هوذا وقت مقبول للقضاء على الإرهاب التكفيريّ في لبنان

لا تعليق
آخر الأخبارمحلية
4
0
جورج عبيد – خاص النشرة

كشفت العملية الجراحية التي أجراها الجيش في تلّة الحمرا فيرأس بعلبك ثغرتين خطيرتين بالمعنى اللوجستيّ للكلام قبل التلذّذ بطيب الانتصار الذي حقّقه الجيش والغوص في النتائج السياسيّة وما يجب تداركه في المراحل المقبلة.
الثغرة الأولى إهمال السلطة السياسيّة لمواقع شكّلت للمسلحين مطلاًّ واضحًا يستفاد منه للاستثمار الأمنيّ وتوظيف الاستثمار في العمق السياسيّ. فهل يعقل أن تترك تلك التلال وعلى مسافة سبعين كيلومترًا أو أكثر بلا حضور أمنيّ كثيف يقي لبنان تسلّل المسلحين إلى الداخل اللبنانيّ؟ لقد كان لزامًا على السلطة السياسيّة بالتعاون مع السلطة الأمنيّة وبخاصّة معالجيش اللبنانيّ، استقراء ما حدث في عرسال ومحيطها، وجعل تلك الروابي والتلال تحت السيطرة، سيّما وأنها لصيقة بجبال القلمون، وتعتبر ممرًّا للارهابيين يدخلون ويخرجون تحت أجنحة الظلام.
الثغرة الثانية ترتبط بموقع رأس بعلبك المذهبيّ والجغرافيّ. لو افترضنا، لا سمح الله، بأنّ الجيش اللبنانيّ تأخّر بالحضور، أما كان البقاع الشماليّ بخصوصيّته المسيحيّة-الإسلاميّة معرّضًا لمجزرة طائفيّة وتهجير واضح يشبه ما حصل في معلولا وهي غير بعيدة بموقعها الجغرافيّ عن رأس بعلبك؟ بعدما ظهر جليًّا بأن التكفيريين لا يميّزون بإرهابهم بين مسيحيّ وسنيّ وشيعيّ ودرزي وعلويّ، لكون هدفهم الإسرائيليّ نزع الإسلام من بهائه القرآنيّ، وسلخ المسيحيّة عن هويتها المشرقيّة، والبلوغ نحو حرب دينيّة واضحة خادمة لأمن إسرائيل وديمومتها.

غير أنّ الجيش وبعد توسّع الثغرتين بصورة عموديّة، قد استدرك وقام بعد ذلك بعمليّة تطهير واسعة للمنطقة، بحيث استأصل موضعيًا هذا الدرن السرطانيّ المهدِّد بالتفشّي، وأقام له حصونًا لكي يأمن الناس ويهدأوا. غير أنّ المسألة لا تقف عند تلك الحدود، بل إنّ مسألة عرسال ومخيّم عين الحلوة على وجه التحديد محكّان جوهريّان لاستتباب الأمن، وغرس شتول الاستقرار لكي تزهر في مراحل لاحقّة حلاّ جذريًّا للواقع اللبنانيّ الذي لا يزال مرتبطًا بواقع الصراع من سوريا إلى اليمن.
لماذا هاتان البقعتان أساسيتان في المدى اللبنانيّ؟ حتمًا ليس السؤال افتراضيًّا، بل ينبع من قراءات أجراها ويجريها بعض الخبراء للتجارب التي مررنا بها في طرابلس وعرسال وبريتال، ويقومون بربطها بجوهر العمليّة الإسرائيليّة التي طالت “حزب الله” في القنيطرة، ليخلصوا إلى أنّ ثمّة تخطيطًا استراتيجيًّا يتمّ برعاية إسرائيليّة واضحة ومباشرة، تنفّذه القوى التكفيريّة يهدف إلى زعزعة الأسس التي قام عليها لبنان، بإدخاله مجدّدًا في أتون الصراع المذهبيّ المتفلّت. إن هدفًا كهذا بات مطلوبًا في الاستراتيجيا الإسرائيليّة لتقويض مفاعيل الاتفاق الأميركيّ-الإيرانيّ، وصولاً إلى جعله متلاشيًا في صراع حتمًا سيهتك أسس تجسيده ويحجب مدى تثميره في العمق السياسيّ بإرساء سلوكيات الاستقرار بين سائر المكوّنات بدءًا من لبنان ليصار إلى تعميمها في سوريا والعراق، وما الحوار الذي تشهده القاهرة وموسكو، سوى محاولات جديّة تساهم بتعميم تلك السلوكيّات بين نظام لا يسوغ وبحسب المنطق الأميركيّ إجراء تسوية معه من دون بقاء بشار الأسد على رأسه.

