سلسلة من الرسائل الأمنية والسياسية حملتها الأيام الثلاثة الماضية بدءًا من تفجيري جبل محسن الارهابيين مرورًا بالرد السياسي لفاعليات عاصمة الشمال وليس انتهاءً بالعملية الامنية في سجن رومية، وهي تؤشر بمجملها إلى مرحلة ساخنة من المتوقع أن تؤسس إلى مزيد من المواجهة بين الحكومة والارهابيين لمواكبة النيران الاقليمية المشتعلة والتي يبدو أنّها لن تهدأ في المدى المنظور في ظل تحريك الخلايا الارهابية النائمة ليس فقط في لبنان، بل في العالم اجمع لا سيما في مرحلة فرز الاوراق واعادة التموضع التي تجريها أكثر من دولة وأكثر من حكومة، فضلا عن الارباكات السائدة على صعيد الحرب على الارهاب.
ففي وقتٍ سارعت كلّ من “جبهة النصرة” و”داعش” لتبني التفجيرين في عاصمة الشمال في رسالة دموية لدعوة المكونات اللبنانية الى الحوار معهما وعدم تجاهلهما والقول بانهما ما زالا على الساحة وانهما قادرين مجتمعين ومنفردين على اراقة الدماء، سارع وزير الداخلية نهاد المشنوق للرد عبر ترؤسه مجلس الامن الفرعي في طرابلس ومن ثم إطلاق الخطة الامنية لسجن رومية بالتزامن الكامل مع إعلانه بأنّ الغطاء السياسي لهذه العملية توفر بالكامل وبشكل غير منقوص، وأنّ الخطة موضوعة منذ أشهر وهي كانت تنتظر اللحظة السياسية، بحيث اتت في ظل المواقف الاقليمية المتدرجة.
غير أنّ سياسيًا مخضرمًا طرح علامة استفهام حول ما إذا كانت “داعش” هي من وجّهت الرسالة وقامت بالمبادرة، أو أنّ الدول التي تقف وراء هذا التنظيم هي من أوعزت إليها بالتنفيذ لأسبابٍ تتخطى الساحة المحلية لتصل بأبعادها إلى الخارج، ولإسماع صوتها في ظل عمليات تفاوض صعبة بين الدول الاقليمية من جهة والغرب وروسيا من جهة ثانية، لا سيما أنّ الانفجاريين الارهابيين تزامنا مع سلسلة مع العمليات المماثلة في فرنسا وسوريا والعراق لاستكمال حلقة مقفلة، يراد منها القول أنّ المنطقة برمتها مقبلة على جولة جديدة جديدة من المفاوضات تجري على نار حامية لانضاج أكثر من طبخة في آن واحد.
يميل السياسي الى ترجيح الفرضية الثانية، أي الايعاز الاقليمي والدولي للتنظيم الارهابي بالتفجير، لتوجيه رسالة مفادها أنّ الحل اللبناني ممنوع في الوقت الراهن، كما أنّ من المستحيل التقدم على الجبهة اللبنانية في ظل مراوحة سائر الجبهات السياسية والامنية في المنطقة، وبمعنى آخر فإنّ لبنان بات مرتبطا بالحل الاقليمي الشامل، وبالتالي فإنّه من غير المسموح أن يجد حلولا لوضعه الداخلي بمعزل عن مصالح وآراء سائر الدول المعنية بالأزمة، وهذا ما يبرّر الخطوات الأمنية اللبنانية المنقوصة وغير المكتملة على غرار الخطة في طرابلس أو البقاع الشمالي، وأخيرًا الخطة التي نفذتها القوى الامنية في سجن رومية، وهي جاءت غير مكتملة باعتراف وزير الداخلية نفسه الذي أقرّ بنقل السجناء من مبنى إلى آخر، على أن تتمّ عمليات التفتيش في وقت لاحق من دون ذكر الاسباب التي حالت دون التفتيش طالما أنّ القوى الامنية قادرة على تنفيذ نصف المهمة.
في هذا السياق، توقف السياسي عند اعتراف المشنوق بأنّ الخطة معدة منذ أشهر وهي كانت تحتاج الى لحظة سياسية في اشارة الى الغطاء السياسي، بحيث بات معلومًا أنّ هذا الغطاء يأتي مشروطا أن تحت سقف معين لا يتم تجاوزه مهما كانت الاسباب أو المخاطر إلا ضمن منظومة امنية مرتبطة بالتبريد وليس بالحسم على قاعدة الامن بالتراضي التي تسببت حتى الان باستشهاد العشرات من العسكريين والمئات من المواطنين، في ظلّ حقيقة راسخة وهي أنّ المعلومات التي يتم الكشف عنها فور وقوع أيّ انفجار تكفي لمنعه في حال التحرك بالوقت المناسب وقبل فوات الاوان ما يعني أنّ التقارير التي ترد إلى المراجع الامنية تنام بدورها لحين حصول الحدث حيث تظهر بشكل لافت وبسرعة قياسية كما حصل بعد انفجاري جبل محسن حيث تكفلت وسائل الاعلام بكشف حركة الانتحاريين الممتدة منذ قدومهما من القلمون ومشاركتهما في القتال والتدريبات الى جانب “داعش”.
رسائل متبادلة بين الارهاب ووالحكومة تنتهي الى غطاء سياسي مشروط
0
أنطوان الحايك – خاص النشرة