لا يُمكن لأيّ طرف أو جهة القول “هكذا سيردّ حزب الله“، لأنّ تفاصيل وقرار العمليّات الأمنيّة للحزب محصور في دائرة مُصغّرة من المسؤولين العسكريّين، يخفُونها حتى عن مسؤولي “الحزب” السياسيّين وعن إعلاميّيه. لكن، وفي إطار التحليل الصحافي من موقع المُراقب، يُمكن إستعراض بعض خيارات الردّ الممكنة التي قد يلجأ لها “حزب الله”، علماً أنّ هذا الأمر لا يُؤثّر سلباً على المواجهة، كما يعتقد البعض، لأنّ لا “الحزب” ينتظر تحليلاً إعلامياً لبناء طبيعة ردّه، ولا إسرائيل تنتظر ذلك أيضاً لبناء دفاعها!
في البداية، الأكيد أنّ الردّ على عمليّة إستهداف عدد من كوادر “الحزب” والمسؤولين الإيرانيّين ومواكبتهم الأمنيّة، في “مزرعة الأمل” في القنيطرة في 18 كانون الثاني، لن تكون تقليديّة، لأنّه كان بإمكان “حزب الله” مثلاً إطلاق مجموعة من الصواريخ المُضادة للدروع على عدد من مركبات Humvee التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في دوريّاته الروتينيّة، وإلحاق خسائر بشريّة مضاعفة وفوريّة بالقوّات الإسرائيليّة في هضبة الجولان المحتلّة أو غيرها، لكنّه لم يفعل ذلك. وبالتالي، كيف يُمكن أن يكون الردّ؟ وما هي المَوانع والإعتراضات؟
على مستوى الردّ الإستراتيجي، القرار مُتّخذ منذ فترة، وهو يقضي بإستعادة السيطرة على كامل المنطقة الحدودية في محافظة القنيطرة، وخصوصًا في هضبة “الجولان”، وقد جرى أخيراً إتخاذ القرار بتكثيف العمليّات العسكريّة هناك. وفي هذا السياق، وبعد أن كان الجيش السوري والقوّات العسكريّة التي تساعده، قد سيطروا في الماضي القريب على طريق دمشق–سعسع–القنيطرة، تمّ في الساعات الماضية تنفيذ كمين مُحكم في الجولان، أوقع العشرات من عناصر “جبهة النصرة” بين قتيل وجريح، في تكرار لكمين مماثل سبق أنّ نُفّذ في الغوطة الشرقية في ريف دمشق في 26 شباط 2014، لجهة تفجير عبوات ناسفة ضخمة قبل فتح النار على الناجين بالرشّاشات الثقيلة والصواريخ. وبالتالي، العمليّات العسكريّة في الجولان والقنيطرة ضدّ المسلّحين الإسلاميّين المتشدّدين مستمرّة ومن المتوقّع تكثيفها. لكنّ فتح جبهة الجولان كخط إستنزاف مع الجيش الإسرائيلي، على غرار ما حصل في نهاية “حرب أكتوبر” من العام 1973(1)، وإعتماد ذلك كخيار إستراتيجي مفتوح، يتطلّب مُوافقة القيادة السوريّة و”ضوءاً أخضر” من القيادة الإيرانيّة، وإستعدادات عسكريّة وأمنيّة متكاملة بين كل من إيران وسوريا و”حزب الله” لمواجهة أيّ ردّات فعل إسرائيليّة مُحتملة.
