كتبت صحيفة “العربي الجديد” تقول: بدا لوهلة، عند الاستماع إلى كلمات عدد كبير من رؤساء الدول العربية أو رؤساء الوفود، في قمتهم رقم 28 في البحر الميت، أمس الأربعاء، أن معزوفة محاربة الإرهاب، والمقصود به حصراً التنظيمات المسلحة التي تدور في فلك تنظيم “القاعدة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، صارت أولوية لا تتقدمها أهمية أي قضية عربية. لكن كلمة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أعادت تصويب النقاش، لمنع حصر تعريف الإرهاب بدين واحد أو بمذهب معيّن، ولتعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية وحقوق شعبها، في زمن التنازلات العربية التي ربما تشهد، بعد قمة الأردن، فصولاً جديدة بزيارات رؤساء دول عربية إلى واشنطن، يفتتحها رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، يوم الإثنين المقبل. وربما لهذه الأسباب، أزعجت كلمة أمير قطر بعضاً من الحاضرين في قاعة قمة رؤساء الوفود.
وبعد يوم طويل من الكلمات واللقاءات الجانبية، جاء “إعلان عمّان”، أو البيان الختامي الصادر عن القمة العربية الثامنة والعشرين، مليئاً بالعموميات الهادفة إلى تفادي ظهور الخلافات العربية الكثيرة. ومن غير المعلوم ما إذا كان بيان عمّان هذا سيتم اعتماده، في مثل هذا اليوم من العام المقبل، كمسودة لـ”بيان الرياض” 2018، إذ ستستضيف السعودية القمة المقبلة بعد اعتذار دولة الإمارات التي بات الاعتذار عن استضافة القمم العربية معتاداً عندها، إذ سبق لأبوظبي أن اعتذرت عن استضافة قمة 2002، وتنازلت عنها لبيروت حينها. وشدد إعلان عمّان الذي تلاه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، على “تكريس كل الإمكانات للقضاء على الجماعات الإرهابية والاستمرار في مكافحة الإرهاب والقضاء على خوارج العصر”، ورفض موقعوه “كل الإجراءات أحادية الجانب التي اتخذتها إسرائيل وتقوّض حل الدولتين”، وكرروا “الوقوف مع الشعب الفلسطيني”، مطالبين في الوقت نفسه “دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل”. وقرأ أبو الغيط حرفياً من البيان: “نعرب عن الاستعداد لتحقيق مصالحة تاريخية مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967. وسندعم محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية لإنهاء عقود من الصراع، إذا ضمنت قيام دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع إسرائيل”، في تكرار لجوهر المبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002). وربما يكون هذا البند محور الحركة الدبلوماسية المقبلة بين بعض الزعماء العرب والإدارة الأميركية، في مقابل إصرار إسرائيلي على أن التطبيع مع الدول العربية، أو مع بعضها، بادعاء أن “العداء لإيران هو عامل مشترك”، سينتج عنه حلّ للقضية الفلسطينية.
على صعيد آخر، رأى موقعو البيان الختامي أن “الحل السلمي هو الوحيد للأزمة السورية بما يحفظ الوحدة”، مع “الدعم الكامل للدول المضيفة للاجئين السوريين”. وثمّن البيان الختامي للقمة “الإنجازات التي حققها الجيش العراقي في حربه ضد الإرهاب”، مع إشارة الإعلان إلى أن “وحدة العراق واستقراره ركن أساسي من الأمن القومي العربي”، معربين عن مساندتهم جهود التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن. واختتم البيان بالإعراب عن القلق من “تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا”، مع إدانة “الانتهاكات” بحق الأقلية المسلمة في ميانمار.
ومنذ ظهر يوم الأربعاء، انشغل الإعلاميون المحتشدون في منطقة البحر الميت لمتابعة أعمال القمة العربية الثامنة والعشرين التي استضافها الأردن، أمس، بالمفاضلات والمقارنات بين كلمات القادة ورؤساء الوفود العربية المشاركة، والتي أعقبت كلمتين افتتاحيتين، للرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، والعاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني الذي تسلّم رئاسة مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القادة. وعلى ما بدا من عموميات فضفاضة في عموم الكلمات التي تليت، إلا أن كلمة أمير دولة قطر جاءت الأكثر تحديداً، والأوضح في تعيينها المباشر للمسؤوليات عن مختلف الأزمات والتوترات في المنطقة.
وقد سيطرت قضيتا الإرهاب والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة على أولويات كثير من الكلمات، فضلاً عن الأوضاع في سورية واليمن وليبيا. وربما تكون خلاصة الكلمات التي ألقيت مناقضة تماماً لشعار القمة (قمة الوفاق والاتفاق). وحدّد الملك عبدالله الثاني، ما سماها “تحديات مصيرية” للدول والشعوب العربية، أولها “خطر الإرهاب والتطرّف الذي يهدد أمتنا”، وثانيها استمرار إسرائيل في توسيع الاستيطان. وقال إنه “لا استقرار في المنطقة من دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، القضية المركزية في الشرق الأوسط، من خلال حل الدولتين”.
