كتبت صحيفة الديار:
وصّف رئيس الحزب الديمقراطيّ اللبنانيّ الأمير طلال أرسلان الأزمة التي يعيشها لبنان وتعصف به من جديد، بأنها أزمة نظام، وقد كرّر هذا التوصيف أكثر من مرّة، وهو مشترك بينه وبين كثيرين شخّصوا النظام وأدركوا القضيّة الجوهريّة من الرئيس حسين الحسيني وهو أحد المؤسسين لاتفاق الطائف والوزير الراحل فؤاد بطرس، القائل بضرورة معالجة الأزمة بجوهرها وليس بظواهرها.
لماذا هي أزمة نظام؟ وهل المسألة واقفة عند هذا الحدّ أو تخطتها إلى ما هو أبعد أي إلى أزمة وجود؟
لقد أضاء أرسلان بعمق كبير على معنى الأزمة بقوله: «إنّ الوضع الذي نحن فيه اليوم، وهو حصيلة فوضى الفرغات، يؤكد بما لا يقبل أي شك أنّنا في أزمة نظام كاملة، أزمة مقفلة، لأنّ الوضع الذي نحن فيه يختصر كل ما بإمكان النظام أن يقدمه. إنهُ ولاّدة أزمات… وليس ولاّدة حلول. السبب الأساس في ذلك هو التهرّب الدائم من تحمّل المسؤولية ومعالجة الأزمات من جذورها… لأنّ ما تعوّدنا عليه هو معالجة نتاج الأزمات.. والتهرب الدائم من التصدي والبحث في جذورها. ومعالجة الأزمات كما تلاحظون يتمُّ ببطءٍ شديد بحيث يولد من النتائج أزمات جديدة وهكذا دوليك فتدور البلاد في حلقة مفرغة»، وضع الأمير إصبعه على الجرح، وقد أجاب على الجميع بلا استثناء بدءًا مما الكلام المتصاعد من داخل الطائفة الدرزية، حين قال بأنّه نظام التمييز العنصريّ Apartheid.
لماذا كان هذا المؤتمر بالذات، هل شاء صاحبه الردّ على ضجّة حدثت داخل الطائفة الدرزيّة، أوّ انه شاء استهلاك العناوين المطروحة لتوضيح ما يجب توضيحه بلغة عقلانيّة هادئة برسائل وجهت إلى الجميع، مضيفًا إلى متنها عنوانًا يتمسّك به الدروز وهو رئاسة مجلس الشيوخ، وقد حاول أرسلان التخفيف منها بالكلام على التوازن؟
قبل الردّ على السؤال الثانيّ، مصدر سياسيّ توقّف عند السؤال الأوّل ليقول وفقًا لتحليل مقرون بمعلومات استند عليها، ليجيب بأنّ أزمة النظام هي أزمة طوائف محتدمة عموديًّا وأفقيًّا، ومتأججة بنيويًّا وبين بعضها. فمعظم الطوائف في لبنان منقسمة على بعضها وإن بنسب معيّنة، تجمعها عناوين محدّدة وتفرقها استراتيجيات كبرى على مستوى المنطقة. ويعطي هذا المصدر السياسيّ مثلاً:
على مستوى الطائفة الدرزيّة معظم الأقطاب فيها متفقون على دورها وحضورها ومكاسبها، ومختلفون على مستوى الصراع في سوريا وعليها، وعلى مستوى المسيحيين تتبلور الصورة عينها فيما الطائفة الشيعيّة بوجدانها الأكثريّ ترى نفسها في جيهة الممانعة بصورة عامّة، والطائفة السنيّة كما الدروز يلتقون على مصلحة الطائفة ويختلفون في الصراع في سوريا.
ويعتقد هذا المصدر في معرض تحليله، بأنّ القاسم المشترك في الخلاف الجوهريّ بل في أزمة النظام هو العنوان السوريّ، فالأزمة اللبنانيّة بجوهرها ليست أزمة داخليّة حتّى في اللحظات الذروة في مرحلة التسعينات إلى الآن، بل هي أزمة الكيان اللبنانيّ بدوره ووظيفته ومعناه وحقيقته. والخطورة فيها أن الأزمة المطروحة أمامنا وهي أزمة الانتخابات قد استهلكت جدًّا وباتت جزءًا لا يتجزّأ من الصراع في سوريا غير المحسوم بالنتائج والمعاني من منطلق تسوية منتظرة على أرضها ترتكز على تسوية نهائيّة يجمع عليها الأطراف المتصارعون من خارجيين وداخليين. ولا يستغرب المصدر المذكور هذا الربط بين الداخل والخارج، ويستطرد قائلاً بأنّ الأزمة اللبنانيّة على مدى تاريخ طويل تمثّلت بهذا الربط عينًا، فحين يكون الربط محتدمًا يؤخد البلد إلى مجموعة انفجارات في الداخل، وحين يكون هادئًا وسلسًا حينئذ يؤخذ إلى هدوء فتتنزّل الحلول من علُ وتترسّخ على الأرض بإمساك القوى بالأرض والقرار وإملائه على أصحاب الأرض.
