هل نحرق لبنان بمحارق النفايات؟

لا تعليق
آخر الأخبارمحلية
2
0

نفايات

في وقت يستمر التحضير لتنفيذ الخيارات المجنونة بتصدير النفايات الى الخارج وضرب مواعيد جديدة لرد الشركة حول هوية الدولة التي ستنقل اليها النفايات بعد دفع الكفالة، يتمّ التسويق على أوسع نطاق لخيارات لا تقل جنوناً باعتماد محارق صغيرة، كيفما كان بعد الحديث عن صفقة لاستيراد بين 50 و60 محرقة يمكن أن تنتشر على الأراضي اللبنانية كافة وتتسبّب بكارثة دائمة بدل الكارثة المؤقتة التي تضرب لبنان من تموز الماضي. ويبدو أن مصير محرقة ضهور الشوير أصبح محورياً في هذه اللحظة التاريخية، ومؤشراً على أي درب من الجنون سنسلك في المرحلة المقبلة، مع العلم أن قرارات مجلس الوزراء ذات الصلة منذ العام 2010 لم تخلُ من التطرق إلى تبني بشكل او بآخر تقنية الحرق. فماذا في تجربة ضهور الشوير واين المخاطر، بحسب دراسة أولية للأخصائية سمر خليل؟ وكيف يمكن الاستفادة منها لتبيان خطورة وتعقيدات هذه الخيارات والعودة الى لغة العقل والعلم والى الاستراتيجيات والخطط المتكاملة للمعالجة؟
ترى سمر خليل الأخصائية في تقييم الأثر البيئي وأنظمة الإدارة البيئية أن عملية إدارة النفايات الصلبة لا تنجح إلا إذا اعتمدنا إدارة متكاملة للنفايات التي تعتمد برنامجاً شاملاً يتضمن التخفيف من إنتاج النفايات وإعادة استعمالها وتدويرها وتسبيخها ومعالجتها والتخلص من منها. وانطلاقاً من ذلك أعدّت دراسة أولية لتقييم خيار بلدية ضهور الشوير في استيراد محرقة.
ترى خليل «أن بلدية الشوير في أول الأزمة قامت بمبادرة ممتازة لنشر الوعي واعتماد برنامج لفرز النفايات من المصدر. ولكن للأسف هذه المبادرة توقفت هنا ولم تستكمل وتستثمر بالطريقة الصحيحة للاستفادة من تدوير المواد وغيرها من الخطوات اللاحقة».
وتؤكد خليل أنه من الأمور الأساسية لاختيار تقنيات معالجة النفايات وطرق التخلص منها هي معرفة كمية ونوعية النفايات المنتجة. وبرأيها لم يجر أحد دراسة لنوعية النفايات المنتجة في ضهور الشوير وعين السنديانة لاتخاذ القرار باعتماد الحرق كوسيلة لمعالجة النفايات والتخلص منها.
وبحسب دراستها «قبل الحرق يجب إجراء تقييم دقيق للنفايات التي سيتم إحراقها للتأكد ما إذا كانت المحرقة (بما في ذلك معالجة الغازات، ومعالجة المياه العادمة) قد صمّمت للتعامل مع هذه الأنواع من النفايات وما إذا كان يمكن حرقها من دون التأثير على صحة الإنسان أو البيئة. وهي تذكر بعض المعالم الهامة لاسيما الكلور، البروم، الألومنيوم، المعادن الثقيلة، السعرات الحرارية والقدرة على الحرق. مع تأكيدها «أن تركيزاً عالياً من البروم قد يؤدي إلى تكوين مركبات مثل البروم ثنائي بنزو ديوكسين متعدد (PBDD) وثنائي بنزو البروم PBDF». كما أن إهمال مواصفات المحرقة يؤدي إلى مشاكل تشغيلية (على سبيل المثال ضرورة توقيفها عن التشغيل بشكل متكرّر لتنظيف المبادلات الحرارية وغيرها) أو في الأداء البيئي السيئ (مثل ارتفاع نسبة الانبعاثات).

