طارق حديفة : الشباب والانخراط في العمل الحزبي

لا تعليق
مقالات وتحليلات
4
0

“الشباب فكرٌ قبل أن يكون عمراً، فأن يكون الإنسان شاباً لا يعفيه من المسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه. ووفق هذا التصور، القائم على مبدأ المسؤولية، يتحتم على الأجيال الجديدة خوض غمار العمل الاجتماعي والثقافي والسياسي، من مختلف أوجهه ، وإلقاء نظرةٍ جديدة على السياسة، ومقاربتها بتغليب البعد الانساني والوطني على أي بعد آخر”، هذا ما اقتعنا به وقرأناه في كتاب النظرية والممارسة في شرح المبدأ العاشر من مبادئ الحزب الديمقراطي اللبناني.

لكن ذلك لا يخفي أن التجارب القاسية الّتي مر بها لبنان، جعلت الكثير من الشباب يتحسسون عند سماع كلمة حزب، تيار، خط أوغيرها من المرادفات، لأننا إذا تأملنا قليلاً في نظرتهم للعمل الحزبي فسنراها سلبية، ليس لكون فكرة الأحزاب سلبية بل ربما للصورة المتشكلة عندهم عن العمل الحزبي بأنه يشتت المجتمع ويخلخل وحدته ويثير الفتن، نظراً لما حصل خلال الحرب الاهلية المشؤومة، لكن هذه الصورة تظلم حقيقة العمل الحزبي فهي كمن يرى أن الديمقراطية سيئة لما يراه من ممارسات سلبية تمارس في بعض البلدان باسم الديمقراطية، فليست كل الممارسات باسم الديمقراطية تعبر عن الديمقراطية وليس كل فعل باسم العمل الحزبي يعبر عن حقيقة العمل الحزبي.

بشكل عام هناك صنف من الشباب لا يرى من الأمور إلا النتائج والأعمال على أرض الواقع، ولا يهتم بما وراء الحدث إن صح التعبير، فهور يرى أن مجتمعه يحوي مؤسسات اجتماعية تقوم بأنشطة تخدم المجتمع وهذا هو المهم، أما معرفة من هو وراء العمل فهي خارج اهتماماته، هناك صنف آخر يملك اطلاع بسيط على الجهات الناشطة في الوطن ويعلم أن هذا الاطار أو تلك المنظمة تقودها فئة معينة، وتلك الجمعية تدار من قبل تيار معين، وهذا الصنف يحاول دائما ربط الأمور ببعضها ويسعى جاهدا لمعرفة خبايا الأمور وما وراء الكواليس إن صح التعبير، الصنف الثالث وهو الصنف النشط والمنخرط في العمل، يمتلك خلفية واطلاع على منظمات وهيئات البلد المختلفة ويعلم من أي جهة تدار وربما يكون هو من ضمن هذه الجهة (من غير أن يشعر) أي أنه يعمل وفق نهج معين ويتبع فكر معين دون أن يكون منتسب رسمياً للحزب أو التيار الذي يمثل هذا الفكر أو النهج.

ونحن ما يعنينا هنا في هذا الاطار أن ندعم ونزيد الفئة أو الصنف الثالث من الشباب، لأننا نؤمن بأن ” الدم الجديد ” لا يعكس السن فقط، فهو في الواقع نتاج الفكر وإرادة التطور نحو الأفضل. ففي المجتمع الحيّ تتواصل الأجيال و لا تتصارع. تواصل نرى أن الانخراط  في العمل الحزبي والممارسة الصحيحة لهذا العمل يحققانه.

وبالعودة الى بداية نشوء الاحزاب في العالم، نرى أنها بداية نشأت في اوروبا في منتصف القرن التاسع عشر لتطوير العملية الديمقراطية، وتأسيسها ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتخابات البرلمانية، حيث جرت العادة على أن تتكون كتل برلمانية داخل المجالس النيابية من الأعضاء ذو التوجه الواحد أو أصحاب الأفكار والإيديلوجيا المتناغمة والآراء المتقاربة ليشكلو تكتلاً يملك تأثيراً ملموساً في القرارات، وعمل هذه الأحزاب تعدى إطار البرلمان ليخرج للرأي العام ويؤثر عليه، وبعدها بدأت تتشكل أحزاب بمعزل عن العمل البرلماني، منبثقة من نقابات للعمال أو منتديات فكرية وهيئات دينية، وفي أحيان أخرى ارتبط نشوء الأحزاب بأزمات سياسية.

خلاصة الأحزاب أنها تجمع أفراداً يحملون إيدولوجيا وبروغماتية محددة، أي تضم أفرادا يحملون أفكار وتوجهات متقاربة كما ذكرنا سابقا، ويعملون وفق خطة ومشروع يسعون لتحقيقه، نشوء جماعات من هذا النوع في أي بلد، له إيجابياته على الصعيد السياسي والاجتماعي، فالفرد لوحده وإن كان كفوءاً وقوياً، قدرته على التأثير في الجهات الرسمية أو التأثير على الرأي العام ستظل محدودة، ما لم يعمل مع فريق عمل أو نقابة أو حزب يمكنه من خلق تأثير ملموس، فنشاط الحقوقي سيخلف تأثير أكبر عندما تتضافر جهوده مع جهود نقابة من الناشطين الحقوقيين، والمفكر المثقف ستنتشر أفكاره بفعالية أكبر إذا عمل مع زملائه، والمجتمع المدني سيصبح أكثر نشاطاً لوجود من يعمل بتنظيم عالي في فريق متجانس نحو مشروع محدد.

إذاً العمل الحزبي عمل راقي في حقيقة الأمر وإن شابته بعض السلبيات إلا أن نتائجه الإيجابية ستطغى على السلبية إذا ما وعينا بأن الغرض منه هو تنظيم العمل المدني والمحافظة على ديمومته، وأن الانخراط تعدد الجمعيات والأحزاب ليس مدعاة للتناحر والتنافر بل هو دافع للتنافس الإيجابي الذي يكون المجتمع هو الرابح الأكبر منه.
في الختام، يا ترى هل الحساسية من الاحزاب والتي نعيشها حالياً لدى فئات كبيرة من الشباب اللبناني ستتغيّر وتنتفي ؟ وان تغيّرت هل سيكون الوضع مختلفاً بظل وجود قانون انتخاب يحرم الشباب من هم ما بين سن 18 و21 سنة من حق الاقتراع؟