في زمن الهواجس الامنية، تصبح الأولوية عند الناس ضمان الإستقرار قبل الخبز والسلامة الغذائية. تتنوع التسريبات وتتكاثر الشائعات وتتزايد المخاوف خصوصًا بعد التفجير الإرهابي في جبل محسن كمؤشر لعودة التفجيرات. سريعاً كان هذه المرة تحرك القوى الأمنية في سجن رومية في رد حازم، أراده وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق فورياً لإمساك زمام المبادرة. إنطلق المشنوق من نتائج التحقيقات التي بينت مشاركة سجناء إسلاميين بالتخطيط لجريمة جبل محسن. من غير المسموح بالنسبة لوزير الداخلية أن يدير سجن دولة ليخرب استقرارها ويعبث بأمنها ساعة يشاء.
صحيح انه لولا التغطية السياسية الكاملة ما جاء تحرك المشنوق، لكن لو لم يكن المشنوق وزير الداخلية ما جاء الحسم سريعا قادرا فاعلا. الامر لا يتعلق فقط بأن المشنوق محسوب على “تيار المستقبل” ولا لأنه ينتمي للطائفة الاسلامية السنية، بل ينطلق من شخصية المشنوق المقدام وقدرته وكفاءته وقناعته. كان بالإمكان أن يتابع المشنوق عملية السجن من وزارة الداخلية في الصنائع. لكنه أمضى تسع ساعات في رومية يشرف شخصياً على العملية. هذا ما شجع القوى الأمنية على الحسم. يُسجل هنا لها عدم إراقة دماء ولا التعرض لأحد والتنفيذ الدقيق في انهاء “أسطورة سجن رومية”. أطاح المشنوق بإمارة رومية بعدما عجزت وزارات عن المس بتلك الامارة.
تُقاس العملية بمدى خطورة المتواجدين من سجناء وتصرفاتهم وامتيازاتهم التي عجزت عن انتزاعها حكومات مرت في السنين الماضية. يومها كانت تُدوّر زوايا الأمن بالتراضي والتحسب والاحتياط. لا يتحمل فقط وزراء داخلية سابقون المسؤولية. كان مثلا رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي يفكر أحيانا في معالجة التفلت في سجن رومية، غير أنّ أقصى طموحاته كان وضع أجهزة تشويش للإتصالات. طرح ذلك يوماً امام رئيسي الجمهورية ومجلس النواب. لم تكن حكومته تجرؤ على بت ملف بحجم سجن رومية، خوفاً من ضغوط الإسلاميين. يومها تمادى أحمد الأسير طويلا وحصلت انتفاضات داخل “الامارة” واحتجز سجناء عناصر امنية. الحكومة عجزت يومها حتى عن هز عصا الأمن.
اليوم يعيد نهاد المشنوق للداخلية هيبة حنت اليها الوزارة. يُقدم حيث راوغ الآخرون. إقدام المشنوق غير قابل للمسايرة ولا المماطلة والتسويف. هكذا بدا يوم نزل الى ساحات التفجير يراقب عن كثب ويعلن العزم على ملاحقة الإرهابيين. من ضاحية بيروت في السنة الماضية الى جبل محسن منذ ايام.
يمسك المشنوق عصا الامن يهز بها ويضرب. لا يهاب التطرف ولا يأبه لتهديدات إرهابية مغلفة بإسم الدين. هو الذي يمضي في التحريض على محاربة التكفير في كل مناسبة وعلى كل منبر. قال في مصر من الأزهر الشريف ان الاعتدال سينتصر على التطرف. اذا هو فعل إيمان شخصي والتزام سياسي مبدئي. هذا ما يشكل دافعا لوزير الداخلية والبلديات في مهامه الحكومية اليوم.
قد يحصل تباين سياسي او اختلاف مع المشنوق. قد يوجد خلاف بين وزير الداخلية وكتل نيابية او قوى سياسية حول ملفات داخلية عدة. لكن ما يطمئن كل الفئات اللبنانية ان المشنوق وزير مسؤول يتخذ من محاربة الارهاب آولوية للحفاظ على امن لبنان. هذا هو الأساس الآن. بدا المشنوق المسؤول المناسب في الوزارة الامنية المناسبة. اذا قال نهاد المشنوق آمناً فعل. هذا ما يعني اللبنانيين اليوم. لكن هل ستنهي القوى الامنية المولجة حراسة السجن عصر الامتيازات وتمنع ادخال اجهزة الاتصالات؟ أم ان وزير الداخلية سيضطر في كل مرة للإشراف شخصيا على نقل سجناء من مبنى الى مبنى و نزع الامتيازات التي تسربت تدريجياً تحت أنظار القوى الامنية؟
إذا هزّ نهاد المشنوق بعصا الأمن .. ضرب
0
عباس ضاهر – خاص النشرة