إيلاف من بيروت: لا فرق بالنسبة إلى وزير شؤون المهجرين الأمير طلال أرسلان بين مهجر من الجبل أو طرابلس أو عكار أو الضاحية الجنوبية، فالكل سواسية أمام الحق بالتعويض. وإذ يرى أن هناك من يحاول اضعاف الرئيس ميشال عون، يؤكد أن مجرد اعتماد النسبية في القانون الانتخابي الجديد سيشكل خرقًا في التاريخ الأسود للانظمة الانتخابية التي اعتمدت سابقًا في لبنان.
وفي حوار خصّ به “إيلاف”، يعتقد أرسلان أنه لا يمكن للبنان أن ينأى بنفسه عن الصراعات في المنطقة، والأفضل له أن ينأى بنفسه عن الطائفية والمذهبية والتآمر على العروبة وتحوله كخادم للاجندات الخارجية.. والنازحون السوريون عليهم، برأيه، أن يختاروا مناطق آمنة والذهاب اليها، رافضًا صوغ مقررات في مجلس الامن الدولي حول النزوح السوري، حتى لا يتحول هذا النزوح إلى لجوء موثق يمهد للتوطين.
في ما يأتي نص الحوار:
كيف تنظر إلى مهام الوزارة التي تسلمتها، في ظل اقفال ملف المهجرين تقريبًا مع تسوية أو حل آخر قضية كانت عالقة، أي قضية بريح الشوفية؟
كما يعرف الجميع، وزارة المهجرين تُعنى بجميع شؤون المهجرين في المناطق اللبنانية كافة وبتأمين عودتهم إلى مناطقهم وقراهم وتحصين أوضاعهم من النواحي الاجتماعية والاقتصادية كافة، وتمكينهم من الاستقرار في أماكن اقامتهم والمساهمة الكاملة في حقوق المواطنية وواجباتها. والكل يعرف أيضًا بأن الوزارة أوجدت بعد الحرب الأهلية اللبنانية لمواجهة تحديات وطنية تهدف لإيجاد صيغ وآليات معينة لعودة المهجرين إلى قراهم وبلداتهم بكرامة ومعنويات عالية، وإزالة حاجز الخوف من الآخر. لذلك التحدي الأبرز يبقى إيجاد الاعتمادات المالية اللازمة لاستكمال عودة المهجرين إلى بلداتهم، إضافة إلى تحصين عودتهم من خلال تأمين البنى التحتية اللازمة لاستقرارهم الإسكاني. بالنسبة إليَّ، لا فرق بين الجبل وطرابلس وعكار والضاحية الجنوبية، التي رزحت تحت شبح التهجير بعد الحرب الاسرائيلية على لبنان في العام 2006، الكل سواسية أمام الحق بالتعويض… والمسؤولية مشتركة بين كل مكونات الحكم لتأمين الاعتمادات الضرورية لإنصاف أهلنا وتحصين عودتهم إلى كامل رقعة الأراضي اللبنانية. أما بخصوص القضايا العالقة فما زالت هنالك قضايا يجب حلها… كفرسلوان على سبيل المثال… كما أن ملفات أخرى ما زالت قيد التحصيل من أصحابها في الصندوق المركزي للمهجرين ويجب الحسم باتجاه صرف أموالها.. طبعًا إذا توافرت.
النسبية هي الحل..
