أرسلان: المؤتمر التأسيسي هو الحل ويضع حداً لاستباحة الدولة

img_6781

عقد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال أرسلان، مؤتمراً صحفياً مباشراً من دارته في خلدة، جاء فيه: “لقد واكبتم ما حدث في طاولة الحوار .. والمأزق الذي وصلت إليه.. وأوصلت معها البلاد على حافة مخاطر أقل ما يقال فيها.. أنها كارثية. وهذا ما كنّا نتوقعه ونحذر منه منذ أكثر من سبع سنوات حين نادينا بوجوب استباق الكارثة والدعوة إلى مؤتمر تأسيسي يعيد صياغة النظام المأزوم الذي يتدحرج إلى قعر الهاوية. وها أن النظام يسقط بين أيدينا جميعاً.. ويلفظ أنفاسه.
اليوم سقطت بالكامل محاولة لبننة التسوية على صعيد الملفات كافة.. التي شكلت جدولَ أعمال طاولة الحوار.
الوضع خطير جداً.. إنّ فكرة طاولة الحوار التي أطلقها رئيس مجلس النواب الأخ الأستاذ نبيه برّي.. كانت محاولة جريئة وصادقة للإنقاذ. هي محاولة مدروسة، جدية، كان لا بد منها من منطلق تحمل المسؤولية لإنقاذ الوضع العام والحؤول دون الإنهيار التام. ولم يكن هنالك أيّ خيار بديل.. خصوصاً أنّ التجارب كانت تحتّم القيام بهذه المحاولة وهذا أضعف الإيمان.
واليوم إن سقوط مشروع لبننة التسوية هو في الواقع سقوطٌ لفكرة سيادة الدولة من أساسها، بل هو تكريسٌ لهذا السقوط وقبولٌ به… كحتمية ناجمة عن طبيعة النظام العرفي القائم على مبدأ التخلّي عن الدستور وعدم التقيّد بأوّليته وعدم احترامه. لقد تكرّس نظام الدولة غير الدستورية فكان من الطبيعي أن تسقط الدولة الدستورية في متاهات فوضى الفراغات التي أحدثتها المزاجية وعدم المسؤولية ومغامرة تسيير الحياة العامّة بمعزل عن أيّ قاعدة قياس دستورية وقانونية. إن نظام فوضى الفراغات هذا الناجم عن نهج الإنتهاك المستدام للدستور شكّلت تجربة شديدة الغباء قائمة على الإستباحة في ظلّ نظامين.. نظامٌ دستوريٌ معطلٌ.. ونظامٌ عرفيٌّ فارغٌ من أيّ قيم قانونية وأي أصول إجتماعية ممّا يكرّس نمطاً غريباً عجيباً من السلطة أوجدَ لنفسه مبررات وتفسيرات باسم الواقعية السياسية والتوازن الطائفي والمذهبي. وهو في حقيقته فهمٌ كاذبٌ ومشوهٌ للواقعية السياسية.. إذ أرسى محاصصة هي في حقيقتها تجسيدٌ لأسوأ أنواع الإقطاع السياسي والمالي… لم تترك مرفقاً من المرافق العامّة إلا وفتكت به. وكان من الطبيعي تتويج هذه المحاصصة بجعل سيادة الدولة من حصّة القوى الخارجية. والمثال الأبرز على ذلك هو مأزق الفراغ في رئاسة الجمهورية.
وهذا ما يفسّر القول بأن الرئاسة الأولى رهنٌ بحصول توافق إقليمي.. أي بوصاية خارجية أو حتى بوصايات، ممّا يجعل الإنتظام العام رهنٌ بتوافق هذه الوصايات وبتطابق مصالحها. كلّ ذلك من نتاج استسلام القوى السياسية – الطائفية اللبنانية للوصايات الخارجية باسم التوازن الطائفي والمذهبي الداخلي فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من الإنحطاط والتردّي والتخلّف وانعدام الإستقرار وحشرنا أنفسنا في لعبة الموت المحتّم.
باختصار شديد لقد وصل الوضع اللبناني إلى مفترق طرق ثلاث، اثنتان منها انتحارٌ أكيد..
