طوال الأشهر التسعة الماضية، أبدى اليمنيّون مقاومة استثنائيّة في حرب غير متكافئة، إنْ كان لجهة حجمها أو الأطراف المشاركة فيها، أو الترسانة العسكرية الضخمة التي سخّرتها دول «التحالف» السعودي لهذه الغاية.
وضعت السعودية عناوين عريضة لحربها على اليمن، تماماً كما وضعت خلاصات مُسبقة، ولائحة أهداف مُعلنة، وأُخرى غير مُعلنة. «عاصفة الحزم» كما «إعادة الأمل» لم تحقّقا أياً من أهدافهما، كما بات معلوماً.
في اليوم الأوّل للحرب، أي 26 آذار الماضي، أعلنت السعودية أنَّها تمكَّنت، في الربع الساعة الأولى على بدء «عاصفة الحزم»، من تدمير إمكانات الجيش اليمني، فضلاً عن بيانات بـ «الجملة» تحكي عن «الانتصارات» التي حقّقتها دول «التحالف» المساندة لـ «الشرعية». وسخَّرت لذلك الهدف، دعاية غير مسبوقة عبر وسائل إعلامها، أو حتّى وسائل إعلام الغرب المقربة من حكوماتها الداعمة للحرب.
أمَّا وأنَّ الأمور وصلت إلى نفقٍ مسدود، فيبدو أنَّ دول «التحالف» باتت شبه مقتنعة بضرورة الانسحاب من هذا المستنقع، لتبدأ اليوم في سويسرا مفاوضات يمنية – يمنية برعاية الأمم المتحدة، يُؤمل منها احتواء الأزمة السياسيّة في البلاد، فضلاً عن دخول الهدنة، ظهر اليوم، حيّز التنفيذ كمقدمة لإعلان وقف شامل لإطلاق النار ينهي الحرب السعودية التي أخفقت في تغيير معادلة الميدان لمصلحة حلفائها.
عوامل عديدة دفعت في اتّجاه مفاوضات السلام التي لم يُحدَّد جدول أعمالها ولا توقيت اختتامها، إذ إنّها ستتواصل، طالما لزم الأمر. هذا ما كانت قد أكّدته الأمم المتحدة بعد إعلانها موعد المحادثات التي ربّما تكون الأكثر جدية، خصوصاً بعد إفشال الرياض مؤتمر جنيف اليمني الذي عُقد منتصف حزيران الماضي.
منذ ذلك الحين، تغيّر الكثير. بدأ «التحالف» حرباً برية «غير مُعلنة» أدَّت إلى سيطرته وحلفائه على مناطق الجنوب اليمني، وهو ما أدّى بدوره إلى تعزيز حضور المجموعات الإرهابيّة التي كان بعضها يُقاتل في صفوف المسلَّحين الموالين لعبد ربّه منصور هادي. وبرز نشاط تنظيمَي «داعش» و «القاعدة»، خصوصاً في محافظتي عدن وأبيَن.
إلى جانب كلّ ذلك، أدَّت الحرب على اليمن إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث قُتل، وفق أرقام الأمم المتحدة، 5800 شخص، فيما يحتاج أكثر من 21 مليون نسمة إلى نوع من المساعدة الإنسانيّة للبقاء على قيد الحياة، أي ما يعادل 80 في المئة من سكان البلاد.
هذه العوامل، دفعت الدول الغربيّة، ولو بحياء، إلى الضغط على الخليجيّين لوقف حربهم، إذ يرى الغرب أنَّ الحرب على اليمن بمثابة تشتيت للأنظار عن مهمة محاربة «داعش».
وخلال الشهر الحالي، قال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر للجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ إنَّ «السعودية ودول الخليج انضمّت إلى الحملة الجوية في الأيام الأولى.. ولكن منذ ذلك الحين ظلّوا منشغلين بالحرب في اليمن.. أنا أيضاً آمل أن تبذل الدول العربية السنيّة مزيداً من الجهد».
مسؤول رفيع المستوى في حكومة هادي، يؤكّد أنَّ واشنطن ولندن مارستا، خلال الأسابيع الماضية، «ضغوطاً شديدة على هادي والجانب الحكومي من أجل تقديم تنازلات وعدم التشدّد في طلب تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي» الرقم 2216، والذي ينص خصوصاً على انسحاب الجيش اليمني و «اللجان الشعبية» التابعة لـ «أنصار الله» من المناطق التي يسيطران عليها. ويشير هذا المسؤول إلى أنَّ هناك «توجهاً دولياً للاحتفاظ بالحوثيين، على أن يكون لهم دور سياسيّ فاعل في اليمن، خصوصاً في ما يتّصل بإيجاد توازن مع حزب الإصلاح والسلفيين ومواجهة الإرهاب».
كما يؤكّد مسؤولون آخرون في حكومة هادي أنَّ الغرب يسعى لتجنّب وجود فراغ في السلطة من شأنه إعطاء التكفيريين الملاذ الذي يتمتّعون به في مدينة عدن وغيرها من المناطق».
وترى حركة «أنصار الله» أنَّ هناك فرصة، الآن، أكبر من أيّ محادثات أو مفاوضات سابقة لوقف هذه الحرب ومواجهة «الإرهاب» والتحديات، وفق المتحدث باسمها، محمد عبد السلام الذي يرأس وفد الجماعة إلى سويسرا.
الجيش يبادر
وقبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ ظهر اليوم، وفق ما أعلن «التحالف»، نفّذ الجيش اليمني و «اللجان الشعبيّة» عمليّة نوعيّة في شعب الجن في باب المندب، عندما استهدفا معسكراً لقوّات «التحالف» بصاروخ «توشكا»، ما أدّى إلى مقتل عشرات الجنود من الخليج واليمن والسودان، وهي العملية الأكبر منذ أطلق الجيش، في أيلول الماضي، صاروخاً من النوع نفسه على قاعدة عسكرية لـ «التحالف» في مأرب، في عمليّة أدّت إلى مقتل 67 جندياً خليجياً، بينهم 52 إماراتياً.
