتهاء المؤتمر وذلك بسبب التأخير الذي نتج عن الشركة الموزعة لدعوة الإعلاميين لتغطية هذا الحدث وهذا ما حصل بالنسبة لجميع الدعوات المتبقية وهو الأمر الذي استدعى الى استبدال الدعوات الخطية بالإتصالات المكثفة بالمعنيين بمساعدة الاطباء السادة رجا العلي وهشام غريزي وغازي الشعار والدكتور الصديق عادل سري الدين الذي كان له مشاركة فعالة في هذا المؤتمر مشكورين جميعاً على جهودهم وهم الذين أمنوا التواصل سريعاً مع معارفهم والحضور وسواهم.. إذاً هذه المسألة من نقاط الضعف التي واجهتنا ومع ذلك، لقد تم توزيع الخبر على الوكالات وبعض الصحف مشكورين لاهتمامهم.. ولكن في المؤتمر القادم الذي سيكون في أوائل ايار المقبل انشاءالله سوف يكون لدينا الوقت الكافي لتجنب مثل هذه الهفوات استعداداً لمؤتمرات طبية وعلمية كثيرة مستقبلياً تليق بهذا الوطن العزيز.
9- هل تتوقع عراقيل كالتي واجهتموها في المؤتمر المقبل؟
لا أتوقع ذلك لأن الطبيب اللبناني اقتنع بأهمية استقدام مثل هذه المؤتمرات الى لبنان ومشاركتهم الفعالة وتبادل الخبرات والمعلومات، وبات يعرف تماماً الإنعكاسات الإيجابية على المستوى لبنان كله. فقد لمست هذه الإنتفاضة عند العديد من الأطباء اللبنانيين الذين رغم كثرة الأقاويل والإشاعات المغرضة التي لاحقت التنظيم، ولكنهم أصّروا على مشاركتهم والقاء كلماتهم ومساندتهم لنا. وانا اعتبر موقف وتحدي بعد أن رأى الطبيب المشارك بأم عينه اهمية ما قمنا به.. لذلك لن نتراجع عن استعدادتنا للمؤتمر المقبل مهما كلف الأمر.
-كطبيب مختص بأمراض القلب والشرايين، هل ترى نسبة الإصابات بأمراض القلب الى ازدياد لا سيما عنصر الشباب منهم؟
يمكن تسمية امراض القلب اليوم بأمراض المدنية الحديثة، إن تطور المرض مرتبط بتطور المدنية وذلك بسبب الكسل. فلقد إعتاد أجدادنا على السير مشياً بدل السيارة وتناول الأكل الصحي. اما النمط المتبع اليوم نتيجة التكنولوجيا الحديثة التي ترتكز عليه معظم اعمالنا وهو من الاسباب التي تحول دون سبب تحريك الجسم لوقت طويل من شأنها المساهمة في زيادة الأزمات القلبية لا سيما ان نوع الأكل تغير. كما ان هناك عامل آخر لا يقل خطورة وهو life stress او ضغط الحياة الذي يعيشه المواطن في ظل الضغوطات الحياتية ومشاكلها ومتطلباتها والتي حتماً تساهم في رفع الضغط والسكري. فقد أكدت الدراسات الى ارتفاع نسبة المصابين بشكل ملحوظ مقارنة بالإجيال السابقة التي كانت تعيش في ظل الطبيعة الهادئة لا تشبه البيئة التي نعيش فيها اليوم حيث تتحكم فيها المدنية الحديثة التي تجبر الإنسان الإنخراط بها.
في لبنان، الطب متطور جداً والدليل على ذلك هو عندما نشارك في مؤتمرات عالمية يتبين ان الجمعية الأكثر نشاطاً وتفوقاً، هي الجمعية اللبنانية بين الدول العربية كافة لا سيما جميعة أطباء القلب في لبنان.فالقلب هو العضو الذي يلعب الدور الأساسي في حياة الإنسان. وفي هذا الإطار أوّد أن أوجه تحية خاصة من خلالكم للدكتور نيكولا مسّلم الذي تسلم رئاسة الجمعية منذ سنة الذي تكللت بنجاح ملحوظ نتيجة النشاطات المكثّفة والمؤتمرات المتلاحقة على كافة الاراضي اللبنانية… د. نيكولا مسّلم أشعل ثورة داخل الجمعية لأهمية النشاطات التي يقوم بها، فضلاً عن مشاركة الجمعية بأهم المؤتمرات على المستوى العالمي.
اما بخصوص المعدات الطبية، تتوفر المعدات والأجهزة المتطورة في عدد كبير من مستشفيات لبنان مقارنة بالدول المتطورة وهو الأمر الذي يوفر خدمة طبية متطورة للمريض اللبناني… لبنان بلد متفوق بعلاج أمراض القلب والشرايين.