الطريق الأوّل.. هو وقف الحوار بين اللبنانيين، تحت أيّ حجّة أو ذريعة.. وهذا في حدّ ذاته انتحار، لأن وقف الحوار يشرّع الأبواب أمام المواجهات الطائفية والمذهبية باسم شعارات شعبويّة تقوم على التهييج والإثارة ولا توصل إلاّ إلى ما أوصلت إليه في سنوات الحرب من كوارث ومآسٍ.
الطريق الثاني.. وهو أيضاً إنتحاري ويتمثّل بالإستمرار في نظام المعتقلات المذهبية القائم على التكاذب وتسعير الفتن وإشاعة الفساد والإفساد والنهب العام للبلاد وخيراتها.. وإفقار الشعب.. وتهجير أجياله الشّابة.
أمّا الطريق الثالث.. وهو الوحيد الذي يضمن الإنقاذ.. وهو طريق الإحتكام للدستور بحذافيره، بحيث يسود القانون ويتوفّر الإستقرار بعد أن جرى تعليق هذا الدستور الناجم عن إتفاق الطائف. وهنا تجدر الملاحظة إلى أن اتفاق الطائف جرى إيقافه وتعطيله والإنقلاب عليه.. بدليل أنّه حتى الآن لم يجري تطبيقٌ لبنوده ولنصوصه.. التي تشكّل قاعدة تسيير الحياة العامّة والذي يحدّد شروط وأصول تعديله بالطرق الدستورية المنصوص عنها بشكل واضح سواء في مقدّمة الدستور أو في مواده..
إنّ المؤتمر التأسيسي الذي نتحدّث عنه يهدف أساساً إلى أمرين.. الأوّل يقضي بوضع حد للإستباحة الحاصلة للدولة والشّعب.. والأمر الثاني، للعودة وللإحتكام إلى الدستور الموجود والمكتوب كقاعدة قياس تسمح بالتقدّم والتطوّر في سبيل إقامة المواطنية الكاملة وتوحيد الإنتماء الوطني للبنان ولمّ شمل الشعب اللبناني والحفاظ على حقوق المواطنين وكراماتهم.. بدلاً من الإستمرار بنهج الإستغلال والعبودية المقنّعة باسم حقوق الطوائف والمذاهب.
في أيّ بلد من بلدان العالم، حين يصل النظام السياسي إلى مأزق فيتعطّل بالكامل، كما هو حاصل عندنا، يتم اللجوء إلى مؤتمر تأسيسي لصياغة نظام جديد يحول دون الإنفجار ونشوب حروب أهلية مدمّرة. ونحن في لبنان اختبرنا هذه الحروب، ووضعنا اليوم أخطر بكثير، وأشدّ صعوبة بكثير ممّا كان عليه الوضع في حروبنا السابقة، والإقليم الذي نحن جزءٌ منه يعيشُ مخاضاً رهيباً… أين منه صعوبات الأمس.. داخلياً وإقليمياً ودولياً. لكنّ الخفّة وقلّة الدراية جعلت البعض يثورُ لمجرّد لفظ عبارة مؤتمر تأسيسي، وكأنّ المطلوب هو الحفاظ على النظام العرفي الذي أرسيناه ففتك بنا.
وها نحن نستمر في الظنّ أنّ هذا النظام هو الذي يحفظ وجودنا كطوائف وكأقليات.. أي أننا نريد معالجة المرض الذي نعاني منه بتفجير أنفسنا والإنتحار.. كلّ ذلك كي لا نتقيّد بالدستور. وهنا أود توضيح الموضوع أكثر فأكثر. أنا لا أقول بأن الدستور المكتوب والذي لا يطبّق إلا استنسابياً ومزاجياً وانتقائياً.. هو دستورٌ مثالي. ولكن فلنطبّقه.. وإذا شئنا أن نعدله فنفعل ذلك وفق الأصول.. وليس وفق أعراف الإستباحة والتهييج الطائفي والمذهبي، لأنّ هذا السبيل هو انتحارٌ ليس إلاّ. وإذا كان لفظُ عبارة المؤتمر التأسيسي.. أمرٌ مرفوض، فلنغيّر اسمه. فها أنّ غبطة البطريرك طرح مشروع عقد إجتماعي جديد… ولا أرى فرقاً بين الطرحين.
