حقّقَ اللبناني رونالد إسحق، ابن رحبة العكّارية، حلمه في الولايات المتحدة الأميركيّة، بإنجازه اختراعاً لتحسين تطبيق «Whatsapp» أطلقَ عليه اسم «Rise Device». وقد كان لـ»الجمهورية» حديث معه، أضاءَ خلاله على تفاصيل إنجازه.
بعدَ مسيرة علميّة طويلة وشاقّة، بدأها مع عائلته في سيراليون، وتخَلّلتها محطّات قاسية، كانت له منها محطّة عِلميّة في وطنه الأمّ لبنان دامت 4 سنوات، حَطّ رونالد إسحق رحاله أخيراً في الولايات المتّحدة بتشجيع من والده الذي آمن بقدرته، حاضّاً إيّاهُ على السفر إلى الخارج لتحقيق حلمه، وذلكَ بعدما لاحظ موهبته التي أهّلته لدخول عالم شركة APPLE العالميّة، التي شَرّعت له أبوابها عام 2008، فانضَمّ إلى مهندسيها في قسم Mackintosh.
طموح كبير
لكنّ طموح إسحق دفعَهُ إلى الإستقالة من APPLE، والمُضيّ قدُماً في اختراعه الذي كشفَ لـ»الجمهورية» أنّه سيُطلِقه في الأسواق سنة 2015، بعدما لاقى استحسان العالم التكنولوجيّ والرأي العام، لما يُوَفّره من تقدُّم على صعيد السلامة العامّة.
يقول رونالد: «عَمَلي مع Apple جعلني أقودُ يوميّاً مسافات كنتُ خلالها أراقب الناس الذين علقوا في زحمات السير. وكنتُ أنزعج من لجوؤهم جميعاً إلى التمسّك بهواتفهم الخلويّة أثناء القيادة في الزحمة».
ولا يُخفي أنّه على رغم انزعاجه من الأمر، حذا حذوهم، فاستخدَمَ الواتساب خلال الزحمة، تارةً للّعب، وطوراً للاطّلاع على آخر الأخبار. وفي أحد الأيّام، وأثناء استخدامه الهاتف، كادَ رونالد يتعرّض لحادث كبير، نجا منه بأعجوبة. فشعَرَ كأنّه تلقّى لكمة على رأسه، فتنبّه إلى خطورة الأمر، وقرّر المغامرة.
ضحايا «واتساب»
من خلال إحصاءات حوادث السير في أميركا، عَلِمَ رونالد أنّ عدداً كبيراً من الأشخاص الذين تُراوح أعمارهم بين 16 و19 سنة يموتون يوميّاً بسبب كتابة الرسائل عبر الواتساب أثناء القيادة.
ويوضح في هذا السياق: «قلتُ في نفسي إنّ عليّ استغلال خبرتي في «Iphone» و«Siri» لاختراع جهاز يُتيح التواصل مع الآخرين عبر الواتساب شفهيّاً أثناء القيادة، وليسَ كتابةً، ففكّرتُ في تقنيّة حديثة لا يُمكن للمرء استخدامها إلّا إذا كانت يداه الإثنتان قد ثُبّتتا على مقوَد السيّارة. وعندما يتكلّم عبر الجهاز، تصل الرسالة مكتوبةً إلى المتلقّي عبرَ الواتساب. أمّا إذا نزَع السائق إحدى يدَيه عن المقوَد مصادفةً، فتتوَقّف خدمة واتساب فوراً، وينقطع الاتّصال. وقد عملتُ على هذا الاختراع وحقّقت حلمي».
الجهاز الجديد
الـ«Rise device» هو الإسم الذي أطلقهُ رونالد على جهازه، وهو يعمل على Whatsapp وكلّ أنواع تطبيقات الرسائل. يتلقّى الجهاز كلامَ السائق، ولا يعمل من خلال الطباعة. فإذا أرسَلَ أحداً للسائق رسالةً خطيّة عبر الواتساب، تصل إليه سَمَعيّاً، وإذا أرادَ الرَدّ عليها، فيمكنه ذلك شفهيّاً.
لكنّ الأهمّ في الاختراع هو أنّ جهاز Rise device يُثَبَّت خلف مقوَد السيارة، وعندما يتلقّى السائق رسالةً خطّية عبر الواتساب، يُحوّلها الجهاز تلقائيّاً إلى رسائلة صوتيّة يتلقّاها السائق إذا كانَ قد وَضَعَ يديه الإثنتين على مقوَد السيارة. أمّا إذا لم تكُن القبضتين مثبّتتين معاً على المقوَد، فلا يعمل الجهاز.
