كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: هل دخل القانون الانتخابي مرحلة العدّ التنازلي لخروجه إلى النور؟ وهل صار التمديد لمجلس النواب على قاب قوسين أو أدنى من فرضِه أمراً واقعاً؟ الجواب النهائي سيتبلوَر في الأيام المقبلة تبعاً لتطوّرات النقاش الجاري حول هذا الملف، وبالتالي لا يُعتدّ بالإيجابيات الشكلية التي ظهّرها انعقاد الحكومة في جلسة انتخابية انتهت إلى إحالة ملف القانون إلى لجنةٍ لاستيلاد صيغة انتخابية من بين الأنقاض السياسية من دون تحديد سقف زمني لمهمّتها. في وقتٍ بَرز في الساعات الأخيرة كلام ربط مهمّة اللجنة التي ستنعقد في السراي الحكومي بمحاولة صوغ الإخراج لهذا التمديد. وفيما بلغَ الهاجس الأمني حدّاً عالياً من السخونة والترقّب الحذِر جرّاء استمرار الوضع الشاذ في مخيّم عين الحلوة، وتداعياته على الأمن اللبناني بشكل عام وأمن مدينة صيدا وجوارها بشكل خاص، احتلّت مشاعر التضامن مع شهداء الشعانين في مصر، حيّزاً من الاهتمامات الداخلية، والرفض للإرهاب بكلّ مسمّياته التكفيرية والجاهلية المتخلّفة، وأساليبه الإجرامية التي تفتك بالأبرياء وبالأديان السماوية، وبالمسيحيين على وجه الخصوص.
إنتخابياً، يمكن القول إنّ طبخة البحص الانتخابية وضِعت على النار الحكومية، ولكن من دون أن تبرز مؤشرات من المصادر السياسية والحكومية بالشأن الانتخابي، حول ما إذا كان إنضاج البحص الانتخابي ممكناً في ظلّ التباينات الحادّة التي ما زالت تحكم هذا الملف، وكذلك حول المدى الذي ستستغرقه الطبخة.
على أنّ اللافت للانتباه في الساعات الماضية كان مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الدعوة لاجتماع هيئة مكتب المجلس اليوم، وهو ما بدا أنّه يعكس توجّهاً لدى رئيس المجلس لعقدِ جلسة عامة للمجلس تحت العنوان التشريعي بمعزل عن عمل اللجنة الوزارية التي شكّلها مجلس الوزراء.
وبحسب المعلومات فإنّ الجلسة العامة هي إجراء احترازيّ من قبَل رئيس المجلس في حال لم ترِده أيّ صيغة من الحكومة حول القانون الانتخابي الجديد في وقتٍ قريب جداً.
وهي في الوقت نفسه محاولة جدّية لحضِّ الحكومة على توليد القانون سريعاً جداً. وإذا ما عقِدت هذه الجلسة بعد غدٍ الخميس، وهو الموعد الأقرب لعقدها، ليس مستبعداً أن تناقش اقتراح قانون معجّلاً مكرّراً بمادة وحيدة أعدّه أحد النوّاب ممّن له تجارب سابقة في هذا المجال، لتمديد ولاية مجلس النواب.
وعلمت “الجمهورية” أنّ اقتراح القانون يُجيز لمجلس النواب تمديد ولايته 3 أشهر تمديداً تقنياً، على أن يُقرن هذا التمديد باتفاق مبدئي وتعهّد من كلّ القوى السياسية لإعداد قانون انتخاب خلال المدة الممدّدة. أي التمديد قبل القانون (راجع ص 4) إلّا إذا تمّ التوافق قبل جلسة الخميس على تصوّر لقانون الانتخاب، وهذا مستبعَد حتى اليوم في ظلّ الخلافات القائمة.
حركة الاتصالات
وكانت حركة الاتصالات قد تكثَّفت في الساعات الماضية، حيث عقِد في القصر الجمهوري أمس لقاءٌ قبل جلسة مجلس الوزراء بين رئيسَي الجمهورية والحكومة العماد ميشال عون وسعد الحريري والوزير جبران باسيل. تلاه اجتماع ثلاثي بعد الجلسة، وضمّ باسيل ووزير المال علي حسن خليل ومدير مكتب الحريري السيّد نادر الحريري، وشارَك فيه وزير الطاقة سيزار أبي خليل. وأفيدَ في هذا السياق أيضاً عن اجتماع آخر بمشاركة ممثّل عن “حزب الله”.
