الشباب الديمقراطي … والإستقلال

أربعة وسبعون عاماً مرت على استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، عقود مديدة من الزمن مرت، تخللتها صفحات بيضاء عنوانها الطمأنينة والاستقرار، وصفحات سوداء عنوانها الخوف والقلق على المصير، وبين هذه وتلك صفحات حمراء، سطّرها رجال الوطن بحبر الدم القاني، دم زكيّ يروي جذور شجرة الاستقلال، فيكسبها قوة الاستمرار، ويغمرها بالبطولات والمآثر. استقلال تحقق بفضل قادة وطنيين شرفاء ومواطنين موحَّدين هدفهم الاسمى لبنان ولا شيء سوى لبنان.
وإن كان عمر الحزب الديمقراطي اللبناني لا يتعدى السنوات الستة عشر منذ التأسيس في الأول من تموز عام 2001 وحتى اليوم، إلا أنه بأفكاره ومبادئه يشكّل امتداداً لنهج وطني عروبي له تاريخه وحيثياته في هذه البلاد منذ العام 797 عندما قدم الارسلانيون واستقروا فيها وجعلوا مهمتهم الاساسية الدفاع عن الارض وحماية الثغور من الغزوات، وصولاً الى معركة الاستقلال اللبناني الّتي قادها الأمير مجيد ارسلان العام في 1943.
لذا، فانطلاقاً ممّا تقدّم نحن كشباب ديمقراطي لبناني وإن كان إطارنا الحزبي حديث العهد إلا أننا نشكّل امتداد لنهج سياسي عريق رسمه الامراء الارسلانيون منذ 1220 عاماً وكرّسه الامير مجيد ارسلان، فهذا النهج يجسده حزبنا، الحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة الوزير الامير طلال ارسلان، وهو يكتسب أهمية كبرى يمكن تفصيلها على ثلاثة أصعدة:
أولاً، الوحدة الوطنية، فالوحدة الوطنية عاشها الامير مجيد حياتياً، ولكن للأسف في هذه الايام نجد الجميع في لبنان يتكلمون عن الوحدة الوطنية ولكن بلا مضمون، وهذا ما يدل ويؤكد على عدم وجود فهم للمعنى الحقيقي للوحدة الوطنية، وهنا تكمن استمرارية نهج الامير مجيد حيث أتى الحزب الديمقراطي اللبناني وأعطى المضمون المادي والطريق الفعلي لشيء اسمه “الوحدة الوطنية” من خلال نظرية “الوحدة المعنوية” للمجتمع اللبناني، لأنه لا وحدة وطنية من دون وحدة معنويّة، لا بل إنّه خداع ومواربة إذا ادعى البعض وجود وحدة وطنية من دون معنوية وهذا ما يحدث الآن في لبنان. كذلك فإن هذا الامر هو المسؤول عن هذه الحالة المنحطة الّتي وصل اليها لبنان.

أمّا الصعيد الثاني فهو موضوع حقوق الناس، حقوق الكادحين، والامير مجيد هو أقل إنسان إتجاراً بموضوع حقوق الناس لكنّه أكثر إنسان قدّم في حياته السياسية خدمة للمستضعفين في لبنان، ووقف بوجه الاحتكارات الكبرى، وهذا النهج يسير عليه نجله الامير طلال، لأنه لم يشارك في الاحتكارات رغم أنها وصلت الى ذروتها، حيث نجد أن الاحتكارات وجبهة الاحتكارات في جهة ونحن كفريق سياسي في جهة اخرى.
والصعيد الثالث هو ربط الانتماء الوطني بالانتماء القومي، حيث أنّ القضية الفلسطينيّة هي في جوهر فكرنا وعملنا وتشكّل بوصلة مسيرتنا، وذلك لأنّ مصيرنا هو واحد، ومصيرنا هو أيضاً مع سوريا والمقاومة. لذلك فنحن نؤكد بأنّ الوحدة الوطنية مرتبطة بالانتماء القومي. فهذه الاصعدة الثلاثة تؤكد بأنّ نهج الامير مجيد حاجة ماسة ويستمر عبرنا كفئات شابة مؤمنة بهذا النهج وصوابية طروحاته.