جدّية الإستثمار
يُشير رونالد إلى أنّ «الشيء الوحيد الذي ينقصه حاليّاً هو جدّية الإستثمار، خصوصاً أنّ المنافسة شديدة»، لافتاً إلى أنّ اختراعه لاقى استحساناً في الولايات المتّحدة التي تولي أهمّية كبيرة لكُلّ ما يتعلّق بالسلامة العامّة».
ويوضح أنّ مصاريف شركته هي مِن حسابه الشخصيّ، بمساعدة صديق آمَن بفكرته وشاركهُ في تأسيس عمله، وهو من أصل لبنانيّ يُدعى مايكل واكيم. ويُشدّد إسحق على أنّ Rise Device سيتوافر في الأسواق سنة 2015 إذا تأمّن الاستثمار اللازم له، موضحاً أنّه سيُضطرّ إلى إصداره على حسابه إذا لم يتأمّن التمويل اللازم، وسيبلغ ثمنه 150 $.
أمّا عن إمكان سرقة اختراعه، في ظلّ طفرة المقلّدين في السوق الصينيّة، فيشرح رونالد أنّ الاختراع دقيق جدّاً من حيث تركيبته، وبالتالي يصعب تفكيكه وتقليده، خصوصاً أنّه يعتمد نظام «Software» المُبَرمَج بدقّة .
طفولة «حرتقة»
وُلد في سيراليون – أفريقيا، وتلقّى تعليمه الابتدائي في المدرسة اللبنانية الدوليّة هناك، وكان تلميذاً مجتهداً أحَبّ «الحرتقة» بالإلكترونيات الموجودة في المنزل، وفي إصلاح الألعاب الإلكترونية غير الصالحة. ولم يكُن في ذلك الوقت هناك برامج كومبيوتر، لإشباع فضوله العلميّ، فكان يقصد مكتبة البلدة لشراء الكتب المناسبة لاهتماماته، وكان يستأجر أفلام الفيديو التي كان يُفكّكها ويُعيدة تركيبها.
ويوما بعدَ آخَر، عرف الجميع بمهاراته، فأصبحوا يقصدونه كلّما أرادوا إعادة إصلاح أفلام فيديو. ويقول: «هكذا بدأتُ جمع الأموال لشراء الكومبيوتر الذي حلمت به، والذي بلغت قيمته آنذاك 300 $».
وبعدَ ثلاثة أشهر من تحقيق رونالد حلمه بحصوله على كومبيوتر الـ «Comodor»، قرّرفتحه لاستكشاف ما في داخله، «وهيّي كانت لأنّني لم أحسِن إعادة تركيبه.» ويضيف أنّ والده، الذي كانَ يراقب عمله، أصرّ عليه للذهاب إلى لبنان، لنيل الشهادة من جامعة البلمند تحديداً، في الوقت الذي كان هو يُفضّل الذهاب إلى جامعة كامبريدج في لندن، لكنّه انصاعَ أخيراً لرغبة والده.
قضى رونالد أربع سنوات في درس اختصاصه في جامعة البلمند، فشعر خلالها بأنّ الشباب اللبنانيّ يركّز على التعليم الأكاديمي، ولا يهتمّ بالاختصاصات العَمَليّة.
أمّا عن مسيرته في أميركا، فيشرح: «قضيتُ فيها أيّاماً صعبة لأنّني لم أكُن أملك المال الكافي بعدما خسر والدي أمواله كلّها في سيراليون نتيجة الحرب الأهلية. وعندما جاء أبي إلى لبنان ليحضر حفل تخرُّجي في جامعة البلمند، قدّمَ لي مبلغ 2000 دولار، وهو ما استطاع تقديمه لي لتمكيني مِن الانطلاق إلى بلاد العمّ سام».
يشغل رونالد حاليّاً منصب رئيس ومؤسس شركةRise Devices. عمل في شركات عالمية ضخمة مثل «Apple» و»bose» و»Lucent». وتمثّلت مساهمتهُ الرئيسة في «Apple» من خلال إدخاله مكبرات صوت متعددة على منصات «Mac»، فضلاً عن إدخاله تحسينات إلى الواجهة الأمامية من «SIRI» في كانون الأوّل 2013.