وأدت العملية إلى مقتل قائد قوات العمليات الخاصة السعودية في عدن العقيد الركن عبد الله بن محمد السهيان، وسلطان بن محمد علي الكتبي، أحد ضباط القوات الإماراتية»، بحسب بيان نشرته وكالة «واس» الرسميّة، من دون أن تشير إلى ظروف مقتلهما أو طبيعة مهامهما.
كذلك أكَّد مصدر في قوات هادي أنَّ صاروخاً أطلق على قوات «التحالف»، أدّى إلى مقتل «العشرات» في معسكر يتمركز فيه يمنيون وسودانيون وإماراتيون وسعوديون.
وبحسب بيان الجيش اليمني، فإنَّ الصاروخ أصاب «مركز قيادة يديره العدو»، وتسبّب في «خسائر بشرية ومعدات عسكرية» بما فيها طائرات «أباتشي».
وقال المتحدث باسم الجيش العميد شرف لقمان، إنَّه تمّ إطلاق صاروخين استهدفا «التحالف» في منطقة باب المندب جنوب غرب اليمن، ومنطقة جيزان جنوب السعودية.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية ـ «سبأ» عن لقمان قوله، إنَّ «القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية، أطلقت صاروخاً بالستياً من طراز توشكا على مركز عمليات التحالف العربي في باب المندب»، مشيراً إلى «إطلاق صاروخ آخر، بعد دقائق من الأول، من طراز (قاهر 1) على مطار جيزان».
وأضاف أنَّ المعلومات الأوّلية لقوّة الرصد «أكدت مصرع وجرح المئات من جنود وحلفاء التحالف في باب المندب بينهم أجانب»، لافتاً إلى أنَّ «حوالي 146 جثة نقلت إلى مدينة عدن جنوب اليمن».
من جهته، أوضح مصدر عسكري في وزارة الدفاع اليمنية، لـ «سبأ»، أنَّه إلى جانب مقتل السعودي والإماراتي، قتل «العميد صالح محمد الصبيحي أحد قيادات المرتزقة، وقائد كتيبة مرتزقة بلاك ووتر الكولومبي كارل، والأميركي المتورط في أعمال إجرامية في العراق جورج إدغر ماهوني من عناصر بلاك ووتر، كما قتل 23 سعودياً، وتسعة إماراتيين، و12 مغربياً منهم سبعة ضباط كبار، ومرتزقة أجانب من شركة بلاك ووتر».
وفي وقت أُعلن «التحالف» أنَّ وقف إطلاق النار سيدخل حيز التطبيق عند الساعة 12:00 ظهراً بتوقيت صنعاء، بطلب من هادي، محذّراً من أنَّه «يحتفظ بحق الرد في حال خرق» الهدنة، تشترط حركة «أنصار الله» وقف العدوان لبدء المفاوضات.
وكان وقف النار مقرراً منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، إلَّا أن كثافة العمليات، سواء كانت عبر القصف السعودي على مناطق مختلفة من البلاد، أو عمليات الجيش و»اللجان» في اليومين الماضيين، أدّيا إلى إعلان «التحالف» وقف النار تزامناً مع انطلاق المحادثات، في مسعى لتحقيق مزيد من المكاسب على الأرض.
وفي ظل تكثيف العمليّات على الحدود بين البلدين، أعلنت السعودية، أمس، بدء نشر قوات متخصّصة بـ «حرب العصابات» في المناطق الجبلية الحدودية مع اليمن.
وأصدر ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف، قراراً «بمباشرة قوات الأفواج الأمنيّة لمهامها في حرب العصابات في المناطق الجبلية الحدودية»، بحسب «واس» التي ذكَّرت كذلك بأمرٍ صادر قبل حوالي ست سنوات، لتشكيل «أربعة أفواج متخصصة في حرب العصابات في المناطق الجبلية الحدودية.. لمساندة القوات العسكرية في العمليات القتالية عندما يتطلب الموقف ذلك، والقيام بمهام أمنية تسهم في رفع مستوى السيطرة وضمان الأمن للمواطنين».
كذلك، أعلنت وزارة الحرس الوطني السعودي، أمس، «وصول طلائع إضافيّة من قواتها إلى نجران، للمشاركة في دعم القوات المشاركة في عملية إعادة الأمل».
يذكر أنَّ الحرس الوطني التابع للأمير متعب بن عبد الله، هو أحد القطاعات العسكرية في السعودية، وطبيعة عمله تقتصر على «مساندة القوات المسلحة في وزارة الدفاع أثناء الحرب مع عدو خارجي، ومساندة وزارة الداخلية عند اختلال الأمن الداخلي والسلم الأهلي ومكافحة الإرهاب والمنظمات الإرهابيّة».
وحقّق الجيش و «اللجان الشعبية» تقدماً ميدانياً في منطقة صرواح في مأرب، حيث سيطروا على سلسلة جبال معسكر كوفل. ويأتي هذه الإنجاز الميداني بعد إعلان المتحدث باسم الجيش «انطلاق المرحلة الأولى من الخيارات الإستراتيجية لردع العدوان». وتكمن الأهمية الإستراتيجيّة للمواقع المحرّرة في أنَّها تتوسّط منطقة مهمة تقع بين مديرية صرواح ومدينة مأرب، وتشرف على مناطق واسعة من مسرح الجبهات الميدانية للقتال.
(«السفير»)
هدنة اليمن: سباق بين الحرب والمفاوضات
0