وفيما عقدت على هامش القمة العربية عدة لقاءات ثنائية بين عدد من رؤساء الوفود والقادة، إلا أن اللقاء الأبرز كان الذي جمع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ورئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، والذي بدأ بينما كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يلقي كلمته في قاعة القمة. وجاء هذا اللقاء لينهي تأزّماً في العلاقات بين الرياض والقاهرة، أعقب الاستهداف الإعلامي الصاخب في مصر ضد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر، والتي تم فيها ضم جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة، وكذلك مع مؤشرات دل فيها نظام السيسي على مهادنته إيران ومساندته نظام بشار الأسد في سورية. وصرّح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بعد اللقاء، وعقب اجتماعه مع نظيره المصري، سامح شكري، أن الملك سلمان وجّه دعوة إلى السيسي لزيارة الرياض، ستتم في إبريل/نيسان المقبل.
ومن اللقاءات اللافتة على هامش القمة، اجتماع الملك سلمان مع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وهو اللقاء السعودي العراقي الأول من نوعه على أعلى المستويات، منذ سنوات، ومن شأنه أن يدعم توجهاً سعودياً إلى الحضور السياسي والاقتصادي في العراق، خصوصاً بعد إعادة افتتاح سفارة المملكة في بغداد، في ديسمبر/كانون الأول 2015.
وفيما كان قد تردد أن لقاءً ربما كان سيجمع الشيخ تميم بالسيسي، إذ تعرف العلاقات بين الدوحة والقاهرة توتراً شديداً، إلا أن هذا اللقاء لم يُعقد، بل أعطى الرئيس المصري إشارة سلبية جديدة تجاه الدوحة، بخروجه من قاعة المؤتمر مع بدء الشيخ تميم إلقاء كلمته في الجلسة الصباحية لأعمال القمة، وهي الكلمة التي حازت تقديراً من أوساط إعلامية وسياسية عربية واسعة في منطقة البحر الميت، بالنظر إلى خروجها من التعميمات إلى وضوح محدّد بشأن عدد من القضايا. فقد قال أمير قطر إن الإرهاب أخطر من أن نخضعه للخلافات والمصالح السياسية والشد والجذب بين الأنظمة السياسية، لأنه لا يقتصر على دين معيّن أو مذهب. وأضاف “ثمة مليشيات إرهابية من مذاهب مختلفة ترتكب جرائم ضد المدنيين لأهداف سياسية، بعلم أو أحياناً برضى حكوماتها، وهذا هو الإرهاب بعينه”. كذلك استهجن وصف جماعات يتم الاختلاف معها سياسياً بالإرهاب، فيما هي لا ترتكبه، وفق تعبيره.
وتصدّرت القضية الفلسطينية كلمة الشيخ تميم، وشدّد على أن موقف بلاده الدائم من القضية الفلسطينية هو دعم المبادرة العربية للسلام وحل الدولتين. وأكد أنّ القضية الفلسطينية ستظل في مقدمة أولويات الأمة، على الرغم من جمود عملية السلام بسبب المواقف المتعنتة لإسرائيل. وأوضح أن موقف قطر الثابت من القضية الفلسطينية هو الموقف العربي الملتزم بعملية السلام، مطالباً بالعمل للضغط على المجتمع الدولي لرفض إقامة نظام فصل عنصري والتعامل بحزم مع إسرائيل.
وأشار الشيخ تميم إلى “خطورة المرحلة التي يمر بها الوطن العربي، والتي تتطلب الكثير من الواقعية والصراحة”. وأكد أن إنهاء كارثة الشعب السوري يتوقف على اتخاذ الإجراءات الملزمة للنظام السوري بتنفيذ مقررات جنيف، مشدداً على ضرورة إجبار النظام السوري على تنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بالسماح بوصول منظمات الإغاثة الإنسانية.
وفي المسألة الليبية، قال الشيخ تميم إنه يتعيّن على بعض “الأشقاء” في ليبيا التخلي عن تقديم الذرائع لامتناعهم عن المشاركة في الحل السياسي والنهائي، مؤكداً أن بلاده ملتزمة بمواصلة دعم الليبيين، ومساعدتهم على تجاوز خلافاتهم، وإنجاح مسار التسوية السياسية واستكماله.
ودعا الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الدول العربية إلى الضغط على بريطانيا من أجل إلغاء احتفالاتها المقررة بمائة عام على إصدارها “وعد بلفور”. وقال إنه يرحب بجهود أميركية للوصول إلى السلام مع الجانب الإسرائيلي، غير أنه شدّد على أن يتم ذلك على أساس حل الدولتين، وفق قرارات الشرعية الدولية. وكان الرئيس عباس قد اجتمع، عشية القمة، في مقر إقامته في منطقة البحر الميت، مع مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى القمة العربية، جيسون غرينبلات. وكتب الأخير في تدوينة له على “توتير” إنهما تباحثا حول كيفية تحقيق تقدّم ملموس في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كذلك عُقد، قبل ساعات من بدء القمة العربية أعمالها، صباح أمس، لقاء ضم وزيري الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، والمصري سامح شكري، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، ومسؤولة الشؤون الأمنية والسياسية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني. وقالت وكالة الأنباء الأردنية إن الاجتماع تناول سبل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط.