تستمر السلطة عبر القضاء العسكري باعتقال كل من الناشطين وارف سليمان وبيار الحشاش تعسفاً، بعدما رفض قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا إخلاء سبيلهما. لذلك صبّت مجموعات الحراك المدني جهودها على الضغط الشعبي والإعلامي بعدما أثبتت السبل القانونية فشلها في صدّ التدخل السياسي في القضاء العسكري. في الوقت نفسه، لم تبتعد المجموعات عن هدفها الأساسي: إزالة النفايات قبل موسم الأمطار، ما لم يرق السلطة التي حاولت منع هذا الأمر
تحاول السلطة جاهدة أن تضيّع بوصلة الحراك الشعبي. الاستراتيجية نفسها تتّبعها أثناء كل تظاهرة، فتعتقل أبرز الفاعلين في المجموعات الناشطة لتحوّل الجهود كاملةً باتجاه إطلاق سراح المعتقلين. مع إطلاق سراحهم يعود الحراك إلى مطلبه الرئيسي المتمثل بإزالة النفايات من الشوارع وفق خطة بيئية شفافة.
في المرة الأخيرة، قررت السلطة أن تلعب اللعبة نفسها، لكنها زادت منسوب القمع وانتهكت القوانين بوقاحة، فاعتقلت 62 ناشطاً، أخلي سبيل معظمهم بعدما ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على عدد كبير منهم بلائحة تهم «واهية»، فيما دخل الناشطان بيار الحشاش ووارف سليمان يومهم الحادي عشر في «الاعتقال السياسي» لأنهما «خرّبا العتاد العسكري» عبر هزّ الشريط الشائك في ساحة الشهداء.
خلال اليومين الماضيين انصبّت جهود مجموعات الحراك على مسألة الإفراج عن الناشطين عبر سلسلة الاعتصامات التي نفذتها أمام المحكمة العسكرية وساحة رياض الصلح. محطتان أساسيتان مرّ عليهما تحرك السبت الفائت تحت عنوان «هز الشريط هز الطبقة السياسية وأزلامها»، فكانت البداية من ساحة رياض الصلح حيث اجتمع عشرات الناس لهزّ الشريط الشائك أمام السرايا الحكومية. على مبدأ «هل نوقف زحلة كلها؟» الذي عبّرت عنه السلطة عبر مصادرها الأمنية تعليقاً على حادثة إطلاق النار خلال تشييع النائب السابق الراحل إيلي سكاف، هزّ المتظاهرون الشريط معلنين أنه «إذا كان هز هذا الشريط يعتبر عملاً جرمياً فكلنا مجرمون». محطة الاعتصام الثانية كانت أمام المحكمة العسكرية حيث ارتفع شعار «إسقاط حكم العسكر» المتمثّل بالدعاوى والتهم الجائرة التي وُجهت إلى الناشطين، وخصوصاً لناحية الاعتقال التعسفي من قبل القضاء العسكري بعدما رُفضت جميع طلبات إخلاء سبيل الناشطين. انضم المتظاهرون القادمون من رياض الصلح إلى أهالي الموقوفين وناشطين آخرين للمطالبة بالإفراج عن سليمان والحشاش، لينتقلوا بعدها إلى ثكنة الحلو حيث يعتقل الحشاش، ومن ثم الى مخفر الرملة البيضا حيث يعتقل سليمان.
دخل الناشطان بيار الحشاش
ووارف سليمان يومهما الحادي عشر في «الاعتقال السياسي»
إلّا أن الحراك لم «يغرق» في فخ السلطة، فبالتوازي مع المطالبة بإطلاق سراح الناشطين ورفض محاكمة المدنيين في المحكمة العسكرية، حرصت المجموعات على التذكير الدائم بالقضية الأساس: «الكوليرا جايي» ويجب توضيب النفايات فوراً. تُرجم هذا الشعار بخطوة إيجابية نفذتها بعض المجموعات تتمثل بتوضيب النفايات من منطقتي الجمهور وبرج حمود في أكياس حرصاً على الصحة العامة واستباقاً لموسم الأمطار، إلّا أنّ للسلطة رأياً آخر، إذ منعت المتطوعين من استكمال نشاطهم، مؤكدةً أنّ صحة الناس لا تعنيها في معادلة المحاصصة والسياسة. فالمطلوب اليوم إبقاء النفايات في الشوارع من أجل الضغط على الناس للقبول بحل المطامر والرضوخ للمصالح الخاصة.
فقد بادر أول من أمس شباب جمعية فرح العطاء وبقية مجموعات الحراك الشعبي إلى توضيب النفايات في منطقة الجمهور على طريق الشام، ليفاجأوا بدورية من قوى الأمن الداخلي أرسلها محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل لمنعهم من استكمال العمل، ليعود ويتراجع عن قراره بعد الضغط الإعلامي والشعبي. من العاشرة صباحاً حتى السادسة مساءً بقي المتطوعون يوضبون النفايات في أكياس خوفاً من تساقط الأمطار. يقول محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل إنه لا مانع من إزالة النفايات، لكن على الجمعية «إطلاعنا قبل ثلاثة أيام من موعد إقبالها على فرز النفايات، وذلك تجنباً لتضارب برامج الجمعية مع البلديات التي تعمل على إزالة النفايات في المناطق يومياً»، مشيراً إلى «ضرورة التنسيق في هذا الصدد». علماً بأن الجمعية كانت قد أوضحت في بيان، أول من أمس، أنها وجهت كتاباً بتاريخ 16/10/2015 إلى المحافظ بواسطة الفاكس، وكتاباً آخر في اليوم التالي سلمه أحد أعضاء الجمعية لأحد رجال الدرك داخل مكتب فليفل.
أمّا في برج حمود، فقد نفذت المجموعات المبادرة نفسها، إلا أنها لم تتمكن من توضيب أكثر من 20 كيساً، إذ سرعان ما قدمت شاحنات البلدية لإزالة النفايات المتراكمة تحت جسر المشاة ورمتها على الخط البحري.