هشام يحي
فيما لا تزال الأزمة الحكومية تراوح مكانها أكدت أوساط دبلوماسية بارزة في بيروت بأن لبنان سيواجه خلال الأسابيع المقبلة هشاشة أكبر لأوضاعه في ظل اقتراب تداعيات الاتفاق النووي الإيراني الذي سيكون لمفاعيله الإستراتيجية انعكاسات مباشرة على مجرى تطورات المنطقة برمتها في سوريا والعراق واليمن وغيرها من الساحات ومنها الساحة اللبنانية التي باتت في مرمى تسارع تطورات المعارك العسكرية الطاحنة الجارية في سوريا عموما وفي الجنوب والوسط السوري الممتد من درعا والقنيطرة إلى ريف دمشق والقلمون خصوصا، حيث تتعاظم الهواجس الأمنية من تمدد وتوسع المعارك القريبة من الحدود اللبنانية إلى داخل لبنان سيما أن ما يشهده الشارع السني من احتقان وتوتر في الآونة الأخيرة ينذر بعواقب وخيمة على أمن واستقرار لبنان وسلمه الأهلي بعد أن أصبحت ظاهرة وعلنية البيئة الحاضنة والمتفاعلة في بعض المناطق اللبنانية مع النهج التكفيري الإرهابي الذي يعم باجرامه البربري المحيط والجوار وكل أرجاء المنطقة.
مضيفة بأن التقارير الأمنية المتداولة في الكواليس الدبلوماسية تتضمن مخاوف جدية من انحسار قدرة الغطاء الدولي – الإقليمي من تحييد لبنان عن موجة التصعيد القادمة على كل المنطقة بفعل تداعيات الاتفاق النووي الإيراني بين طهران وواشنطن وبقية دول العالم خصوصا أن هناك مخاوف كبرى على ضوء هذه التطورات من تزايد النفخ المحلي والخارجي بالفتنة المذهبية التي باتت معالمها واضحة وظاهرة بشكل واضح لا لبس فيه، حيث أن هناك الكثير من المؤشرات والمعطيات التي تدل بأن المرحلة القادمة على المنطقة ستحمل في طياتها مزيدا من الضغوط على لبنان الذي ستكون أوضاعه الداخلية الهشة عرضة لتهديدات وردود أفعال أكبر من شأنها استدراج مزيد من الخضات الأمنية المرتبطة بالصراع السني – الشيعي المستعر في كافة أرجاء المنطقة.
وأشارت الاوساط الى أن ما جرى في البلاد على خلفية تصوير وتسريب فيديو سجن روميه الذي تضمن مشاهد تعذيب فظيعة بحق بعض المساجين والموقوفين الإسلاميين المتهمين بجرائم ارهابية، قد دل بأنه يأتي ضمن خلفيات مرتبطة بالمحور الإقليمي الداعم والممول للنهج المتطرف التكفيري في لبنان وسوريا والعراق وكل المنطقة، كما دل بشكل واضح بأن هناك فريقاً لبنانياً أساسياً يدور في فلك ذلك المحور الإقليمي وهو حاضر في أي وقت لممارسة السلوكيات السياسية والأمنية في لبنان بناء على توجهات هذا المحور الإقليمي، وهذا ما يؤدي إلى غياب الموقف الوطني اللبناني الموحد والمعزز لحصانة ومناعة الجبهة الداخلية في مواجهة الخطر التكفيري المتنامي الذي يبقي الأوضاع المحلية على هشاشتها لا سيما أن الحذر والخوف من عودة الأحداث الأمنية المتنقلة وعودة الاقتتال الداخلي المتكرر على النحو الذي كان يجري في عاصمة الشمال بين جبل محسن والتبانة أو بعض أحياء بيروت أو الذي وقع في صيدا بين الجيش اللبناني والحالة الأسيرية بوقع أشد خطورة يبقى قائما بقوة حتى إشعار آخر.
