حسن حمادة عن المشهد الدولي والنهضة الروسية لمواجهة اوروبا المسلوبة

A

image

– روسيا تواجه اوروبا “المسلوبة” و”الصهيونية- العربية”
– “البنوك” الأميركية و”وول ستريت” هي التي اوصلت “النازية” الى الحكم
– ثورة طلاب 1968 قادتها يهود.. وهدفها ضرب “ديغول” واوروبا وحسب
– هولاند قال انّ لديه خصم لا وجه له ولا حزب لكنه يحكم وهي “بيوت المال”
– الأحزاب على الطريقة الأميركية وراءها قوة خفية والإختيار شكلي

بول باسيل –
التحولات في “المشرق” جذرية وعميقة، رغم عدم انقشاع نتائج الكباش الدولي الإقليمي العنيف.. خطوط النفوذ التي تُرسم بالحديد والنار بإرهاب “داعش” و”النصرة” وأمثالهما، يرافقه إرهاب غير منظور مُدار بأجهزة المخابرات وأدواتها الناعمة وأذرعها الإعلامية، ورغم التعثر الحاصل الاّ أنّه لم يتمّ اسقاط هذا المخطط بعد..
عن التحولات في العالم وخديعة ما يُسمّى “11 ايلول” اوروبي، حاورت جريدة “الثبات” المفكّر السياسي والمتابع الدقيق للقضايا الدولية؛ الدكتور حسن حمادة، واليكم محاولة هامة لتفسير الأحداث العالمية والمشهد الدولي..
لتفسير المتغيرات السريعة التي يشهدها عالمنا ومنطقتنا المشرقية، يستند الدكتور حسن حمادة على مستندات مراكز الأبحاث ليؤكد بشكل لا لبس فيه هيمنة الولايات المتحدة على أوروبا، ويشير الى أنّ تمكّن الأمبرطورية الأميركية من توحيد القرار الغربي كان ابرز انجاز حققته السياسة الأميركية في القرن الماضي، يقول: هذا الإنجاز تحقق ببث تدريجي وعلى دفعات واستمرّ لعشرات السنوات ليُطبق على اوروبا، فالكتب والأبحاث العلمية الصادرة بعد الحرب العالمية الثانية والوثائق السرية التي افرج عنها تؤكد علاقة “بيوت المال” الأميركية و”وول ستريت” (شارع المال والبورصة) بالنازية، ومنذ عشرينات القرن الماضي “وول ستريت” هي التي اوصلت النازية الى الحكم في المانيا. يضيف حمادة: “أوجه الشبه بين الأمس واليوم واضحة للمراقب الذي يضع مجهره ويتأنى بالأحداث، فمشرقنا يمرّر اليه نفس السيناريو، فالنازية في المانيا كانت باباً لفتح الحروب داخل اوروبا لترث اميركا كل اراضي الأمبرطوريات الإستعمارية الأوروبية المقدرّة بثلاث ارباع جغرافية الكرة الأرضية. يتابع حمادة شرح مقاربته العلمية: الحربان العالميتان الأولى والثانية جاءت لإدخال الإمبرطوريات ببعضها ببعض، وهي في حقيقتها حروب اوروبية – اوروبية رغم دخول السلطنة العثمانية في الأولى خلف الإلمان.. (والأمبرطوريات التي كانت تقتسم العالم هي بريطانيا وفرنسا والمانيا، واسبانيا والبرتغال وايطاليا وهولندا).
برأي حمادة، تسلسل الأمور والأحداث جاء قبل وبعد الحربين العالميتين؛ كما اراده “وول ستريت” والحلفاء، بالرغم من تعاونهم مع روسيا الشيوعية و”ستالين”، عمدوا بعد الإنتصار على النازية ودخول الجيوش الأميركية الى أوروبا ابقاء هيمنتهم عليها للتأثير على سياسات الدول الأوروبية وخنقها من الداخل، فتمّ خلق تنظيمات مؤيدة للأميركيين وبالتالي مؤيدين لهم من خلال تسعير الخوف ضدّ “الشيوعية”.
حمادة الذي يراقب ويدقّق بالأحداث يعتبر أنّ حراك الولايات المتحدة و”الإنغلوساكسون” لناحية تعقيد السياسات الذين ينفذونها مذهل جداً، يقول: يخيّل اليك أن المشهد الدولي يتحرّك كما لعبة “الشطرنج”، وأنك امام لاعب ماهر جداً، ولهذا السبب لإطباق الأميركيين على اوروبا ابتدعوا ما يُسمى “الحلف الأطلسي”، بعد استبدال الخطر النازي بالخطر الشيوعي، ورغم تجاوب الأوروبيين بالعموم رافق ذلك دفع من قبل أجهزة المخابرات الأميركية و”اليهود” والمنظمات “الصهيونية” باتجاه حروب اهلية منخفضة داخل اوروبا، كما حصل في اليونان وفرنسا، من خلال التصفيات التي طالت الشيوعيين، ولتحقيق ذلك شكلّت ميليشيات عسكرية أمنية هدفها قتل وتصفية الشيوعيين الفرنسيين، وعلى سبيل المثال حزب الإشتراكي الفرنسي تحوّل الى ميليشيا صفّى بعد تحرير فرنسا فرنسيين ساهموا بتحرير فرنسا، وليس ممن الذين تعاطوا مع النازية..