إنّ أهمية طاولة الحوار تكمنُ أولاً في كونها السبيل الوحيد للخروج من المأزق وللعودة إلى الإنتظام العام، أي إلى المؤسسات الدستورية، والبديل عن الحوار هو الإنتحار.. ليس إلاّ. وهذا الكلام موجّه إلى كل القوى السياسية اللبنانية.. بدون استثناء. فالقواعد العرفية التي أرسيناها منذ مطلع التسعينات هي التي أوصلتنا إلى المأزق الذي نحنُ فيه، لأنها تحولت إلى نظام حياة عامّة.. أسميتها فوضى فراغات، وهي أشبه بالخلايا السرطانية التي تتفشّى.. لذلك يجب وضع حدّ لها ولا يكون ذلك إلاّ بمؤتمر وطني يبحث في صلب المشكلة.. فيوقف العمل بنظام فوضى الفراغات وأعرافه المافياوية القائمة على المظالم الإقتصادية والنهب المنظّم والذي جعل من الخيانة العظمى للوطن مجرّد وجهة نظر.
أقول للإخوة السياسيين وإلى القوى السياسية كافة.. أنّ هذا الخيار يشكل ضرورة وجودية….إن شئتم أعطوه الإسم الذي تشاؤون ولكن لا مفرّ منه. فالمقاطعة ونسف الحوار يمكن أن يقدم عليها أي فريق سياسي.. ونتائجها دائماً مدمّرة للجميع. الكل يدفع ثمنها غالياً… وأوّل الكلّ… من يبادر إليها.. فهل أصبح الإنتحار والموت والمآسي والدمار… هي طرق الحل وسبل الخلاص من المأزق ؟ المسألة ليست تحزّباً لفريق بعينه أو رفضاً لفريق آخر، فكلّنا معنيون مباشرة كلبنانيين وليس كرعايا طوائف ومذاهب، بمصير الوطن، لأنّ وجود الطوائف والمذاهب أو زوالها رهنٌ بوجود لبنان أو زواله.. وليس العكس. والمشكلة الوجودية هي مشكلة وجود لبنان أو زواله، إذ لا قيمة لأحد من دون لبنان.. لا لأفراد ولا لطوائف أو مذاهب.. وهذه هي قاعدة الوطنية والمواطنية والإصلاح.
مرّة جديدة أقول إنّ عمق المشكلة التي نحن فيها اليوم تحتّم اللجوء إلى مؤتمر تأسيسي، أو ما يشبه المؤتمر التأسيسي، مهما أعطيناه من تسمية، وأيّ بحث آخر، يبقى بمثابة دوران عقيم تهرّباً من مواجهة الحقيقة. والحقيقة تكمن في الشعب اللبناني بكامله وبالوطن اللبناني الموحّد.. أرضاً وشعباً ومؤسسات، وهذه هي ألف باء الوطنية اللبنانية..
وربّي إشهد أنّني بلّغت.
ورداً على سؤال حول إيلاء أهمية لطاولة الحوار التي لم تعد تعني شيئاً للبنانيين في ظل تراكم الأحداث، أجاب أرسلان:” إذا كان كذلك إذاً هذه قناعة جداً صحيحة أن لا بديل عن المؤتمر التأسيسي لأن هذه الطاولة تمثل الجميع واذا فعلاً وصلت لحائط مسدود ولم تتحول الى البحث في عمق القضايا الوطنية والقضايا الدستورية ونفض الغبار عن الدستور والقوانين وتبقى الإستباحة قائمة ونبقى في ظل النظام العرفي أو الطائفي إذاً لا بد أننا سنسقط حتماً بالمحظور الا وهي “الوصاية” . فقد صرحت بعد انعقاد طاولة الحوار الأخير بهذه العبارات مختصراً الإجتماع بأننا “لقد سقطنا في لبننة الإستحقاقات”.