وشددت على أن المعلومات المتداولة في أروقة كواليس العواصم المعنية بأمن لبنان واستقراره وتحييده عن حمم البراكين المتفجرة في المنطقة تشير الى أن المناخات الإقليمية والداخلية التي ولدت وسببت تلك الحوادث الأمنية على الساحة اللبنانية في السابق، لا تزال ترخي بانعكاساتها وبتعقيداتها وتداعياتها الخارجية البالغة على الوضع الداخلي المرتبط بالانقسام الدولي والإقليمي حول سوريا والعراق واليمن، لا سيما في الشق المتعلق بإثارة الإحتقان والتوتر الذي يستدرج الفتنة المذهبية السنية – الشيعية، وفي الشق الذي تعتبر فيه هذه التنظيمات الإرهابية التكفيرية أرض لبنان أرض جهاد وبطبيعة الحال تعتبر بأن المؤسسات العسكرية والأمنية على إطلاقها هي العدو التي يجب استهدافها كي يتسنى لها تنفيذ أجنداتها العنفية والدموية في لبنان، وبطبيعة الحال يجمع المراقبون بأن فيديو سجن روميه أتى في السياق الإستراتيجي الذي يخدم أجندة إثارة الفتنة السنية – الشيعية والذي يخدم أيضا أجندة استهداف مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية اللبنانية التي تشكل الحصن المنيع الأخير في وجه الاجتياح التكفيري الإرهابي الذي يهدد لبنان.
وتشير المعلومات بحسب الأوساط عينها الى إن هذا المسار السياسي التحريضي على الفتنة المذهبية في لبنان تأتي بخلفيات مرتبطة بالمحور الإقليمي الذي تلتحق به بعض القوى اللبنانية التي تلتزم بسلوكياتها السياسية في لبنان بناء على توجهات ذلك المحور الإقليمي الذي يتعاطى اليوم مع الساحة اللبنانية من منطلقات مرتبطة بتطورات الحراك العسكري الميداني في سوريا واليمن والعراق وعلى خلفية تطورات الملف النووي الإيراني الذي لا يميل أبدا نحو مصلحة ذلك المحور الإقليمي في كل أرجاء المنطقة. مضيفة بأنه واستنادا إلى التقارير الأمنية فإن الحالة التكفيرية في البلاد وبعيدا عن أي اعتبارات لهذا الفريق أو ذاك كانت ستبقى مستمرة في حراكها الثابت الذي يهدف إلى مضاعفة مخاطر الفوضى والوقوع بفخ الفتنة والحرب الأهلية مجدداً، خصوصا أن القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في لبنان ومحيطه وجواره تدرك جميعها جيدا في قراءتها السياسية ومقاربتها الواقعية للأحداث في المنطقة بأن المخاطر المحدقة بالبلد لا تحتمل مكابرة ولا تحتمل عناداً ولا استقواءً من أي طرف كان، فلبنان اليوم يعيش هاجس الفتنة الشيعية- السنية وهذا ما يحتم على القوى السياسية وبعيدا عن أي مزايدة شعبوية أو مغامرات عبثية الإرتقاء بتحمل المسؤولية إلى مستوى بذل الجهود وتقديم التنازلات من هنا وهناك لإخراج البلد من شبح هذه الفتنة التي إن وقعت ستحرق كل شيء ولن يكون أحد بمنأى عن عواقبها الكارثية والوخيمة.
وتتابع بأن ما يجري في بعض المخيمات الفلسطينية ومخيمات النازحين السوريين وبعض المناطق اللبنانية التي باتت تشكل بؤر حاضنة ومتفاعلة مع الإرهاب التكفيري، وما نسمعه من خطاب طائفي ومذهبي ممنهج يصب في خانة تسعير حالة التطرف المتعاطفة في لبنان مع النهج التكفيري السائد في المحيط والجوار قد باتت أهدافه واضحة ومكشوفة ومواجهته يتطلب الحفاظ على الحكومة الحالية بكافة الوسائل المتاحة، خصوصا أن جميع المراقبين يجمعون بأن اسقاط الحكومة السلامية وترك البلاد في مجهول الفراغ المطبق في رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة يعني بصريح العبارة أخذ لبنان نحو آتون صراعات المنطقة المقبلة على سنوات مقبلة طويلة من الحروب الدامية والمدمرة التي لن تتوقف في حال عدم هزيمة المشروع الإسرائيلي – التكفيري إلا بتقسيم وتفتيت بلدان المنطقة إلى دويلات طائفية ومذهبية وإثنية وفي هذه الحال سيكون لبنان رسالة التعدد والتنوع ونموذج العيش المشترك المسيحي – الإسلامي في هذا الشرق أمام خطر وجودي لبقائه واستمراره ككيان سيد حر مستقل.