بعد أن أصبح موضوعي السدود والنفايات، من بين القضايا الأكثر تداولاً وتأزما في جلسات مجلس الوزراء، لا نعرف ما إذا كان على المهتمين بشؤون البيئة ان يبتهجوا لأن المواضيع البيئية باتت هي الأساس في النقاشات السياسية كما يتوهم البعض؟
بكل الأحوال ومهما كانت التحليلات والمواقف والمشاعر، بات هذا الموضوع يستحق التحليل والتأمل.
من ناحية الشكل، ان وصول مواضيع بيئية الى البند رقم واحد على جداول الاعمال الحكومية، لا يعني زيادة الوعي والاهتمام بالمشاكل البيئية بقدر ما يعني زيادة تدهور الأوضاع البيئية، او على الاصح زيادة تداخل المشاكل البيئية مع المشاكل السياسية والاقتصادية والانمائية، لا سيما عند تقاطعها مع مصالح القوى السياسية في الاستثمارات بشتى اشكالها.
من ناحية أخرى فإن وصول المواضيع البيئية الى حالة التردي والتراجع والتأزم… يعتبر جزء من المسؤولية التاريخية لما يسمى «الطبقة السياسية». مسؤولية اهمال هذه الجوانب أولا، ومسؤولية تحاصص بعض المكتسبات الناجمة عن الاستثمار في قضايا وملفات تتسبب بكوارث بيئية، او عن التمادي في الاستثمار في المشكلات البيئية نفسها.
من كان يتابع قضايا البيئة المتشعبة منذ زمن بعيد، كان يتوقع بالتأكيد ان يزداد الأمر تدهورا وان تصل الأمور الى حالة اللاعودة بعد ان غرقنا طويلا في حالة اللامبالاة واللامعالجة، او عندما تم الامعان في الاستثمار من دون حساب، معتقدين ان الطبيعة معطى من الله ويمكن استباحتها!
قيل وكتب مرارا عن استحالة معالجة التلوث في نهر الليطاني وسد القرعون التي أعلن منذ فترة طويلة ان المياه المجمعة خلف السد لم تعد قابلة لمجرد اللمس ولا للمعالجة مهما فعلنا. وهذا ما قيل قبل وبعد انجاز ما يسمى «استراتيجية المياه» (وقبلها الخطة العشرية) التي تراهن بشكل رئيسي في التخطيط والتمويل على انشاء السدود السطحية، وان هذا الملف يحتاج الى مقاربة مختلفة تمنح الأفضلية والاولوية لتدابير وقف الهدر والترشيد بدل الاستثمار العشوائي ان بإنشاء السدود السطحية او باستنزاف المياه الجوفية بالسحب الارتوازي.
كذلك الامر بالنسبة الى قضية النفايات عندما تم توقع في أكثر من مقال في هذه الصفحة بالذات، بان الأمور قد تخرج عن السيطرة. وانه يفترض التحضير لاستراتيجية مختلفة، تعتمد مبادئ التخفيف والتجنب كأولوية ويتم استبدال خطط الطوارئ بخطط واستراتيجيات مستدامة… حتى انفجر الملف وذهبنا الى خطط طوارئ بالغة السوء، يمكن توقع بعد حين معها، اننا سنترحم على الفترة السابقة بكل معانيها وأشكالها، خصوصا عندما بات يتولى شؤونا بالغة التعقيد والدقة مقاولين عاديين.
لذلك، فان مجرد وضع مثل هذه القضايا على جدول اعمال مجلس الوزراء، لا يعتبر مؤشرا بيئيا متقدما، خصوصا ان المداولات والقرارات الصادرة حتى الان والمتوقع صدورها، تؤكد اننا لا نزال نمعن في نظام «المحاصصة فوق كل اعتبار» وفي «الإهمال بالرغم من كل دمار». مراهنين في كل فترة، ان هناك كوارث جديدة ستأتي، تغطي على الكارثة التي سبقت وتنسينا الويلات والاخطاء والإهمال والسرقات والفساد الفكري والمادي الذي تم اقترافه والمحاسبات «السياسية» التي لم تحصل… لننتقل من كارثة الى أخرى كما في ملحمة تراجيدية قديمة لا تزال تعيد نفسها من دون تعديلات تذكر. وهكذا يمكن اعتبار الوصول (وصول القضايا الى ان تصبح رقم واحد على جدول اعمال مجلس الوزراء) بداية تراجيديا جديدة، كما في ملحمة سيزيف. والفرق الوحيد بين الملاحم القديمة والجديدة، ان الذي يعاقب ويدفع الثمن، ليس الا الغالبية المنفعلة من السكان الحاليين لهذه البقعة من العالم والأجيال الآتية ايضا.
حبيب معلوف
تراجيديا حكومية جديدة
0