وعلمت “الجمهورية” أنّ الاجتماع الثلاثي سجّلَ نقطةً تجاه الاتفاق على التخلّي عن الصيَغ المختلطة لكنّه أبقى على الخلاف المتعلق بصيغة القانون النسبي لجهة توزيع الدوائر من جهة وإعداد النواب على التأهيل من جهة ثانية بالإضافة إلى تفاصيل تقنية.
واستكمِل الاجتماع بعد الظهر بهدف التوصّل إلى صيغة أو صيغتين أو ثلاث، بحسب مصادر المجتمعين، يدعو على أساسها رئيس الحكومة أعضاءَ اللجنة الوزارية للاجتماع بعد ظهر اليوم في السراي الحكومي. وأفيدَ في هذا السياق أيضاً عن اجتماع آخر بمشاركة ممثّل عن “حزب الله”.
3 مسارات
إلى ذلك، قالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ”الجمهورية” إنّ الحرارة التي دبَّت في النقاشات الانتخابية في الساعات الأخيرة، مرتبطة بنتائج الاجتماع الذي عقِد في القصر الجمهوري قبل يومين بين رئيس الجمهورية ووفد “حزب الله” في حضور باسيل الذي زار بعد الاجتماع بيتَ الوسط والتقى الحريري. وجرى البحث في صيغة التأهيل مجدّداً على الأكثري في القضاء، والنسبي في المحافظات.
وعلمت “الجمهورية” أنّ وفد الحزب طرح في اللقاء ثلاثة مسارات: الأوّل هو صيغة النسبية الكاملة مع دائرة واحدة أو 10 دوائر أو 5 دوائر، باعتبارها أفضل قانون للبلد. والثاني، هو العودة إلى التأهيل على القضاء والموافقة على أنّ أوّل فائزَين اثنين يتأهلان إلى النسبية في المحافظة.
والثالث مشروع باسيل لكن معدّلاً بعد الأخذ بالملاحظات التي وضَعها الحزب عليه. وبناءً على هذه الطرح لم يأخذ وفد الحزب جواباً إيجابياً، وفي الوقت نفسه لا يبدو له أنّ الجوّ كان مقفَلاً أو سلبياً.
وإذا كانت جلسة مجلس الوزراء قد عكسَت نيّة الحكومة في مقاربة هذا الملف بشكل أكثر جدّية من ذي قبل، فإنّ النقاش الانتخابي الذي سادها شكّلَ استنساخاً للنقاش والمواقف التي جرت من خلفِ المنابر والإعلام طيلة الأشهر الماضية، والتي أبرزَت التناقض في الرؤى والتوجّهات الانتخابية لدى كلّ الأطراف.
ومن هنا ارتؤيَ الذهاب إلى لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة لعلّها تتمكّن من التقريب بين الصيَغ المطروحة وتحقيق اختراقٍ ما في حائط التباينات، تصوغ من خلاله مسوّدةً تعود بها إلى مجلس الوزراء في وقتٍ قريب.
وقال مصدر وزاري لـ”الجمهورية”: “ما حصَل في مجلس الوزراء كان مجرّد عصفِ أفكار معروفة، وأمّا النقاش الحقيقي الذي يوصل إلى قرار حازم في الشأن الانتخابي فهو في مكان آخر”. ولم يشأ المصدر تحديد “هذا المكان الآخر” واكتفى بالقول: “إنه عند الكبار”.
وأضاف: “في الشكل حمل انعقاد الحكومة إشارةً إيجابية، وأمّا في المضمون فنصيحتي أن ننتظر. أنا شخصياً أريد أن أتفاءل، ولكن ما أستطيع قوله بناءً على ما أملك من معلومات ومعطيات، وعلى ما يعرَض أمامي من آراء وأفكار ومواقف فوق الطاولة وتحتها: “أنا مِش متفائل كتير.. وان شاء الله اكون غلطان”.
مصادر وزارية
وبحسب مصادر وزارية، فإنّ الجلسة سارت بلا تشنّجات، إنّما طرَح كلُّ طرف تصوّرَه الانتخابي، وكانت تصوّرات متناقضة، وفي ضوء هذا التناقض ارتؤيَ تشكيل لجنة وزارية.