10- ولكن هناك فضائح في المجال الطبي نتيجة الأخطاء الطبية المتكررة التي تفتك بحباة الإنسان في ظل غياب المحاسبة القانونية والطبية .. كيف تفسر هذه الظاهرة ولمن تحمل المسؤولية؟
أحمل المسؤولية للإعلام اولاً، لبنان فيه كثير من المشاكل والأخطاء والفساد، فلننظر مثلاً إلى الطرقات والمياه والمعيشة والسياسة الفاسدة التي تحوّل الوطن الى مزارع في ظل الغياب الدستوري وغياب الدولة ككل .. لا كهرباء لا ماء حتى النفط الذي هو من حق الدولة اللبنانية يتم سرقته من قِبل اسرائيل ونحن نقف عاجزين عن فعل أي شيء … هل الأخطاء الطبية هي المادة الوحيدة التي يجب أن يسلط الضوء عليه الإعلام؟
– ولكن هل هذا يبرر الأخطاء الطبية ويشرعها ؟
بالطبع لا، ولكن لماذا التركيز على موضوع واحد في حين البلد منغمس بالأخطاء على جميع المستويات.. ومع ذلك أنا أقول ” ما في حدا في فوق راسه خيمة” ( بالعامية) وجميع الأطباء معرّضين للوقوع في خطأ ما ولكن تختلف نسبة الاخطاء وتكرارها. فهناك نقابة أطباء لبنان التي لديها لجان مختصة تدرس الطلب او الحالة ويحق لها فصل الطبيب ويتم منعه الطبيب من مزاولة المهنة.
– برأيك، كم من مرة تمت محاسبة الأطباء في لبنان في ظل التغطية السياسية او الحزبية؟
المسؤولية تتحملها الدولة كاملة لعدم ضبطها لكثير من المسائل . وهنا أسأل لماذا الدولة تتحرك فقط حين يتعرض فرد من عائلة مسؤول لبناني ما نتيجة خطأ طبي أو تسمم .. لماذا في هذه الحالة فقط تتم المحاسبة وتقلب الطاولة على الرؤوس وتُستباح المواضيع والاقاويل والإتهامات والمحاسبات ويصبح الأمر محط أنظار المحاسبين والإعلام. والسؤال الثاني متى حاسبت الدولة كل المخالفين في شتى المسائل الحياتية ليس فقط في مسالة الغذاء والدواء والطب.. انا مع المحاسبة في جميع الملفات والقضايا التي تعيق الحركة الحياتية لدى المواطن هكذا فقط نستطيع محاربة الفساد المتفشي.
– ماذا عن الأدوية المزورة؟
الأدوية المزورة جزء من ملف الفساد القائم في البلاد ويجب رفع الغطاء عن كل هذه المخالفات وعدم حمايتها لأن في ذلك تشريع معلن للفساد والسرقة وقتل الناس بشكل غير مباشر كما يجب فضح كل المخطط والمنفذ والمسّهل لمثل هذه الجرائم في الإعلام وعدم الإكتفاء بالتلميح في الأسماء أو المناطق. بل يجب ان تُسمى الأسماء كما هي وليُحاسب الجميع دون إستثناء.. وهنا يكمن العتب على الإعلام وهو أن لا تسلط الضوء على ملف دون سواه.
11- كطبيب ومواطن لبناني ما هي الرسالة توجهها للمواطنين المرضى، للدولة والسياسين في لبنان؟
لا يمكن محاسبة الدولة والسياسين طالما المواطن هو الذي يأتي بهم ليحكومننا .. فنحن نقع في الخطأ عينه كل أربع سنوات. فالمواطنون باستطاعته قلب المعادلات الكبرى.. فالقرار بيد المواطن الذي يقرر أن ينتخب طاقم سياسي يمثله حسن التمثيل ولا سلطة على احد طالما الانتخابات تجري بسرية. فيجب ان يتوقف عن هذا الخوف والتبعية السياسية والطائفية وان يلعب دوره في صندوق الإقتراع ولا أن يبيع صوته ب 100$.
أما طبياً أوجه رسالة للمواطن اللبناني وهي ان لا يخاطر بصحته ولا سيما بأمراض القلب والشرايين، فاللبناني غالباً ما يتعامل مع الوعكات الصحية بإهمال وعندما يزيد الالم يستشير صيدلي او يشتري دواء وُصف لجاره ويظن نفسه أنه يستطيع ان يعالج نفسه بهذه السهولة وهنا تكمن الخطورة البالغة حين تصيبه النوبة القاتلة ..ألم الصدر الناتج عن أزمة قلبية ليست مزحة ويجب استشارة الطبيب على الفور وعامل الوقت اساسي كل ثانية مهمة جداً في مسالة القلب والشرايين.
بالنسبة للأدوية .. بعض المرضى يعانون من ” فوبيا الادوية” ويتمنعون عن تناول دوائهم. في هذا الإطار أقول لهم ان الدواء صديقك.. والمرض عدوك .. فالمرض اشبه بالوحش الذي يهاجمك والدواء هو سلاحك الوحيد في هذه المعركة.
فالثقافة الطبية في لبنان لا تزال ضعيفة ويجب ان نتعاون نحن وانتم كإعلاميين على تشجيع حملات التوعية. انا دائماً ابدي استعدادي لمثل هذه النشاطات مع كافة المؤسسات والروابط والاندية والمدارس وأطالبهم بتنظيم ندوات طبية مرة واحدة في الشهر على الأقل في كافة الإختصاصات.
– كلمة اخيرة
أشكركم على هذه المقابلة الشّيقة ونحن نشد على اياديكم ومستعدون للتعاون وإياكم كإعلاميين من اجل وطن سليم معافى في كل شيء ولكم جزيل التقدير.