ويعتبر حمادة انّ الجنرال “ديغول” سعى الوقوف بجسارة ضدّ هيمنة اميركا على القارة الأوروبية، يقول: الولايات المتحدة كانت تنظر بغضب لإنفتاح “ديغول” على القوى اليسارية التي شاركت بالمقاومة الفرنسية، لكن سعيه المستمرّ في الستينات لتحرير فرنسا لناحية الهيمنة والقرار، دفعه لاعلان خروج بلاده عن طاعة الحلف الأطلسي، واقفال القواعد الأميركية على الأرض الفرنسية، وهذه الإنعطافة الأساسية في تاريخ اوروبا لم يكتب لها النجاح باثارة الخضات الداخلية، ومع الأسف ما زال بعض الناس مع بعض الإعلام يُمجّد ثورة الطلاب 1968 على قاعدة المطلوب الإقتداء بها.. وكلّ قادتها يهود، امثال “دانيال كوهين بنديت” و “سيرج جولي” و “الان جسمار” وغيرهم.. فهذه الثورة كان هدفها ضرب الجنرال “ديغول” وحسب.
وعن كسر الإستقلال الثاني لفرنسا، يشير حمادة الى أنّ احكام قبضة الأميركيين على اوروبا جاء بانشاء حركات وتنظيمات ارهابية صنيعة الـ”CIA”، هي عبارة عن تنظيمات قاتلة في اوروبا، وهي منظمات ما زالت موجودة أمثال “كلاديو” (Gladio) والتي تعني “الحربة”، كما أنشأوا شبكة علاقات وتنظيمات يسارية متطرفة كالألوية الحمر (تنظيم ماركسي متطرف في ايطاليا) و” الجيش الأحمر” (Baader-Meinhof بادر ماينهوف) الإلمانية وكانت الأخيرة تستخدم على الدوام خطاباً معادياً لأميركا ولكنها كانت تستهدف رموز التيار الذي يقول “اوروبا للأروبيين” وليس اوروبا الأطلسية، فتعززّت هذه التيارات السياسية من خلال الرشاوى ودور بيوت المال، وفي فرنسا على سبيل المثال بين فرنسا الفرنسية أو فرنسا الأوروبية يجيبونك انهم يريدون “فرنسا الأوروبية، وما بين اوروبا الأوروبية أو اوروبا الأطلسية يقولون لك نريد أوروبا الأطلسية، واذا خيرتّهم بين السياسة الأوروبية وسياسة الولايات المتحدة يقولون لك نريد سياسة الولايات المتحدة.. (ULTRA-ATLANTISTE)، وحتى اليوم هذا التيار قوي في اوروبا نتيجة هيمنة “بيوت المال” على الإعلام..
يضيف حمادة: يرافق ذلك نمو بحركة النظم الإقتصادية في اتجاه النظم “النيو-ليبرالية” الذي هو ذروة الرأسمالية المتوحشة، وهؤلاء بطبيعتهم لا تقرّ بدور الدولة للرعاية الإجتماعية في الشأني الإقتصادي والإجتماعي، والجنرال “ديغول” كان يسعى بناء دولة “الرعاية”، والسير بنظام رأسمالي انساني.. وكان المطلوب السير برأسمالية متوحشة لبربط الرأسمال المحلي بالرأسمال الأميركي – اليهودي، وعولمة الرأسمال والإقتصاد.. ويمكن القول أنّ الأميركيين هم الذين أنشأوا “السوق الأوروبية المشتركة” التي بدأت آنذاك بقضايا الحديد والفحم الحجري.. وانتهت مع توسيعها الى بناء الإتحاد الأوروبي.
ويؤكد حسن حمادة أنّ الوحدة الأوروبية المشتركة وراءها لوبيات “وول ستريت” المتحالفة مع بيوت المال، يقول: مع ضرب الديغولية في آخر الستينات، طحش الأميركيون وبدأ يتقلّص النفوذ الأوروبي تدريجياً حتى اصبحت اوروبا ظاهرة صوتية بيد الأميركيين، لأنّه لا وجود سياسة فاعلة للسياسيين الأوروبيين من دون ارادة الولايات المتحدة..
