كتبت صحيفة الديار…
وفي اليوم الثالث على ولادة مشروع جبران باسيل الانتخابي الجديد، بدا ان المولود البرتقالي يحتاج الى وصله بانابيب «التنفس الاصطناعي» حتى يتمكن من الصمود في مواجهة السيل الواسع من الانتقادات التي تعرض لها.
هكذا، وبدل ان يكون اقتراح باسيل حلا توافقيا كما افترض صاحبه، سرعان ما تحول بحد ذاته الى مادة خلافية، الامر الذي افقده الزخم المطلوب واضعف قدرته الاستقطابية.
والمفارقة، ان الاعتراض الاشرس عليه اتى من صفوف حلفاء «التيار الوطني الحر»، ما يوحي بضعف في التنسيق بين الجانبين، فيما تفردت «القوات اللبنانية» بإشهار دعمها له. اما «تيار المستقبل»، فلم يقل «نعم» او «لا» بعد، في انتظار استكمال المشاورات التي يجريها في اكثر من اتجاه، فيما علمت «الديار» ان اجتماعا عقد امس بين ممثلين عن التيارين الازرق والبرتقالي، سعيا الى تقريب المسافات.
وإزاء تعثر «أرنب» باسيل في «البراري» اللبنانية، يعرب مصدر سياسي واسع الاطلاع عن اعتقاده بان البديل الانسب يتمثل في ان تضع الحكومة يدها على هذا الملف فور انتهائها من انجاز الموازنة، مشيرا الى ان المطلوب ان يعقد مجلس الوزراء خلوة لا تُرفع الا بعد التوافق على صيغة مقبولة من الجميع.
ويلفت المصدر الانتباه الى ان إقرار مشروع قانون للانتخاب في مجلس الوزراء يحتاج الى اكثرية الثلثين، ما يسمح بتحصينه وتأمين مروحة واسعة من التوافق الوطني حوله، في حين ان اكثرية النصف + واحد تكفي في مجلس النواب لاصدار القانون اذا عرضت المشاريع المطروحة على التصويت في الهيئة العامة، الامر الذي يهدد باقصاء مكونات اساسية، علما انه وفق العدد الحالي للنواب فان النصاب القانوني هو 63 نائبا، اي ان 32 نائبا + واحد، يستطيعون اقرار قانون انتخابي، ما مؤداه ان «كتلة المستقبل» وحدها تستطيع، على سبيل المثال، ان تحسم وجهة القانون.
والى حين اتضاح الصورة، اجرت «الديار» مسحا لمواقف معظم الاطراف من صيغة باسيل الاخيرة، فأتت الحصيلة على النحو الآتي:
ارسلان
أبلغ رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الوزير طلال ارسلان «الديار» انه من غير الوارد لديه بتاتا القبول باقتراح باسيل، معتبرا ان هذا الاقتراح لا يركب على قوس قزح، ومشيرا الى ان كل قوانين «المختلط»، بمعزل عن كيفية تفصيلها، تؤدي الى تشويه النسبية وتفريغها من مضمونها الحقيقي.
ويلاحظ ارسلان ان الشق النسبي في قانون باسيل مفخخ بالصوت التفضيلي في القضاء الامر الذي يؤدي الى الانتقاص من العدالة في النتائج، اما الشق المستند الى النظام الاكثري فيعزز الشرخ بين اللبنانيين على حساب العيش المشترك، مستنتجا ان ما هو مطروح اسوأ من «الارثوذكسي».
ويتساءل ارسلان: لماذا كل هذا التذاكي؟ فلينادوا علنا بخيار «الارثوذكسي» كما هو، ومن دون مواربة، بدل استحضاره عبر اعتماد خلطات هجينة وسلوك طرق التفافية لا توصلنا سوى الى المزيد من الفرز الطائفي والمذهبي..
ويتابع: بصراحة، إذا خيّروني بين المشاريع الهجينة التي تُطرح وبين قانون الستين، فانني اختار «الستين» برغم نقمتي الشديدة عليه.. نعم، انهم يدفعوننا الى الترحم على هذا القانون برغم كل عيوبه وسيئاته.
ويشدد ارسلان على ان الحل الجذري الوحيد يكمن في اعتماد النسبية الكاملة مع الانفتاح التام على مناقشة حجم الدوائر، منبها الى محاذير التفريط بالفرصة الحالية لتحقيق نقلة اصلاحية نوعية، تساهم في تطوير النظام السياسي، أما إذا جرى اعتماد القانون المختلط فأخشى من ان نبقى تحت رحمته لسنوات طويلة.