أهمية عرسال ومخيم عين الحلوة في لبنان، تظهر في عنوانين:
العنوان الأوّل دوليّ-إقليمي: إنّ استئصال درن الإرهاب من عرسال أو المخيّم أو أيّ بقعة أخرى يتواجد فيها بنسب معيّنة، بإمكانه أن يبيّن صدق التفاعل السياسيّ باندراجه الفعليّ بمشهد عنوانه العريض المتفاعل على لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري وسواه، القضاء على الإرهاب. ويلفت سفير سابق متابع لتجليّات هذا العنوان، بأنّ كيري الذي بشّر بطول الحرب على الإرهاب، لا يعني بالضرورة أنّ لبنان معنيّ بطول المدّة الزمنيّة. ذلك، والتحليل للسفير السابق، أن التزاوج بين الاستقرار والإرهاب غير ممكن بأسسه ومعاييره وتوجهاته. فهما نقيضان مختلفان. وبهذا المعنى إنّ ورقة الإرهاب لم تعد تخدم الأمن الأوروبيّ والأميركيّ بعد تفلّت المارد من القمقم الحاوي له لا من لبنان ولا من سواه، ولم تسقط، تاليًا، بشار الأسد، بل على العكس فقد ثبّت استمراريته لمكافحته هذا السرطان المتفشّي. واعتبر هذا السفير أنّ لبنان الساحة المتفلّتة والمستهلكة انتهى بالمعايير الدوليّة، بعد تحوّل أنظمة أخرى إلى ساحاتٍ متفلّتة ومستهلكة، ليتحوّل إلى ساحة تتوازن فيها المكوّنات بهذا العنوان العريض. شريطة ذلك، أن يكون ثمّة توافق سياسيّ دوليّ وإقليميّ يقود إلى الحسم النهائيّ في عرسال لينتقل الحسم إلى منطقة عين الحلوة وسواها.
العنوان الثاني داخليّ: ليس المعطى الداخليّ منفصلاً عن المشهد الدوليّ والإقليميّ. فهو منطلق من دعوات متكررة وجّهتها الإدارة الأميركيّة قبل وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري للمجيء إلى لبنان، والانطلاق من “تيار المستقبل” إلى الطائفة السنيّة لمكافحة الإرهاب ضمن البيئة السنيّة. وتعتقد تلك الإدارة بحسب بعض الأوساط، بأنّ مجيئه سينتج مناخًا طيبًا يمكن استثماره في أكثر من ملف، ومن أهمّها ملف الانتخابات الرئاسيّة. وتذهب تلك الإدارة إلى الاعتقاد بأنّ وصول من يحوزون بنسب تمثيليّة إلى رئاسة الجمهوريّة أو رئاسة المجلس النيابيّ أو رئاسة الحكومة يبقى مدماكًا كبيرًا لإرساء قاعدة التوازن، إذ إن الاستقرار اللبنانيّ لا يمكن أن تكتب له الحياة من دون تجسيد هذا التوازن.

وتميل تلك الأوساط إلى الاعتقاد بأنّ القضاء على الإرهاب في عرسال وعين الحلوة، يجب أن ينسجم مع ما دعا إليه مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان في خطبه الأخيرة باعتباره أن الإرهاب خطر على الإسلام. روحيّة الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، قائمة على صدق توجّه “تيار المستقبل” بإطاره التمثيليّ الواسع، وبخاصّة باتضاح الهدف من عمليّة القنيطرة وما سبقها من تهديدات بخرق البقاع الغربيّ من شبعا وسواها، وهو تهديد إسرائيليّ صاف مستهلك لـ”جبهة النصرة”. إنّ انتصار الجيش اللبنانيّ في معركة تلّة الحمرا في رأس بعلبك لهو حافز كبير لدعمه والوقوف إلى جانبه وحضّه على استكمال مشروعه الكامل انسجامًا مع المشهد الدوليّ الكبير لهذا العنوان العريض الحرب على الإرهاب.
قد تختلف المعايير بين معركة رأس بعلبك وعرسال، ذلك أنّ عرسال مرتبطة بالتجاذبات الحاصلة في جبال القلمون. لكن، من مصلحة الطائفة السنيّة الكريمة في لبنان، أن تطلق يد الجيش في فصل عرسال عن القلمون والقيام بعملية جراحيّة استئصاليّة، فهذا كافٍ، وبرأي مرجع كبير، لإفشال الخطة الإسرائيليّة العامدة على إجهاض الاتفاق الإيرانيّ-الأميركيّ إنطلاقًا من لبنان، والأساس باستفزاز “حزب الله” بعد عمليّة القنيطرة للقيام برد مباشر، وهو حتمًا لن يردّ إلاّ بمعياره. وما قتال الجيش اللبنانيّ الذي قدّم قرابين غالية على مذبح لبنان سوى تأكيد على دعم الاستقرار الداخلي وحماية هذا البلد من تمدّد الإرهاب ليلامس الشاطئ.