يعطي حمادة، مثلاً عن تراجع اوروبا وصدور القرار الدولي 242 اثر حرب 1967 بين اسرائيل والدول العربية، (في حينها كان الأميركيون واليهود يسعون اسقاط الجنرال ديغول لأنه رفض تأييد اسرائيل) فجاء القرار الأممي باللغة الفرنسية بالإنسحاب من كل الأراضي التي احتلتها اسرائيل، فيما بدلّها الكاتب الساكسوني “لورد كارادون” (مندوب بريطانيا لدى الاثم المتحدة) بالتعاون مع الأميركي الى انسحاب من اراضي وليس كل الأراضي، وبقيت الأزمة عالقة حتى اليوم، لا ينسحب الإسرائيلي من الجولان ولا القدس..
مقاربة الدكتور حمادة لم تنشأ بين ليلة وضحاها، وليكتمل المشهد عما يحصل في مشرقنا يخبرنا عن حلقات الحوار بينه مع وزير خارجية فرنسا “ميشال جوبير” في عهد الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول، وبفضل هذه الجلسات اكتشف حمادة وجود لما يُسمّيه اليوم “الصهيونية – العربية”، بعدما أخبره “جوبير” أنّ اقرار دول “السوق الأوروبية المشتركة” الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني لا يمكنه أخذ منحىً تصعيدي اكثر ضدّ اسرائيل لصالح العرب، رغم وجود “ديغول” (في عام سنة 1967 – قبل ثورة الطلاب الناعمة 1968)، لأنّ تبعات ذلك سيكون تهديد للمصالح الأوروبية لدى الدول العربية!!
ومع تأكيد حمادة مجدداً أنّ اوروبا الذي يهلل لها بعض السياسيين في لبنان ليست سوى ظاهرة صوتية بيد الأميركيين حالها كحال الدول العربية والخليجية، يسند كلامه على تصريح الرئيس الفرنسي الحالي “فرنسوا هولاند” في 26 كانون الثاني 2012، في مطار “لو بورجيه” الفرنسي، ضمن مهرجان انتخابي قبيل انتخابه، ويمكن للمتابعين قراءته على الإنترنت، يقول هولاند: أنّ لديه خصماً، وهذا الخصم ليس له وجه، وليس عنده حزب سياسي، وهو لا يترشّح للإنتخابات، ومع ذلك انّه هو الذي يَحكمْ، في الواقع إنها “بيوت المال”… يعقّب حمادة عى كلام هولاند بالقول: السلطة الفعلية لم تعد بالمؤسسات الدستورية في اوروبا، لأنها بيد شخص او موظف تعدّه السياسة الأميركية.
ولتفسير ما يحصل في اوروبا تماماً، يشرح لنا الدكتور حمادة عمل الأنظمة “النيوليبرالية” التي لا يمكن ان تتعايش مع دولة القانون، ولا دولة الرعاية الإجتماعية، ولا الديمقراطية؛ لأنهم يريدونها ديمقراطية على شاكلة الولايات المتحدة الأميركية شكلية فحسب، وهذا الأمر يحصل من خلال سلطة الإتحاد الأوروبي التي هي سلطة غير منتخبة، وقراراتها هي المطبقّة والمعتمدة، ومن خلال انظمة حزبية تعتمد الديمقراطية العلنية داخل الأحزاب أو الحزبين ضمن الدول الأوروبية، وما يُسمّى ثنائية الترشيح التي تختاره الأحزاب، وفق الطريقة الأميركية وراؤه قوة خفية تعمل لتقديم المرشحين، وعادة ما يكونوا من الصهاينة أو اتباعهم، فالإختيار هنا هو شكلي وغير مؤثر على السياسات المعتمدة.
يقابل التراجع الأوروبي بحسب حمادة نهضة روسية، يقول: مع سقوط الإتحاد السوفياتي كانت وجهة الأميركيين تفجير روسيا نفسها، واليقظة الروسية لا يمكن تصويرها بشخص الرئيس فلاديمير بوتين فقط، فالمسألة اكبر من ذلك بكثير، فبوتين هو ابن الكتلة الصناعية العسكرية الأمنية، وهو وقائد مميز من الصف الأول، لا يمكن مقارنته بأي رئيس جمهورية لدى الدول الكبرى.
ينهي حماده حديثه في الجزء الأول عن مقاربته لمشهد الدولي بالقول: هذا العالم الناهض بقيادة “تشاركية” روسية راكم نهضته منذ حوالي 17 سنة، والتحالف الروسي – الصيني وحده اليوم قادر بحسب الوقائع مقارعة الولايات المتحدة اقتصادياً وسياسياً وامنياً بادئ الأمر للتغلّب عليه فيما بعد..
في الجزء الثاني.. الدكتور حسن حمادة يكشف تفاصيل أخرى تتعلق بـ”داعش” وتركيا و “العراق” و”لبنان” وسبل المواجهة.