الجميل
وقال رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل لـ«الديار» ان الصيغة المقترحة من باسيل هي خلطة غريبة وغير متناسقة، مشيرا الى انها تلحظ في جانب منها تطبيق النظام الاكثري على مجموعة كبرى من المقاعد، في حين ان هذا النظام لا يصح اعتماده الا على قاعدة الدائرة الفردية او one man one vote ويضيف: بهذا المعنى، فان المطروح علينا يعيد استنساخ العطب الاساسي في قانون الستين، لجهة معاقبة شريحة واسعة من الناخبين واقصائها.
ويلفت الجميل الانتباه الى ان من بين سيئات قانون باسيل ايضا انه يلحظ في جانب منه التصويت الطائفي المحض الذي يقود تلقائيا الى انعدام المساواة في الدوائر المتنوعة التي يسري عليها هذا النوع من التصويت، معتبرا ان باسيل أخذ من «الارثوذكسي» ما هو سيئ.
ويشير الجميل الى ان من بين الامور الغامضة ايضا ما يتعلق بالتقسيم الانتخابي في منطقة البقاع، إذ ليس معروفا لدينا بعد كيف سيتم ترسيم حدود دوائره، وهل ستكون زحلة دائرة بحد ذاتها، ووفق اي معيار ستتوزع مقاعدها بين النسبي والاكثري.
ويوضح الجميل ان القانون المختلط ليس مطبقا سوى في بضع دول في العالم، ووفق طريقة علمية كما هي الحال في المانيا على سبيل المثال، اما في لبنان حيث ليس لدينا نظام احزاب، فان «المختلط» لا يعدو كونه خلطة هجينة تكرس الاستنسابية.
وفي موقف متقدم، يعتبر الجميل ان مشروع النسبية الكاملة في 15 دائرة هو الحل الافضل الذي من شأنه ان يحقق صحة التمثيل في داخل الطائفة وبين الطوائف، لافتا الانتباه الى انه سبق ان حظي هذا المشروع باجماع مسيحي في بكركي. ويتابع: نحن في المبدأ مع خيار الدائرة الفردية الذي نعتقد انه الانسب، اما وان التفاهم الوطني عليه غير متوافر حاليا، فاننا لا نمانع في اعتماد مبدأ النسبية على اساس 15 دائرة، باعتباره الطرح الاكثر توازنا، ويمكن مع بعض الجهد، ان يشكل مساحة للتوافق.
قانصو
وأكد رئيس «الحزب السوري القومي الاجتماعي» الوزير علي قانصو لـ«الديار» ان مشروع باسيل يتضمن جانبا طائفيا مرفوضا من قبلنا، ولا يناسبنا على الاطلاق، لافتا الانتباه الى ان اقتراح رئيس «التيار الحر» بان تنتخب كل طائفة نوابها في الدوائر التي تخضع للنظام الاكثري هو استدعاء لـ«الارثوذكسي»، الامر الذي يتعارض كليا مع مبادئ حزبنا.
ويعتبر قانصو ان ما ورد في المشروع لجهة انتخاب نصف النواب على اساس النسبية في المحافظات الخمس هو جيد، لكن المطلوب تعميم مبدأ النسبية ليجري انتخاب جميع النواب بموجبه، وليس جزءا منهم فقط، على ان يخضع حجم الدوائر للنقاش.
وينبه الى ان المهل الزمنية والدستورية تحترق الواحدة تلو الاخرى، والخطورة الاكبر في ان نصل الى موعد نهاية ولاية المجلس النيابي في شهر حزيران المقبل، من دون ان يكون لدينا قانون جديد، مشددا على ان المطلوب في هذه الحال ايجاد صيغة تسمح باستمرارية المجلس لان الفراغ في السلطة التشريعية ممنوع، ويجب ان نتجنبه.
فنيانوس
وقال ممثل «تيار المردة» في الحكومة الوزير يوسف فنيانوس لـ«الديار» ان صيغة باسيل وُلدت ميتة منذ اللحظة الاولى، لافتا الانتباه الى ان من بين اهدافها الالغاء السياسي للنائب سليمان فرنجية، وبالتالي فهي ليست قابلة للبحث من جهتنا.
«التنمية والتحرير»
وقال مصدر في كتلة «التنمية والتحرير» لـ«الديار» ان المشروع الاخير لباسيل عبارة عن «ميني ارثوذكسي» برغم محاولات تلطيفه، مضيفا: لم يعد ينقص سوى ان يُطلب من النساء انتخاب النساء، ومن الرجال انتخاب الرجال..