الهم السائد حاليًا على مستوى الوسط اللبناني هو صوغ قانون انتخابي جديد، هل تعتقد أنكم ستنجحون كحكومة في وضع هذا القانون في ظل التباعد الحاصل في الآراء بين القوى والافرقاء؟
وكيف تنظر إلى هواجس رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط من أي قانون جديد؟
نصف الهم أصبح خلفنا. الجميع مقتنع أن قانون الستين نقطة سوداء في تاريخ لبنان ولم ينتج إلا الحروب والويلات والحقن المذهبي والطائفي. والكل متفق أيضًا على ضرورة إيجاد صيغة جديدة تؤمن الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية وصحة التمثيل من خلال قانون انتخابي مبني على قاعدة النسبية… هذا على الأقل من وجهة نظرنا بغض النظر عن شكل النسبية أو حجم الدائرة الانتخابية.. لأننا نعتقد بأن مجرد اعتماد النسبية يشكل خرقًا في التاريخ الأسود للأنظمة الانتخابية التي اعتمدت سابقًا. الحكومة مسؤولة اليوم شكلًا عن تقديم مشروع قانون انتخابي جديد. غير أن الكل يعرف أن الحكومة لن تتقدم بأي مشروع قانون في ما لم يتم الاتفاق بين الأفرقاء السياسيين المتباينين حول شكل القانون. الحل يجب أن يوجد خارج الحكومة وعلى الحكومة أن تهتم بالإجراءات الشكلية لرفع القانون بحسب الأصول إلى مجلس النواب. هنا طبعًا تقع المسؤولية على الأفرقاء السياسيين لحياكة قانون يلبي المصلحة الوطنية العليا بعيدًا عن حسابات المقاعد الضيقة، وإلا فإننا ربما نعود إلى نقطة الصفر بموضوع الثقة في ما بيننا، وبيننا وبين اللبنانيين الذين ينتظرون الإصلاحات من دون جدوى. لكلٍ هواجسه… لدينا هواجسنا أيضًا… والتفهم يكون من كل الأطراف والتنازلات يجب أن تقدم للشعب اللبناني وليس لبعضنا البعض.. الشعب اللبناني هو من سيتوجه في نهاية المطاف إلى صناديق الاقتراع ليدلي بصوته.. وانا شخصيًا أحترم إرادة هؤلاء الناس واتفهم اصرارهم على النسبية في الانتخابات.. في النهاية مستقبل أولادهم يتعلق بمفهوم العدالة الاجتماعية التي إن وجدت يبقى لبنان وان ذهبت يذهب معها لبنان.
العملية الانتحارية التي احبطتها القوى الامنية في شارع الحمرا أعادت بيروت إلى دائرة المخاطر الامنية الكبرى. هل ترى أنها مؤشر إلى عودة خطر التفجيرات إلى الداخل اللبناني؟
خطر التفجيرات كان موجود دائمًا، وتلافي هذا الخطر يكون بالوحدة الوطنية والاعتراف بأن الإرهاب كاد يطال لبنان لولا بعض الإجراءات الوقائية ومنها مواجهته في سوريا إستباقيًا. الأمر الآخر هو العمل على رفع المستوى التقني للجيش اللبناني وللقوى الأمنية بكل فروعها لمواجهة احتمالات أية تفجيرات، وعملية احباط التفجير الأخير دلالة على قدرة هذه الأجهزة في ما لو تمكنا من توفير الدعم اللازم لها.
بداية خير
كيف تنظر إلى أداء العهد الجديد متمثلاً بالرئيس ميشال عون، وكيف تقيّم نتائج زياراته إلى الخارج، هل سيستطيع الرئيس عون برأيك أن ينأى بلبنان عن صراع المحاور الدائر في المنطقة؟
البداية تبشر بالخير. الرئيس بحاجة إلى دعم الجميع والكل مسؤول بمواكبة أفكاره الإصلاحية. ليس منطقيًا أن نسعى في الامس القريب إلى المطالبة برئيس قوى واليوم هنالك من يحاول اضعافه. قانون الانتخاب موضوع مصيري لنجاح العهد وعلينا أن نتفهم هذا الموضوع. من جهة أخرى، فإن زيارات الرئيس إلى الخليج العربي، وحاليًا إلى مصر والأردن، ممتازة، وعسى أن تشمل كل الدول العربية من دون استثناء. أما في موضوع النأي بالنفس فهو موضوع مطاط قابل للمد والجزر. فكيف يمكن النأي بالنفس عن موضوع تفتيت سوريا أو الصراع العربي-الإسرائيلي أو قضية تهويد القدس. هي ثوابت ممانعة لا يمكن الانعتاق عنها وكأنّ شيئًا لم يكن. الأفضل إذا أردنا خيرًا لمنطقتنا وبلدنا أن ننأى بأنفسنا عن الطائفية والمذهبية والفساد والتآمر على عروبتنا وتحويل أنفسنا إلى خدم للأجندات الخارجية.
