بخلاف ما اعتقد كثيرون، لم يَمُتْ “التحالف الرباعي” بعد، وإن لم يبقَ فريقٌ في الداخل إلا ونفض يده منه طيلة الفترة الماضية…
هكذا، كان الخلاف حول “تشريع الضرورة” كافيًا لإعادة إحياء هذا التحالف، بأعمدته الأربعة، من “تيار المستقبل” إلى “الحزب التقدمي الاشتراكي“، مرورًا بـ”حزب الله” و”حركة أمل“، تحت شعار أنّ الجلسة التشريعية “ضرورة وطنية”، والتغيّب عنها “انتحار”.
وفي النتيجة، وجدت القوى، التي لا تزال تدفع ثمن “التحالف الرباعي”، وفي مقدّمها “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”حزب الكتائب“، نفسها جنبًا إلى جنب مرّة أخرى بحكم “الأمر الواقع”، لا حول ولا قوة لها…
تحالفات عابرة للطوائف…
خلال السنوات الماضية، نُسِجَت الكثير من التحالفات العابرة للطوائف والمذاهب على أكثر من صعيد. هكذا، كُرّس تحالفان ثابتان بين “تيار المستقبل” و”حزب الكتائب” و”القوات اللبنانية” من جهة، وبين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” ومن خلفه بشكلٍ غير مباشر “حركة أمل” من جهةٍ ثانية، وتموضع “الحزب التقدمي الاشتراكي” في الوسط بين الإثنين، متمتّعًا باصطفافٍ من نوعٍ آخر، جعل منه “بيضة قبّان” بما للكلمة من معنى.
تقول مصادر سياسية مطّلعة أنّ أحد الأهداف الأساسيّة من هذه التحالفات الموضعيّة كان “إزالة شبح التحالف الرباعي”، وهو ما تحقّق بالفعل، باعتبار أنّها تجاوزت الكثير من المطبّات والمعوقات، وصمدت في وجه كلّ العواصف بل الأعاصير التي اصطدمت بها، فشكّلت حالة فريدة في الفضاء اللبناني، رغم بعض “التمايز” الذي كان يظهر بين الفينة والأخرى، من دون أن يصل إلى حدّ “الاستفزاز” أو “التحدّي”.
من يقف على الخاطر؟
وفقاً للمصادر، لا يبدو هذا التوصيف دقيقًا اليوم في مقاربة مختلف الأفرقاء للجلسة التشريعية، فإذا كان كلّ من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” النائب وليد جنبلاط استفادا من عدم “ارتباطهما” بحلفٍ مباشرٍ مع القوى المسيحية، ليذهبا في “التصويب” عليها لحدّ القول أنّ ما تفعله “انتحار”، فإنّ علاماتِ استفهامٍ تُطرَح حول موقف كلّ من “تيار المستقبل” و”حزب الله”، اللذين لا يبدو أنّهما قرّرا أن “يقفا على خاطر” حلفائهما، رغم حرصهما على عدم “التفريط” بالحلف معهم.
هنا، تشير المصادر إلى أنّ “النداء” الذي وجّهه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لرئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، مذكّراً إياه بشعارات والده رفيق الحريري حول “المناصفة” و”العيش المشترك”، كافٍ للدلالة على وجود “امتعاضٍ” في مكانٍ ما، خصوصًا أنّ الكثير من قياديّي “المستقبل” تطوّعوا لإعطاء الجلسة التشريعية “الغطاء اللازم” من دون مراعاة مشاعر الحلفاء، وتلفت إلى أنّ موقف “حزب الله” أيضًا ليس أفضل حالاً، فالحزب الذي ذهب “حتى النهاية” في دعم رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون في موضوع الانتخابات الرئاسية ورفض عزله أو كسره، لم يلاقِهِ في منتصف الطريق بموضوع الجلسة التشريعية، ولو عبر “ضغطٍ شكلي” لإدراج قانون الانتخاب على جدول أعمالها لا أكثر ولا أقلّ، بل اصطفّ في الجانب المقابل بكلّ بساطة…
الميثاقية المبتورة…
صحيحٌ أنّ التحالفات لا يمكن أن تقيّد أحدًا، وأنّ التحالف مع فريقٍ لا يعني “الذوبان” فيه، كما يحلو لمختلف الأفرقاء القول عند كلّ اختلافٍ، ولكنّ الصحيح أيضًا أنّ “الاختلاف” بلغ أوجه هذه المرّة، حتى في “تحديد المفاهيم العامة”، كما تقول المصادر، التي تلفت إلى أنّ أكثر ما استفزّ القوى المسيحية هو أنّ “الميثاقية” أصبحت بحدّ ذاتها “وجهة نظر”.
بحسب هذه المصادر، لا تجد هذه القوى “تبريرًا” حتى الآن يُقنِعها كيف أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهو مبتكر “بدعة الميثاقية” كما يعلم القاصي والداني، بات يشرّع لنفسه “التنصّل” منها، مستفيدًا من قراءاتٍ قانونية ودستورية ليست أصلاً وليدة اليوم، ربما وفق قاعدة “الغاية تبرّر الوسيلة”، متناسياً أنّ العرف الذي أرساه “الأستاذ” نفسه بات أقوى من كلّ الاجتهادات، ولو صحّت.
ولكن هناك ما هو “مستفزّ” أكثر برأي هذه القوى، وهو تحديدًا إصرار بري وغيره على الحديث عن “ميثاقية مؤمّنة” في الجلسة، من خلال حضور نوابٍ مسيحيين، في إشارة ليس فقط إلى كتلة رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية الرباعية، ولكن إلى النواب المسيحيين المنتمين إلى الكتل غير المسيحية، والذين يُعَدّون السبب المباشر لمطالبة هذه القوى بقانونٍ انتخابيٍ جديد، باعتبار أنّ لا حيثية شعبية لهم في الشارع المسيحي، مع كامل الاحترام والتقدير لهم.
هنا، تلفت المصادر، نقلاً عن هذه القوى، أنّ هناك نواباً سُنّة على سبيل المثال خارج “كتلة المستقبل”، سواء في كتلة “الوفاء للمقاومة” أو “التنمية والتحرير”، ومع ذلك لم يعتبر بري في السابق أنّهم يؤمّنون الميثاقية “السنية” للجلسات في السابق، كما أنّ هناك نواباً شيعة في كتلة “المستقبل”، وحتى في تكتل “التغيير والإصلاح”، فهل يقبل رئيس المجلس النيابي أن يدعو لجلسةٍ يقاطعها مع “حزب الله”، باعتبار أنّها ستبقى “كاملة الميثاقية”؟
هكذا نواجه…
قد لا يكون الفرز الطائفي والمذهبي لنواب البرلمان وكتله أمرًا مستحبًا في بلدٍ عانى ما عاناه من الصراعات، وقبل ذلك في بلدٍ يقول أبناؤه أنّهم يؤيّدون إلغاء الطائفية السياسية، ولكنّه يبقى واقع الحال للأسف الشديد.
ربما لهذه الأسباب، لا يزال “التحالف الرباعي” وحده يوحّد القوى المسيحية في مواجهته. وربما لهذه الأسباب أيضًا، على هذه القوى أن تتمسّك بمطلب قانون الانتخاب العصري والحضاري والعادل، لأنّه وحدَه أيضًا قادرٌ على إنهاء كلّ ترسّبات هذا “التحالف” وأشباهه، وفتح الطريق نحو مسارٍ جديدٍ، أبعد ما يكون عن الطائفية والمذهبية، إذا صدقت النوايا…
حسين عاصي – خاص النشرة