القوى السياسية أمام آلة «كشف الكذب»!

لا تعليق
آخر الأخبارمحلية
2
0

 

عماد مرمل

شكل الموقف المتقدم للامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله من مبدأ النسبية في الانتخابات النيابية، رافعة سياسية لهذا الطرح الذي بدأ يفرض إيقاعه على الحياة السياسية، مقتحما جدول أعمال الحوار الوطني، ومتصدرا مشاريع الحلول المقترحة للازمة الوطنية المتعددة الأشكال…
ولعل أهم ما حققه طرح النسبية، حتى الآن، انه حشر الكثير من الأطراف السياسية في الزاوية الضيقة، ووضعها امام امتحان آلة «كشف الكذب»، بعدما شكل اختبارا حقيقيا لمدى مصداقية شعارات تلك القوى المنادية بالاصلاح والديموقراطية والتمثيل الصحيح وبناء الدولة العادلة.
ويمكن القول ان الاصطفاف في الساحة الداخلية آخذ في الانتقال، وللمرة الاولى منذ زمن طويل، من الفرز على اساس طائفي ومذهبي الى الفرز على اساس مَن مع النسبية ومن ضدها، وبالتالي مَن مع التغيير الحقيقي ومن ضده، حتى يكاد الصراع يصبح بين جبهة «النظام النسبي» وجبهة «النظام الاكثري».
والغريب ان بعض الذين يوحون في العادة بانهم يرفضون سياسة المحادل والبوسطات واختزال التمثيل في الطوائف بقوى حصرية على حساب التنوع والتعدد، هم الذين يعترضون على النسبية، بعدما شعروا بان أسهمها ترتفع شيئا فشيئا، ولم تعد مجرد شعار للاستهلاك او المزايدة.
والاغرب، ان بعض المواقف السلبية من النسبية تندرج ضمنا في اطار النكاية السياسية بالعماد ميشال عون و«حزب الله»، والارتياب بحقيقة نياتهما، انطلاقا من كونهما من أشد المتحمسين لهذا المشروع، في حين ان مقاربته يجب ان تستند الى الضرورات الملحة التي باتت تفرض اعتماده، بعدما جُربت كل الوصفات الاخرى منذ عام 1990، وثبت انها لم تستطع، في كل مرة، سوى استنساخ الازمة وإعادة انتاج خلايا الطبقة السياسية.
ولعله فات خصوم طرفي «ورقة التفاهم» انه إذا كانت هناك من إمكانية لاختراق ثنائية «حركة أمل» ـ «حزب الله» في الطائفة الشيعية او النفوذ الواسع للجنرال في الطائفة المسيحية، فانها تتمثل فقط في الخيار النسبي الذي يسمح لكل المكونات الحية او الاقليات السياسية في البيئات اللبنانية بأن تجد مساحة ومتنفسا لها في المجلس النيابي، خصوصا الشرائح المستقلة التي تسحقها في العادة «جرافات» النظام الاكثري، ما يفسح المجال في نهاية المطاف امام ولادة مجلس نيابي متوازن ومتنوع، يتسع للجميع، ويفرز حكومة «سوية»، وصولا الى تحقيق الاستقرار السياسي، في انعكاس لانتظام نبض المؤسسات الدستورية.
وما هو أكيد ان مبدأ النسبية يؤمن فرصة حقيقية لكسر الاحتكار المزمن للتمثيل والحد من الاحتقار المتمادي للديموقراطية، بينما يكرس المعيار الاكثري طغيان اللاعبين الكبار المعروفين، على الحياة السياسية، عبر الاستقواء بعضلات معادلة الـ51 % التي تلغي حقوق الآخرين ووجودهم المعنوي، في أكبر عملية تشويه للارادة الشعبية.
وربما من المفيد لفت انتباه بعض الحريصين على اتفاق الطائف والنظام السياسي المنبثق عنه، الى انهم سيكونون رابحين، حتى لو فقدوا بعض المقاعد بموجب النسبية، لان تلك الصيغة الانتخابية العادلة ستسمح لهذا النظام المتداعي والمترهل بان يطور ذاته بذاته، وان ينتج من داخله آليات تجديده، في حين ان الاصرار على إبقاء قواعده القديمة في الخدمة، سيهدده بالانهيار والانزلاق نحو الهاوية، تحت وطاة انسداد شرايينه وتوقف صمامات الامان التي تحميه عن العمل.
وعليه، فان المقايضة بين خسارة بعض المقاعد والمحافظة على النظام، هي رابحة للفريق المتمسك باتفاق الطائف، خصوصا ان الحراك الشعبي في الشارع أتى ليدق جرس الانذار بقوة، ويوجه رسالة واضحة الى كل من يعنيه الامر بان القدرة على التعايش مع التركيبة الحالية للدولة تلاشت، وبالتالي فان العناد ورفض الاصلاح، من قلب النظام، سيجعلانه معرضا لجميع أنواع المخاطر والتهديدات من خارجه، في انتظار اللحظة المؤاتية لسقوطه الذي سيكون مدويا.
وفي زمن الخوف من الفتنة المذهبية التي تعبث بالكثير من دول المنطقة، يمكن لـ«النسبية» ان تخفف كثيرا من حمى التطرف في لبنان، باعتبار ان المرشحين في الدوائر التي تنطوي على حد أدنى من الاختلاط، سيكونون مضطرين الى استخدام الخطاب المعتدل لكسب اكبر عدد ممكن من الاصوات، لاسيما ان النظام النسبي يعيد الاعتبار الى الصوت الانتخابي الذي سيكون له وزنه وتأثيره، بعدما تسبب أسيد النظام الاكثري في إذابته واختزاله بإرادة النصف + واحد.