وأشارت المصادر إلى أنّ رئيسي الجمهورية والحكومة، شدّدا خلال الجلسة على ضرورة إيجاد قانون انتخابي حتى ولو استلزم الأمر عَقد جلسات مفتوحة لهذه الغاية.
قراءة بعبدا
وفي قراءة لنتائج جلسة مجلس الوزراء وصَف رئيس الجمهورية الجلسة بأنّها بالغة الأهمّية بمجرّد أنّ مجلس الوزراء استعاد البحث في قانون الانتخاب العتيد وباتت المبادرة في عهدته.
وقال أمام زوّاره إنّه من المفترض أن تضمّ اللجنة الوزارية التي شكّلها مجلس الوزراء مختلفَ الأطراف الممثلين في الحكومة ومجلس النواب بمجرّد أن تركت عضويتها لمن يطلب الانضمام إليها وإبلاغ رئيس الحكومة بهذه الرغبة. وطالما إنه ليس هناك أيّ استثناء فيبقى على الغائب عنها أن يؤكّد أنه استثنى نفسَه بنفسه من عضويتها. فعلى هذه اللجنة رهانٌ كبير وهي شُكّلت لتتولى مهمّة وضعِ القانون العتيد بأسرع وقت ممكن.
وإنه من الواجب على من يتولّى هذه المهمة أن ينهيَ النقاش في القانون الجديد الذي دام لأعوام خلت، وإنه لم يعد ممكناً التأخير في إصداره ليُحال إلى مجلس النواب وإتمام العملية ليتسنّى لنا التحضير للانتخابات وشرح الصيغة الجديدة التي سيعلن عنها.
وأكّد عون ارتياحه لِما سمعه من مختلف الأطراف الممثّلين في الحكومة لجهة وجود أجواء تعِد بالبحث الجدّي في القانون الجديد، والمسألة لا يمكن أن تستغرق أكثر من أيام من دون القدرة على تحديد موعد.
صيّاح
من جهةٍ ثانية، بقيَت العين شاخصةً في اتّجاه الحدث الإجرامي الذي تعرّض له الأقباط في مصر على أيدي المجموعات الإرهابية. وفي هذا الإطار، أكّد النائب البطريركي بولس صيّاح لـ”الجمهورية” أنه “لم يعد ينفع الاستنكار والإدانة للأحداث الإرهابية التي يسقط ضحيتها أبرياء، بل إنّ هذا الأمر يتطلّب أولاً من الدول والجماعات التي تموّل الإرهاب وقفَ هذه الأعمال، من ثمّ تحرّك المجتمع الدولي للقضاء على هذه الظواهر”.
وقال صياح “إنّ شهداء مصر هم قدّيسون لنا في السماء، وهم البذور التي تنمو في الكنيسة”، داعياً الأقباط إلى عدم اليأس والانجرار إلى القتال، بل التمسّك بالأرض التي دفعوا ثمنها دماً مثلما دفعَ مسيحيو لبنان من تضحيات من أجل بقائهم أحراراً”.
مصدر عسكري
وأمنياً، وفيما الاشتباكات في مخيّم عين الحلوة مستمرّة، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ”الجمهورية” أنّ “قرار الجيش واضح وحازم، وهو لن يقبل أن تمتدّ الاشتباكات الى خارج المخيّم، لأنّ أمن مدينة صيدا والجوار خطّ أحمر”.
وإذ نفى تدخّل “الجيش في الاشتباكات أو حتى المخابرات داخل المخيّم”، أوضح أنّ “الجيش سيتدخّل عندما يشعر بأنّ الخطر بدأ يخرج من المخيّم ويهدّد الجوار، عندها نكون قد تجاوزنا الخطوط الحمر”، مشدّداً على أنّ “الجيش لن يسمح بتكرار تجربة الصدام اللبناني – الفلسطيني وحرب 1975، لأنّ الانفلاش خارج المخيّم سيواجَه بردّ لا هوادةَ فيه”.
وطمأنَ المصدر إلى أنّ “الوضع في كلّ المخيمات الجنوبية مضبوط، ولن يحدث أيّ صدام، أو محاولة لإشعال الفتنة السنّية – الشيعية عبر السلاح الفلسطيني”. وأكّد أنّ “انتهاء القتال في عين الحلوة رهنٌ بحسم القوّة الفلسطينية المشتركة للمعركة”.