داني حداد – موقع الـMTV
لنقل الأشياء كما هي، أو بأسمائها إن صحّ التعبير. لا تملك قوى الأمن الداخلي، بشكلٍ عام، صورة جميلة في ذهن غالبيّة اللبنانيّين، مقابل الصورة البهيّة التي تُرسم عن الجيش اللبناني. يتعلّق الأمر، على الأرجح، بالتجاوزات التي تُرتكب في المخافر، حيث يكثر الكلام عن رشاوى ومحسوبيّات، كما بالتجاوزات في مفارز السير التي يتحوّل شرطيّوها الى منظّمي وقوف أمام بعض المؤسسات التجاريّة لأسبابٍ لا يجهلها أحد. أما لـ “صورة” قوى الأمن الداخلي في التعاطي مع الحراك الشعبي، فقصّة أخرى.
وقف عناصر مكافحة الشغب موقف المتفرّج أمام الشاب الذي اعتلى منصّة تمثال رياض الصلح في الساحة التي تحمل اسمه، وراح يتفنّن، لأكثر من نصف ساعة، في تشويه التمثال. وتفرّجوا أيضاً على من عُرف بـ “المندسّين” وهم يكتبون شعارات على جدران الأبنية الحجريّة في وسط بيروت، وينزعون إشارات المرور ويحطّمون عدّادات الوقوف. ظهر عناصر قوى الأمن في مظهر العاجز، المتنازل عن دوره، إما لتقصير لديه وإما لغياب القرار السياسي.
لم يحمِ مكافحو الشغب الأملاك العامة والخاصّة، في حين أفرط بعضهم في التعامل بعنف مع بعض المتظاهرين، وهم، في الحالتين، نفّذوا قرارات كانت مرتبكة وغير صائبة في معظم الأحيان.
إلا أنّ ما هو أسوأ من السلوك الأمني هو سوء سلوك بعض المشاركين في الحراك الشعبي الذين حوّلوا معركتهم من السلطة السياسيّة، التي نشاركهم تماماً رأيهم بفساد غالبيّة المنتمين إليها، الى القوى الأمنيّة التي تنفّذ قرارات تلك السلطة، بفاسديها والناجين القلائل من فسادها.
وباتت القوى الأمنيّة هي التي تُرمى بالحجارة وهي التي يتمّ الاعتداء على آليّاتها وهي التي تُعقد المؤتمرات الصحافيّة من أجلها، من قبل بعض شحّاذي الكاميرات الذين ازداد عددهم كثيراً، منذ انطلاق التحرّكات الشعبيّة حتى اليوم، ما يبرّر “تفقيس” الحملات يوماً بعد آخر. أما القضيّة الأم، أي النفايات، فباتت شبه غائبة عن الحراك، بعد أن تولّى الأخير تحريض الأهالي في المناطق المزمع أن تستقبل مطامر للنفايات على رفض ذلك، بالتواطؤ مع بعض الإعلام الذي يطلق على الموقوفين بتهمة الاعتداء على القوى الأمنيّة والأملاك العامة والخاصّة تسمية المعتقلين، وسط نومٍ عميق للمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، الذي لا يعلم ولا يرى ولا يسمع!
نعم القوى الأمنيّة مقصّرة. هي مقصّرة حين تغضّ النظر عمّن يتجاوز القانون بحجّة أنّه متظاهر. وهي مقصّرة حين لا تجرؤ على الوقوف في وجه شبّانٍ يعتدون على المتظاهرين لأنّهم محسوبين على فئة سياسيّة معيّنة. وهي مقصّرة حين تسمح لمجموعة من الشباب بشلّ وسط تجاري باتت المؤسّسات السياحيّة والتجاريّة فيه على حافة الإقفال أو الإفلاس، بدل اختيار موقع أقلّ تأثيراً على الاقتصاد المشلول أصلاً.
في الخلاصة، هي “ثورة” لبنانيّة أخرى أضاعت فرصتها، لأكثر من سبب. في مقابل إضاعة قوى الأمن الداخلي فرصة سنحت لها لتحسين “صورتها”. وبين الفرصتين الضائعتين، باتت رائحة النفايات “طالعة” أكثر في شوارعنا، والعجلة الاقتصاديّة الى تراجع والسياحة معدومة والحكومة مشلولة والحوار متعثّر… وبعض الحراك أسوأ من الطبقة السياسيّة التي يثور عليها.