وأضاف:” لقد سقطنا ليس لأننا لم نتفق بل لأنه لا يوجد صورة واضحة وخطة لقيام الدولة ، كل طرف يرى الدولة والنظام والدستور من خلفيته الخاصة وليس العامة منها وهنا لا بد من سقوط الدستور والقوانين وهو دليل فاضح اننا عشنا منذ نظام الطائف حتى يومنا هذا في ظل نظام طائفي بامتياز تحت عنوان النظام الدستوري بالتسمية فقط. هذا النظام العُرفي كان عليه وصاية تقوم بتطبيقه وهذه الوصاية لم تعد موجودة منذ 2005 وكان الرئيس الشهيد الحريري يدير جزء كبير من الطائف ولم تعد موجودة هذه الإدارة منذ عام 2005 ايضاً. وبالتالي هذا النظام العُرفي الذي كان يتم ترقيعه من هنا وهناك سقط بين ايدينا ولم يتقدم خطوة واحدة باتجاه الدولة العصرية انما على العكس فقد زاد الفساد والهدر المال العام وتكرست المعتقلات الطائفية وساهم في الإنقسام بين الأطراف اللبنانية إذا ما هو هذا النظام كي نتمسك فيه ؟
وقال:” عندما يطرح فريق سياسي لبناني انه يعيش ازمة وجود وهو كلام ليس خطير انما كارثي بغض النظر إذا كنا تؤيده أو لا ولكنه ما دام هذا الفريق او ذاك وصل لهذه القناعة نتيجة النظام العُرفي والطائفي. وهنا أؤكد أننا جميعنا لدينا علامات استفهام عن كيفية الاستمرار. وقبل التحدث عن مخاوف سوانا فلنسأل أنفسنا على المستوى الدرزي هل هذا النظام يرضينا ؟ والإجابة طبعاً لا في ظل عدم وجود مواد دستورية واضحة نلجأ اليها كما ان هناك استنساب بالنظام”.
وتابع: “لقد طالبنا منذ 2009 حتى هذه اللحظة بالمؤتمر التأسيسي والتقينا مع السيد حسن نصرالله في هذا الطرح كذلك مع غبطة البطريرك الراعي الذي أسماه عقداً إجتماعياً جديداً إلا أن هذا الطرح واجه أصواتاً منددة وكأننا نتحدث عن المحرمات وهذه المحرمات هي التي اسقطت الدولة. فقد طلب الرئيس بري منا آنذاك تأجيل النقاش في طرح المؤتمر التأسيسي بهدف التركيز على تطبيق الدستور ولكن حتى تطبيق مواد الدستور بات يحتاج لانعقاد المؤتمر التأسيسي لأن نحن لا نعيش في ظل دولة قانون ولا دستور. وأمام هذا الواقع لا بديل عن تطبيق الدستور بكل مواده ونذهب لتطوير الدولة الديمقراطية التوافقية والذي حكماً تقوم على قانون انتخابي على أساس النسبية لأن لا يمكن اعتبار اننا نعيش في ظل دولة ديمقراطية توافقية في ظل نظام يحسم الكسب على اساس 51% وال %49 يخسر كل شيء.. إذاً هذه مخالفة لروحية النصوص الدستورية والقانون النسبي هو وحده الذي يمثل جميع الشرائح بالتساوي ويطيح بتجار الطوائف والمذاهب”.
وعن سؤال حول تعدد الوصايات بدل الوصاية الواحدة قال أرسلان:” أنا أرى ان لدينا فرصة كلبنانيين أن العالم ملهو عنا في الوقت الحالي وهذه فرصة كي نستغل اللهو الاقليمي والدولي لنعزز دولتنا ونطورها ولكن مع الأسف لا حياة لمن تنادي”.
وحول ردة فعل الرئيس بري بعد دعوته لعقد الجلسة التي تحمل رقم 44 ولم يكتمل النصاب وكأنه يقول طفح الكيل قال:” فليكن الله بعون الرئيس بري ونسأله الصبر كما عودنا كلبنانيين وانا لا أحسده على هذا الموقف وأتفهم اشمئزازه من ما يجري علماً أن الرئيس بري يملك المقدرة الكبيرة على الإستيعاب ولكن طالما وصل لهذه الحالة فهذا دليل قاطع أن ايجاد مخرج لأزمة النظام باتت حاجة ملّحة رأفة بلبنان واللبنانيين”.