ويشير المصدر الى ان الصيغة المقترحة تفتقر الى وحدة المعيار والقياس، إذ هناك نائب ستنتخبه طائفته حصرا، بينما سيُنتخب نائب آخر من طوائف عدة، معربا عن اعتقاده بان هذا الطرح لا يمكن ان يمر بتركيبته المعلنة.
ويعتبر المصدر ان الافضل هو ان تستعيد الحكومة زمام المبادرة الانتخابية، بعدما تنتهي من اقرار الموازنة، بحيث تنكب على درس المشاريع المطروحة في جلسات متلاحقة، الى ان تتوافق مكوناتها على صيغة تسووية، تتم احالتها الى مجلس النواب.
«المستقبل»
وأكد عضو كتلة المستقبل النيابية النائب محمد الحجار لـ«الديار» ان التواصل مستمر مع باسيل والقوى الاخرى، من اجل الوصول الى توافق حول قانون الانتخاب، مشيرا الى ان اقتراح وزير الخارجية الاخير ليس الوحيد المطروح على بساط البحث، وانما هناك طروحات اخرى قيد النقاش ايضا.
ويوضح ان «المستقبل» لم يتخذ بعد موقفا نهائيا من مشروع باسيل سواء ايجابا ام سلبا، وكل ما يمكن قوله هو ان هناك نقاطا ايجابية فيه واخرى تحتاج الى مراجعة.
ويضيف: انني واثق في اننا سنصل الى اتفاق، وانا مسؤول عما اقوله، وآمل في ان يجري انجاز التفاهم قريبا، ونحن نتحرك في هذا الاتجاه.
«التيار الحر»
وابلغ عضو تكتل التغيير والاصلاح النائب آلان عون «الديار» ان مهلة الاربعاء المفترضة (أمس) لتقديم الردود على اقتراح باسيل لم يفرضها «التيار الحر»، بل هي تحددت بناء على ساعة الاطراف الاخرى التي كانت قد طلبت هذه المهلة لانجاز اجوبتها.
ويلفت عون الانتباه الى ان «القوات اللبنانية» كانت متجاوبة مع مشروع باسيل، وتيار المستقبل يميل الى الايجابية، اما الثنائي الشيعي فنحن ننتظر رده، حتى يبنى على الشيء مقتضاه.
ويشدد عون على ان اصحاب الردود السلبية سيكونون معنيين بتقديم بدائل مقنعة، لان الاعتراض للاعتراض لم يعد مقبولا، بل المطلوب اقتراحات عملية تسمح بالخروج من المازق.
ويوضح ان سبب اصرار «التيار الحر» حصرا على طرح المبادرة الانتخابية تلو الاخرى انما يعود الى كونه يحرص على وضع قانون جديد في اسرع وقت ممكن لانه يرفض «الستين» و«التمديد» رفضا جذريا ويصنفهما في خانة المحرمات، في حين ان البعض الآخر ربما يراهن على هذا او ذاك من هذين الاحتمالين.
«القوات»
وقال مسؤول جهاز التواصل والاعلام في القوات اللبنانية شارل جبور لـ «الديار» ان «القوات» وافقت على مشروع باسيل عن قناعة، بعد دراسته وتمحيصه، وليس من باب التكتيك السياسي، ونحن ابلغناه بوضوح موافقتنا على صيغته من دون اي تحفظ، لانها تعكس صحة التمثيل وتترجم قواعد العيش المشترك وتحقق الشراكة المطلوبة وتعالج الخلل في التوازن.
ويضيف: ان باسيل يستحق التهنئة وهو الذي استطاع ان يقترح خلال 20 يوما ثلاثة مشاريع انتخابية، ما يعكس حيوية واضحة ودينامية ملموسة. وعليه، ليس جائزا ان يتولى طرف واحد تقديم المبادرات، فيما يكتفي الآخرون بمعارضتها، بل ان واجب من يعترض ان يطرح البديل.
وينفي جبور وقوع خلاف حقيقي بين «التيار الحر» و«القوات اللبنانية»، لافتا الانتباه الى انه حصل تباين تكتيكي في شأن الكهرباء او التعيينات، لكن هناك تفاهم راسخ حول مسألة استراتيجية كقانون الانتخاب. ويتابع: المشكلة الاساسية ليست هنا، وانما في مكان آخر، إذ ان من اسقط حتى الآن مشروعين لباسيل هو «حزب الله» لا «القوات»، والسؤال يجب ان يُطرح على الحزب حول سبب موقفه هذا، ولماذا لا يُسهل للعهد ولادة قانون جديد، برغم اهمية هذا الملف بالنسبة الى رئيس الجمهورية.