قضية النازحين السوريين في لبنان هي من القضايا التي تثقل كاهل المجتمع اللبناني، من موقعكم كيف تقاربون هذه القضية، هل نحن امام توطين جديد كما يسرب في الدوائر الغربية؟
أزمة النازحين السوريين هي من التحديات الجدية المنبثقة عن الأزمة السورية، واجب أن نستوعب ما يمكن استيعابه من الأخوة السوريين الذين عانوا ما عانوه من آلة الحرب الإرهابية، لكن للبنان امكانيات أدنى من كلفة هذا الملف ديموغرافيًا واقتصاديًا. مساهمة الجميع هي أكثر من ضرورية، وذلك لدعم لبنان الذي أصبح عدد النازحين يوازي ما يفوق ثلث سكانه، ما يشكل خطرًا على التوازن الاقتصادي الاجتماعي. كما أن النزوح السوري اختياري مقارنة باللجوء الفلسطيني القسري، وكان من الممكن أن يختار النازحون مناطق سورية آمنة ويذهبون إليها، وهذا ما فعل بعضهم. وأنا قد سبق وصرحت بأنني أرفض صوغ أية مقررات لمجلس الأمن متعلقة بالنزوح السوري حتى لا يصبح هذا النزوح شرعيًا ويتحول من خلال القرارات الدولية إلى لجوء موثق، أي ما يمهد للتوطين، خصوصًا وأن الدستور اللبناني قد نص على رفض التوطين… وهذا لن يحدث.
فشل الخارطة الجديدة
على صعيد الازمة السورية، كيف كان تقييمك لمحادثات أستانة 2؟ هل تؤشر إلى أن ثمة املاً بالحل السياسي في سوريا؟ والافكار التي يتم تداولها عن اعادة رسم خريطة المنطقة، ولا سيما سوريا، هل تراها واقعية قابلة للتنفيذ؟
من أهم اهداف اجتماع “أستانة-2″، الذي ضم مسؤولين من العسكريين المتنازعين، حل مشاكل محددة كوقف إطلاق النار، والهدنة على جبهات القتال. هذا الامر أصبح ممكنًا، مع موافقة الجميع على تشكيل هيئات لمراقبة احترام الهدنة – وتنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار.
اللافت أن مشاركة الأردن في المفاوضات قد تلعب دورًا حاسمًا في تسوية النزاع. بهذا تصبح تركيا من الشمال، الأردن من الجنوب وإيران من خلال “حزب الله” من الغرب، واستعداد الدول المجاورة للمساعدة يساهم في تحقيق النتيجة المرجوة. الصحافة الغربية تحاول تشويه “أستانة 2” وتتناقل معلومات حول تناقضات غير موجودة بين الاطراف المتحاورة، والتي يمكن أن تعيق العمل الإنتاجي. ومثال على ذلك مشكلة تدهور العلاقات بين روسيا وإيران، والخلافات المزعومة، وتضخيمها. في السياق نفسه، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالًا، اوردت فيه بعض التسريبات المزعومة من الادارة الأميركية عن مخطط لترامب ينص على تعزيز عزلة إيران وحرمانها من الدعم الروسي. المفاوضات في أستانة واجواء الاجتماعات تدحض كل هذه المعلومات. كما أن كل هذه المقولات قد دحضها الكاتب الروسي الموثوق فيتشسلاف ماتوزوف في صحيفة ازفستيا الروسية.
هناك اتفاق واضح بين تركيا وإيران وروسيا، تم التوصل اليه على اثر اجتماع وزراء الخارجية والدفاع في موسكو مفاده أن أية وسيلة أخرى باستثناء ما هو سياسي لتسوية النزاع في سوريا لا يمكن أن تكون. لذلك، القول إن “أستانة-1” كان فاشلًا، غير صحيح، إذ أن مجرد حضور الجماعات المسلحة المفاوضات للمرة الاولى يعتبر انتصارًا كبيراً للدول الضامنة. وتبقى بعض المسائل التقنية التي يمكن حلها مع مرور الوقت، بالإضافة إلى الرعاية الكاملة من قبل الدول الداعمة: روسيا وإيران وتركيا والأردن. وربما في وقت لاحق تنضم اميركا.
خارطة المنطقة كانت على وشك أن ترسم، لكن صمود سوريا المؤسسات والجيش والموقف الروسي الصارم والصحوة التركية وعدم رغبة اميركا في الانغماس أكثر في الوحول الشرق أوسطية أعادت الخريطة إلى سابق عهدها.
حاورته: نهلا صفا