النوعية تحدّد التقنية
بحسب الدراسات الوطنية، تتألف النفايات المنزلية من حوالي 58% مواد عضوية وتتمتع بنسبة رطوبة عالية (قد تفوق 60%) مما يجعلها غير مناسبة للحرق. قد يكون من المفضل اعتماد التسبيخ في هذه الحالة. كما يجدر امتزاج النفايات المنزلية بالنفايات الخطرة في لبنان. وإذا كان الاتكال على الفرز من المصدر، فهذا النوع من الفرز وخاصة في المراحل الأولى من تطبيقه، يتضمن أخطاء كثيرة ولا تكون نتيجة الفرز سليمة 100%. فالنفايات العضوية ستتضمّن نفايات تحتوي على البلاستيك ونفايات خطرة مثل البطاريات وميازين حرارة ولمبات تحتوي على الزئبق ونفايات الكترونية وأدوية منتهية الصلاحية وغيرها. إن حرق هذا النوع من النفايات الخطرة ينتج عنه انبعاث مواد عضوية ثابتة مثل الديوكسين والفيوران ومعادن ثقيلة مثل الزئبق والكادميوم وغيرها…. فإذا أخذنا قاعدة لافوا زييه «لا شيء يضيع لا شيء يخلق كل شيء يتحوّل»، يجب أن نعرف أن ما نحرقه في النهاية سوف يتحول إلى انبعاثات أو مواد أخرى، قسم منها خطر على الصحة العامة والبيئة، خاصة إذا كانت ظروف الحرق غير مناسبة والمحرقة ليست مزوّدة بأنظمة لضبط التلوث.

الشروط غير المتوفرة
ترى خليل في دراستها «أن تقنية الحرق المعتمدة، بحسب الوصف الذي تضمنه الدليل التقني للمحرقة، قد تراعي المبادئ التوجيهية بشأن أفضل التقنيات المتاحة والتوجيه المؤقت بشأن أفضل الممارسات البيئية ذات الصلة بالمادة 5 والمرفق جيم من اتفاقية استوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة الموضوعة لمحارق النفايات، من حيث درجة الحرارة، ومستوى الأوكسيجين ومدة تعرض الغازات للاحتراق. ولكن هذه الشروط لا تكفي لتخفيف الآثار البيئية للمحرقة. هناك شروط أخرى يجب أن تتوفر للحد من انبعاث الملوثات الخطرة على الشكل التالي:
ـ التأكد من أن تصميم المحرقة مناسب لخصائص النفايات التي تتم معالجتها.
ـ الحفاظ على درجات الحرارة في مناطق احتراق الغازات في المدى الأمثل لاستكمال أكسدة النفايات (على سبيل المثال، 850-950 درجة مئوية في محارق النفايات الصلبة البلدية، 1100-1200 درجة مئوية عندما يكون محتوى الكلور في النفايات عالياً).
ـ توفير الوقت الكافي لاحتراق الغازات (على سبيل المثال لمدة لا تقل عن 2 ثانية في 6٪ من الأكسجين) والخلط المضطرب في غرفة الاحتراق لإكمال الحرق.
ـ التسخين المسبق للمحرقة في غرف الاحتراق الابتدائية والثانوية لتأمين درجة الحرارة المطلوبة قبل البدء بعملية الحرق.
ـ اعتماد الحرق المستمر بدل من حرق النفايات على دفعات كلما كان ذلك ممكناً للحد من عملية التوقف والتشغيل والحفاظ على درجة الحرارة المطلوبة.
ـ رصد مستمر لمعايير التحكم في عملية الاحتراق (درجة الحرارة، ومحتوى الأكسجين، CO، الغبار) وتشغيل وتنظيم الحرق من وحدة التحكم المركزية.
ـ توفير معدات التحكم لضبط تغذية النفايات، ودرجة الحرارة، وحجم وتوزيع الهواء الابتدائي والثانوي.
ـ تزويد المحرقة بنظام توقف اوتوماتيكي في حال انخفضت درجة الحرارة المعدّة للحرق. – تزويد المحرقة بأنظمة مناسبة للحد من انبعاث الغازات والرماد المتطاير.
ماذا عن الرماد؟
لذلك فان الانبعاثات التي تنتج عن حرق النفايات تعتمد إلى حد كبير على ظروف عملية الحرق وتصميم وظروف التشغيل لأنظمة معالجة الانبعاثات.
وبحسب الدراسات، فإن الديوكسين والفوران ينتج عن إحراق النفايات الصلبة حتى عند اعتماد أفضل التقنيات المتاحة، ولكن بنسب مختلفة. فكيف الحال بمحرقة بلا فلتر؟ وهذه مواد مسرطنة وتؤثر سلباً على الصحة العامة وهي لا تتحلّل في الطبيعة بل تنتقل عبر السلسلة الغذائية.
في حالات اعتماد الحرق، فإن الترسبات العالقة في الفلتر والرماد المتطاير لا بد من التخلص منها في مطامر صحية مخصصة مثل معظم البلدان (وأحياناً بعد المعالجة) في حين يستخدم الرماد في بعض البلدان في بناء الطرق ولكن بعد المعالجة. ينتج عن عملية الحرق حوالي 30% من الرماد… فمن استورد المحارق من دون كل تلك الدراسات لم يقل بعد أين سيطمر الرماد ولا كيف سيعالج؟

أهمية اختيار الموقع
من ناحية الموقع، هذا النوع من المشاريع يتطلّب الأخذ بعين الاعتبار الموقع والمحيط اللذين ستوضع فيه المحرقة وستخزن فيه النفايات. بداية وضعت هذه المحرقة قرب معمل للألبان والأجبان ومنازل سكنية والآن قرب مزرعة للدجاج والمدرسة الثانوية ومنازل سكنية!
لم تؤخذ بعين الاعتبار خصائص الموقع من الناحية الجيولوجية، الهيدرولوجية واتجاه الرياح وسرعتها، الخ… وهنا تسأل خليل: «إذا كنت لن تقبل بوضع المحرقة في حديقة منزلك أو أي منزل، كيف يمكنكم أن تقبلوا بوضع المحرقة قبل مدرسة أولادكم ومزرعة دجاج تأكلون من إنتاجها وقرب منازل أصدقائكم من دون أي دراسة؟».

أهمية الدراسة المسبقة للأثر
بحسب القوانين من المطلوب دراسة تقييم أثر بيئي لهذه المشاريع. لماذا دراسة تقييم الأثر البيئي؟ هذه الدراسة تحدد الآثار السلبية والإيجابية لأي مشروع على البيئة والصحة العامة قبل إقامته، وتدرس البدائل المتاحة والإجراءات التخفيفية التي يجب اعتمادها خلال الإنشاء والتشغيل وحتى إزالة المشروع وتحدّد متطلبات المراقبة والرصد للتخفيف من آثار المشروع السلبية وتؤمن التزام أصحاب المشروع بتطبيق المعايير البيئية وضمان صحة الناس وتتطلّب مشاركة العامة في هذه الدراسة. فهي بكل الأشكال لمصلحة أهل البلدة وضمان صحتهم وبيئتهم. وتسأل خليل «لماذا لم تجرِ البلدية دراسة تقييم أثر بيئي لهذه المحرقة؟ ومَن سيضمن تفادي آثارها السلبية في الحاضر والمستقبل؟ وفي حال سوء تشغيلها، كيف ستعرفون إذا لم يكن هناك برنامج للمراقبة؟».
كما توضح: «في أية عملية حرق تجب مراقبة الانبعاثات ونوعية الرماد الناتج عن المحرقة بشكل دوري. بالنسبة للانبعاثات الهوائية، يجب التقيد بالمواصفات والمعايير المتعلقة بملوّثات الهواء والنفايات السائلة المتولدة عن المؤسسات المصنّفة ومحطات معالجة المياه المبتذلة (قرار وزارة البيئة رقم 8/1/2001). علماً أنه ليس لدينا في لبنان المختبرات اللازمة، ومراكز البحوث، ومعدّات متطورة لكشف ورصد انبعاثات الغازات الشديدة السمّية خاصة الديوكسين والفيوران. ومن هنا يطرح السؤال كيف ستتم مراقبة نوعية الرماد السام ومطابقة الانبعاثات مع المعايير الوطنية؟ هل تم احتساب كلفة المراقبة الدورية وأخذ العينات وإرسالها إلى الخارج لفحصها ضمن كلفة تشغيل المحرقة؟ هل ستلتزم الجهة المشغلة بمراقبة نوعية الانبعاثات والرماد الناتج عن هذه المحرقة؟ خاصةً أنها لم تخضع لترخيص ولا لتقييم الأثر البيئي؟».
كما تشير خليل إلى «أن مراقبة الملوثات تعتمد على تقنيات وبروتوكولات محددة. وما تم تداوله في الإعلام حول أن انبعاثات المحرقة مطابقة للمواصفات هي معلومات مضللة. إن قياس الأكسيجين وأول أكسيد الكربون ليس بدليل على مطابقة المحرقة للمواصفات». وتسأل: «ما هي نوعية النفايات التي أُحرقت؟ ما هي الآلة التي استعملت للقياس؟ هل هي مناسبة لهذا النوع من التقنيات؟ فالأجهزة التي تستعمل لقياس عوادم السيارات ليست هي نفسها المعتمدة لمداخن المحارق؟ من أين أخذت العينة؟ لكم من الوقت تمّت عملية المراقبة؟ الخ… ماذا عن الانبعاثات السامة كالديوكسين والفيوران وهي الانبعاثات التي تهم في هذه الحالة؟