وعلى مستوى الرد التكتِي الذي يطالب به جزءٌ لا بأس به من “جمهور المقاومة” ومن مؤيّديها، فهو يواجه أكثر من مانع ومن إعتراض. والحديث هنا ليس عن خصوم “حزب الله” الذين يستهزئون بالتهديدات الكلامية أو يُحذرون من ردّات فعل متهوّرة وغير محسوبة، بل عن “إمتعاض داخلي”. فإذا كان الكثير من مناصري “حزب الله” يرفضون تحوّل “الحزب” إلى “جيش سوري آخر” يحتفظ بعد كل هجوم إسرائيلي بحق الردّ في المكان والزمان المناسبين من دون القيام بأي شيء مُهمّ ولو بعد حين، فإنّ قسماً آخراً من ضمن “بيئة المقاومة” -ولو أنّه أقلّ عدداً- يُعبّر عبر كتاباته على مواقع التواصل الإجتماعي وعبر تعليقاته على الأخبار الأمنيّة والعسكريّة، عن عدم رغبته بحرب تدميريّة جديدة في لبنان، والبعض ذهب أبعد من ذلك مُنتقداً عدم قيام الجيش السوري بالردّ بنفسه على سلسلة الغارات والضربات الإسرائيليّة التي إستهدفت سوريا في ظلّ حكم الرئيس بشار الأسد(2)، ومُنتقداً تهديدات القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، بما أسماه “عواصف مدمّرة” ضدّ إسرائيل، في الوقت الذي لم يتمّ الردّ في السنوات القليلة الماضية على إغتيال الإستخبارات الإسرائيليّة للعديد من خبراء التكنولوجيا النوويّة داخل إيران. هذا على صعيد ثغرة تغطية “البيئة الحاضنة” المعنويّة، أمّا بالنسبة إلى الموانع الميدانية الفعليّة، فهي تبدأ بالخشية من قيام إسرائيل بردّ جديد على أيّ ضربة مُوجعة ضدّها، إنتقاماً لعمليّة القنيطرة، الأمر الذي سيستتبع ردوداً متبادلة مع “الحزب” لتنزلق معها كل الأطراف المعنيّة إلى حرب مفتوحة، وتمرّ بعدم رغبة “محور الممانعة” بتحويل إهتمامه الحالي عن المعركة المُستمرّة في الداخل السوري، وبعدم رغبته أيضاً بتعويم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وبعدم رغبته كذلك الأمر بالمساهمة من دون قصد بالخطة الإسرائيليّة الرامية إلى إفتعال مواجهة شاملة تقضي على فرص توقيع إتفاق بين “الدول الغربيّة” وإيران بشأن الملفّ النووي، وتصل إلى ضعف الإمكانات المالية لتغطية تعويضات أيّ حرب مُدمّرة، خصوصًا في ظلّ سوء العلاقات مع العديد من الدول الخليجيّة.
وإنطلاقاً ممّا سبق، يبحث “حزب الله” والقوى الإقليمية الداعمة له، عن ردّ قوي يحفظ للحزب الحجّة التي يواجه بها كل من يطالبه بتسليم سلاحه إلى الجيش والشرعيّة اللبنانيّة، لجهة قدرته على الردّ من دون تردّد على الخروقات الإسرائيلية ضد لبنان وعلى إيجاد “توازن رعب” مع إسرائيل، لكن من دون التورّط بحرب شاملة، لا تريدها سوريا للتركيز على معركتها الداخليّة، ولا تريدها إيران للتركيز على مفاوضاتها مع “الدول الغربيّة”، ولا يريدها “حزب الله” حالياً إنطلاقاً من حسابات داخلية وإقليمية مختلفة. وهذا الردّ سيتمّ على الأرجح من منطقة الجولان لتبرير حقّ الردّ، وهو قد يكون عبر توجيه طائرات من دون طيّار مُحمّلة بعبوات ناسفة لإسقاطها على ثكنة عسكريّة، أو التسلّل إلى خلف خطوط العدوّ في الجولان لزرع عبوات ناسفة لاستهداف موكب أمني، أو حتى تجاوز الحدود لمهاجمة مقرّ عسكري بعمليّة هجومية صاعقة وخاطفة قبل الإنسحاب مُجدّداً، أو تحريك “خليّة نائمة” داخل إسرائيل لتنفيذ عمليّة إغتيال لقيادي عسكري إسرائيلي بارز عبر تفجير برّي ردّا على الإغتيال الجوّي…
(1) بعد أن أفشل الهجوم الإسرائيلي المُضاد خطّة كل من الجيشين المصري والسوري في إسترداد سيناء والجولان في العام 1973، وإنتهاء هجوم السادس من تشرين الأوّل 1973، المعروف بإسم “حرب أكتوبر”، بالفشل، فتحت سوريا حرب إستنزاف ضد القوات الإسرائيليّة في الجولان إستمرّت أشهراً عدة، قبل أن يتمّ التوصّل إلى “إتفاق لفك الإشتباك” في حزيران من العام 1974، بوساطة من وزير الخارجيّة الأميركي آنذاك هنري كيسينجر.
(2) شنّ الطيران الإسرائيلي 12 غارة على مواقع مختلفة في سوريا في ظلّ حكم الأسد الإبن، بدأت في تشرين الأوّل 2003، وإستهدفت معسكراً لتدريب الفلسطينيّين قريبًا من العاصمة دمشق، وصولاً إلى غارة القنيطرة مطلع العام 2015.