ويكشف وفقًا لمعلوماته، بأنّ المملكة العربيّة السعوديّة في استمرار اندراجها في الصراع السوريّ مع إيران، مستندة إلى تحالفها المستجدّ مع الأميركيين، قد أبطلت استمرار الحراك التسوويّ الذي أنتج وأنضج بزوغ فجر هذا العهد حكمًا وحكومةً. فقد عاد عدد من الأفرقاء إلى المربّع السابق للتسوية في الصراع السعوديّ-الإيرانيّ، واصطفّوا على خطوطه وداخل مراميه، فبات كلّ فريق يتهم الآخر بالعرقلة وعاد السلاح عنوانًا أساسيًّا في هذا الاصطفاف. ويعتقد هذا المصدر بأنّ وليد جنبلاط تخطّى خلال مهرجان تسليم ابنه تيمور الزعامة المصنّفات المتلاحقة والمتراكمة، واستدرك تفاعل الأزمة على مستوى الجبل بخطاب تهدويّ أبطل به ما كان يحضّر لهذا الجبل من فتنة بفعل ارتفاع منسوب الضخّ والشحن الطائفيّ، وقد شهد على هذا الخطاب وجود رئيس الحكومة سعد الحريري إلى جانب ممثل للرئيس نبيه برّي النائب علي بزّي وإلى جانب وفد رفيع المستوى من حزب الله والنائب جورج عدوان ممثّلاً القوات اللبنانيّة ووفد من التيار الوطنيّ الحرّ.
ووفقًا أيضًا لمعلومات، اعتبرت أوساط سياسيّة بأنّ النسبية وإن باتت قاسمًا مشتركًا عند جميع الأفرقاء، فإنّ الخلاف يدور حول البلورة والتجسيد. الخلاف الدائر ليس فقط حول البلورة بل حول الصيغة والمحتوى كعمنى لهذه البلورة. وتعتبر تلك الأوساط بأن لبنان يعيش في ظلّ فضاءات متباعدة، بمعنى أنّ لكل زعيم فضاءً حاصًّا به وليس من فضاء واحد اجمع للطوائف، وأكّدت بأن الخلافات قد أمست بجوهرها استراتيجيّة وعقيديّة بكلّ ما للكلمة من معنى، والصراع هدفه تجويف العهد دومًا من محتواه الميثاقيّ الأصيل.
هل يحتاج لبنان إلى مؤتمر تأسيسيّ تعارضه قوى أخرى كتيار المستقبل والقوات اللبنانيّة؟ أجابت الأوساط على هذا التساؤل إن فكرة المؤتمر ليست خاصّة فقط بالأمير طلال أرسلان على الرغم من أنّ إضاءته عليها تمّت من خلال الدعوة إلى حلّ الأزمة بجوهرها وجذورها. بل قد طرحت أكثر من مرّة من حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ، حتّى إنّ أحد الكتّاب السياسيين الكبار في الوسط المسيحيّ، كتب بأنّ خلاص المسيحيين بالعمق السياسيّ يكمن بحمل لواء هذا المؤتمر والدعوة إليه، فالبقاء في عقم الأزمة بلا حلول يجعل النزيف المسيحي على كلّ المستويات متصاعدًا، وقد زعم الكاتب المسيحيّ بأنّ المنطقة كلّها متجهة إلى حالة تسووية تأسيسيّة فهل بإمكان لبنان وأزمته الداخلية تعيش حالة ربط مع الصراع السوريّ بأن يكون بمنأى عن القراءة التأسيسيّة لسوريا وهي الدولة الأقرب إلى لبنان؟ وتشي تلك الأوساط بأنّ لديها معلومات بأنّ التأجيل التقنيّ يبقى تقينًّا في الشكل، إنّما في الجوهر فهو سياسيّ في ظلّ عدم وجود مقاربة سياسيّة علميّة ودستوريّة واحدة لقانون انتخابات جديد. وتبرز تلك الأوساط بأنّ الحلول قد باتت عقيمة للغاية، وغاية التأجيل المعنون بالتقنيّ استنباط الصراع بمعانيه في سوريا ومسيره ليصار بعد ذلك إلى تحديد الخطوط الأساسيّة للقانون وهو كما تمّ توصيفه سابقا بأنّه الهيكل العظميّ للنظام السياسيّ والميثاقي قلبه.
أمّا مؤتمر الأمير طلال أرسلان فقد أكّد المؤكّد وحاول استخراج الحلول بربط قانون الانتخابات بمجلس للشيوخ، ظنّ بعضهم بأنّ ثمّة وثيقة أشارت إلى أن رئاسة المجلس هي للدروز و«المير» لم يتطرق البتّة إلى الرئاسة بل قال بالتوازن، وفي سؤال تم توجيهه للرئيس حسين الحسيني حول هذه المسألة نفى نفيًا قاطعًا وجود وثيقة اتفق عليها الجميع بأن تسند رئاسة مجلس الشيوخ لشخصية من الطائفة الدرزيّة الكريمة وإلاّ لكان تمّ الإعلان عنها، كوثيقة متفق عليها بين اللبنانيين. ومن حقّ الأرثوذكس في لبنان أن يترأسوا هذا المجلس، وإذا عقل بعضهم واعتدل بالمداورة تبقى إحدى الحلول الناجعة، لكنّ بحسب مصادر أرثوذكسيّة رفيعة المستوى الأرثوذكس لن يتنازلوا عن رئاسة مجلس الشيوخ إذا تمّ الإقرار به.
ستتكثف المقاربات وستتراكم الأزمات، يبقى على الجميع وبحسب المصدر السياسيّ بأن العقلانية تقتضي مشروعًا من اثنين إذا رام الجميع خلاصًا للبنان: إمّا إعادة إحياء مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ أو المشروع المقترح من قبل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. أمّا مشروع الوزير جبران باسيل فيبقى مشروعًا وسطيًّا حائزاً على دعم القوات اللبنانيّة له، وهو تحت مجهر حزب الله والذي بحسب المعلومات الأخيرة اعترض على بعض التقسيمات فيه، قد رأى في النهاية بمشروع الميقاتي خشبة خلاص من أزمة يخشى أن تبلغ الحالة العبثيّة، عندها سيعاد الاعتبار للمؤتمر التأسيسيّ للنظام السياسيّ اللبنانيّ، وليس من حلّ آخر سواه.