كيف تمّ احتساب الكلفة؟
من ناحية الكلفة، تبين المراجع أن كلفة المعالجة الحرارية هي الأعلى بالمقارنة مع التقنيات الأخرى مثل التسبيخ. إن كلفة محرقة ضهور الشوير، بحسب الشركة المستوردة هي 360,000 دولار أميركي كما هي بدون الفلتر، أما إذا أضيف الفلتر فتصل الكلفة إلى 800,000 دولار أميركي. إن الادعاء أن معالجة النفايات في محرقة ضهور الشوير سيكلف فقط حوالي 80 دولاراً أميركياً للطن فهو بسبب أن هذه الكلفة لا تتضمن معالجة الملوثات الهوائية والرماد الناتج عن عملية الحرق. إن اعتماد هذه المحرقة لمجرد أنها الأرخص دون الأخذ بعين الاعتبار كلفة التدهور البيئي وكلفة الفاتورة الصحية التي ستنتج عنها هو حل خاطئ. والادعاء أن التسبيخ غير مجدٍ لمعالجة كمية النفايات الناتجة عن ضهور الشوير (لأن الكمية قليلة)، يمكن حله بالتعاون مع البلدات المجاورة وإنشاء مركز مشترك لمعالجة النفايات واقتسام الكلفة بين البلديات المشاركة.
وترى خليل في النهاية أن على أهالي المنطقة أن يعرفوا أن هذا الحل هو حل مطروح على المدى الطويل (ليس حلاً مؤقتاً)، وبالتالي تجب دراسته جيداً والتمعن به وذلك من قبل أخصائيين. مؤكدة أن سوء إدارة هذا المشروع له آثار سلبية كبيرة على البيئة وعلى الصحة العامة ويمكن ان يتسبب بأمراض مثل السرطان أو نقص المناعة وعدم القدرة على الإنجاب. ناصحة أهل المنـــطقة قبل قبول أو رفض المحرقة أن يطـــالبوا بإجراء الدراسات العلمية اللازمة والحصول على التراخيص اللازمة قبل الشروع باستعمالها وذلك لمصلحتهم.

ما المقصود بدراسة الأثر البيئي؟
بحسب وزارة البيئة هناك فرق بين دراسة «تقييم الأثر البيئي» التي يجري إعدادها خلال مرحلة التحضير للمشروع (أي قبل تركيبه) بهدف تصميم المشروع بشكل يضمن التزامه بالمعايير البيئية خلال مراحل إنشاء المشروع وتشغيله وتفكيكه، وذلك تطبيقاً لمبدأ الوقاية (القانون 444/2002 والمرسوم 8633/2012)، ودراسة «التدقيق البيئي» التي يجري إعدادها بعد تركيب المشروع للتأكّد من التزام المشروع بالمعايير البيئية (القانون 444/2002 والمرسوم 8471/2012)

التسلسل التاريخي للملفّ
ـ في 31/10/2015 ورد إلى وزارة البيــــئة كتاب الاعـــتراض المقدّم من بعض أهالي ضهور الشوير ـ عين السنديانة.
ـ في 5/11/2015، كشف اختصاصيّان من فريق عمل وزارة البيئة على المحرقة.
ـ في 7/11/2015، تقدّم الاختصاصيّان بتقريرهما إلى وزير البيئة.
ـ في 13/11/2015، صدر الكتاب رقم 240/ب/ش عن وزير البيئة إلى وزير الداخلية والبلديات مفاده ضرورة وقف العمل فوراً بمشروع محرقة النفايات لعدم التزامه بالنصوص القانونية المرعيّة الإجراء وتحديداً مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي (8633/2012) ، وتمّ تبليغ نسخة عن هذا الكتاب إلى محافظ جبل لبنان بالوكالة وبلديّة الشوير ـ عين السنديانة.
ـ في 13/1/2016، وبناء على المعلومات والصور التي وصلت إلى وزارة البيئة والتي تثبت تشغيل المحرقة وبالتالي مخالفة أحكام المرسوم 8633/2012، توجّه وزير البيئة بكتب إلى كلّ من الوزيرين بو صعب وعبّود طالباً منهما وقف تشغيل المحرقة وإعداد دراسة تقييم الأثر البيئي وتقديمها إلى وزارة البيئة حسب الاصول. وكتاب الى وزير الداخلية والبلديات ومحافظ جبل لبنان بالوكالة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف العمل الفوري وختم المشروع بالشمع الأحمر لحين صدور القرار المناسب بشأنه.