منذ أشهر طويلة، تتحدث التقارير الإعلامية عن الدور الإسرائيلي المثبت في دعم الجماعات المسلحة في سوريا، لا سيما في منطقة الجنوب، ناهيك عن الغارات التي تنفذها بين الحين والآخر على أهداف متعددة، دون أن تحرك أي جهة دولية ساكناً لوقف تلك الاعتداءات، لكن الأخطر هو ما كشف عنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قبل أيام قليلة، في تقريره عن الأوضاع في منطقةالجولان، حيث تحدث عن تنسيق يحصل بين الجيش الإسرائيلي والمسلحين هناك.
من جهتها عرضت تقارير المراقبين الدوليين لخط وقف اطلاق النار على هضبة الجولان، أدلة جازمة بأن إسرائيل وقوات المعارضة السورية بما فيها تلك الإسلامية المحسوبة على تنظيم “القاعدة”، تنسق فيما بينها منذ عام ونصف العام تقريباً كل من موقعه على جانبي “الخط البنفسجي” الحدودي على هضبة الجولان، وتحدثت عن علاقات تتسم بالتنسيق اليومي لمختلف الحالات التي تحتاج لمعالجة فورية بين الجانبين، مع العلم أن الإتفاقية التي أقيمت في عام 1974، في أعقاب حرب تشرين عام 1973، للفصل بين القوات السورية والإسرائيلية على هضبة الجولان، تنص على إقامة شريط حدودي عازل عرضه بضعة كيلومترات، لا يجوز دخول قوات مسلحة أو عتاد عسكري اليه.
بعيدا عن الإنتهاك الإسرائيلي الواضح لهذه الإتفاقية، تطرح الأسئلة عن مدى جدية التزام الأمم المتحدة في تنفيذ القرارات الصادرة عنها، والمتعلقة بوقف دعم المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق بأي شكل من الأشكال، في حين هي لم تتخذ أي قرار ولم توجه أي إنذار إلى الحكومة الإسرائيلية لوقف دعمها لهذه الجماعات، التي يحلم الجيش الإسرائيلي بأن تساهم في تكرار تجربة “جيش لبنان الجنوبي”، عبر إقامة منطقة حزام أمني على الحدود مع سوريا.
من حيث المبدأ، السلطات الإسرائيلية لا تكترث لهذه التقارير، فهي تتعامل مع المنظمات الدولية بما يخدم مصالحها، وتاريخها يشهد بعدم الإلتزام بأي قرار يعارض تلك المصالح، لا بل هي منذ البداية لجأت إلى فضح العلاقات التي تقيمها مع فصائل مسلحة في المعارضة السورية على وسائل الإعلام، من خلال القول أنها تقتصر على معالجة جرحى المواجهات التي تحصل مع الجيش السوري، في حين كانت المعلومات تتحدث عن تخطيها هذه الحدود إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
على صعيد متصل، لم تعط السلطات الرسمية اللبنانية، المشغولة بتواجد الجماعات الإرهابية المسلحة على حدودها الشرقية في منطقة جرود عرسال، الأهمية اللازمة لهذه التقارير، مع العلم أنها تعطي مؤشرات قد تكون خطيرة جداً، ويمكن الاستفادة منها بالنسبة إلى الأوضاع على الحدود الجنوبية، لا سيما إذا ما قررت إسرائيل توسيع رقعة إستخدامها لورقة الجماعات الإرهابية المسلحة أكثر، أي نحو بعض القرى والبلدات في منطقة العرقوب اللبناني.
هذه المنطقة، تعيش حالة غليان منذ أشهر طويلة على واقع التوترات المذهبية، القائمة على خلفية دخول جرحى المعارضة السورية المسلحة إلى الأراضي اللبنانية، عبر المعابر غير الشرعية الموجودة في بلدة شبعا اللبنانية، لا سيما أن المواجهات في الجانب السوري تأخذ طابعاً مذهبياً، والخريطة الديمغرافية لمنطقة العرقوب تشبه إلى حد بعيد تلك القائمة هناك.
المعلومات الرسمية، تؤكد بأن تلك المعابر غير الشرعية، لا يمكن أن تكون نقطة إنطلاق لأي عمل عسكري موسع تقيمه الجماعات المسلحة باتجاه الحدود اللبنانية، فطبيعة المنطقة الجغرافية لا تسمح بعمل كهذا، ومن جهة اخرى الاجهزة الامنية اتخذت مجموعة إجراءات تحول دون ذلك، ناهيك عن الرسالة الواضحة التي وجهها “حزب الله”، من خلال إستهدافه لدورية عسكرية إسرائيلية قبل مدة بعبوة ناسفة، وتأكيده بأن إنشغاله بالأوضاع في الداخل السوري لا يعني إهماله لهذه الجبهة.
في هذا السياق، تؤكد أوساط متابعة من المنطقة أن الأوضاع اليوم مغايرة تماما لما كانت عليه قبل أشهر قليلة، حيث كانت تعرب عن مخاوفها الكبيرة من حصول أي تطور على هذه الجبهة، لكنها تؤكد أن الخطر لم يزل بشكل نهائي، فمن يستطيع أن يضمن أن الإسرائيلي لن يستخدم هذه الورقة عندما يرى أنها تحقق مصالحه؟
تعتبر الأوساط نفسها، في حديث لـ”النشرة”، أن الحديث عن أن المعابر لا يمكن أن تساعد في تنفيذ هجموم عسكري لا يعني شيئاً، وتؤكد بأن الجماعات المسلحة لن تكون بحاجة إلى المعابر إذا ما قرر الإسرائيلي إستخدامها في هذه المنطقة، فهو يستطيع أن يفتح لها طريق مزارع شبعا المحتلة، ومن خلالها تصل إلى النقطة التي تريدها بسهولة، كما أن إحتمال وجود خلايا إرهابية نائمة تنتظر ساعة الصفر كي تتحرك لا يمكن إهماله بأي شكل من الأشكال.
من وجهة نظر هذه الأوساط، لا أحد يستطيع أن يتكهن بما قد يحصل في المستقبل، الإسرائيلي لا يمكن توقّع نواياه، والرهان على قوات الأمم المتحدة العاملة في المنطقة لا يمكن أن يبعث إلى الإطمئنان، خصوصاً أن التجربة التاريخية معها لا تشجع على ذلك، وبالتالي من المفترض اخذ الحيطة والحذر من أي تطور قد يحصل.
في المحصلة، الدور الإسرائيلي في دعم الجماعات المسلحة في منطقة الجولان المحتل بات واضحاً، باعتراف تقارير الأمم المتحدة الرسمية، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يفرض على حكومة بنيامين نتانياهو وقف ذلك، ولكن ماذا لو اتسعت رقعة عمل تلك الجماعات باتجاه الحدود اللبنانية، لا سيما في حال قرر الجيش السوري شن عملية عسكرية واسعة عليها بهدف القضاء عليها؟
هذا الأمر لا يمكن أن يحصل دون تغطية إسرائيلية مباشرة، فهل ستتخلى إسرائيل عن حلفائها الجدد أم ستلجأ إلى فتح الطريق أمامهم للهروب نحو القرى والبلدات اللبنانية؟
خاص النشرة