وفي ظل ما حصل ويحصل من أحداث ومتغيرات تطال العالم بأسره لاسيما المنطقة العربية والشرق الأوسط، وانطلاقاً من مبدئنا العاشر الذي ينص على “أن الشباب مسؤولية ومستقبل، والمجتمع الناجح والفتي هو المجتمع الّذي تتواصل فيه الاجيال ولا تتصارع”، يترتب علينا اليوم وأكثر من أي وقت مضى مسؤولية كبيرة تتمثل بوجوب التمسك بالقيم والمبادئ الّتي قادت الى نيل الاستقلال في العام 1943 ومن ثم الجلاء في العام 1946 وما تلاها من محطات عز وإشراق ليس آخرها تحرير الجنوب عام 2000 وانتصار تموز 2006 و إنتصارات سوريا. واولى الخطوات التي تقودنا للوصول نحو هذا الهدف المنشود تتمثل بإعداد جيل شبابي ديمقراطي يعي ما ينتظره من تحديات كبرى تهدد الاستقلال الّذي أنجزه اسلافنا، خصوصاً المخاطر الصهيونيّة وغياب الولاء الوطني الجامع في ظل سيطرة الطائفية المقيتة…
فمن ناحية المخاطر الصهيونيّة، شكَّل الكيان الغاصب منذ نشأته في المنطقة مصدر حروب ومآسٍ عاناها لبنان والدول العربية على امتداد نحو نصف قرن ونيّف. فدولة الإحتلال لا دستور لها حتى اليوم، بل هناك مجموعة من الأنظمة والقوانين تسيّر أمور الحكم فيها. كما أنها لم ترسم حدودها بشكل نهائي بسبب طغيان الفكر الديني في المجتمع الصهيوني على ما عداه من العناصر الإجتماعية والسياسية والثقافية، والارتكاز على أسطورة أرض الميعاد التي تعتبر أن حدود أرض إسرائيل الموعودة هي من النيل إلى الفرات. أما الأطماع الإسرائيلية بأرض لبنان ومياهه وموارده فتنطلق من حوافز عدّة:
أولها، ديني يتعلَّق بما جاء في التوراة عن شمول أرض الميعاد لمناطق من لبنان، وثانيها بثروته المائية التي تسعى إسرائيل للسيطرة عليها بالوسائل كافة، نظراً إلى إفتقار فلسطين للمياه من جهة، وإلى رغبتها بالتوسع الجغرافي والديمغرافي من جهة أخرى. وثالثها اقتصادي وحضاري يتعلَّق بخوف الصهاينة من قدرة لبنان على احتلال الموقع الأهم في المنطقة، لما لدى اللبنانيين من طاقة مميَّزة في مجالات الثقافة والعلم والإبداع، إلى جانب قلق قادتها من التجربة اللبنانية الرائدة، القائمة على العيش المشترك بين طوائف متعددة. وكم عملت على استهداف وحدة لبنان عبر حملات التشكيك حيناً والتدخل المباشر أحياناً أخرى، لتبرهن للعالم بأنّ النموذج اللبناني غير قابل للحياة.
أمّا لناحية طغيان الولاء الطائفي على الولاء الوطني، فإن الطائفية خطر يهدِّد الكيان اللبناني، فالولاء الطائفي بتجذُّره لدى الأفراد والجماعات يعيق الولاء الوطني بمفهومه الشامل والجامع. الطائفية خطر كامنٌ، وغالباً ما تتأجَّج بسببها الصراعات لدوافع محلية أم خارجية. أما الحل فهو بالعمل على تنمية روح المواطنية الحقّة، وتغليبها على النزوات الطائفية الضيقة، فيتمكَّن لبنان من الإفادة من تنوُّعه الديني وغناه الحضاري، اللذين يشكِّلان رسالته الفريدة في هذا العالم. وهنا لا بدَّ من التمييز بين الدين والطائفية، فالأول هو العلاقة التي تربط الإنسان بالخالق، والتي وإن اتخذت أشكالاً متعدِّدة فإن جوهرها واحد، تدعو إلى الانفتاح والتسامح والاعتراف بالآخر، وتكريس الفضائل الأخلاقية والإنسانية بين بني البشر. أما الطائفية فهي استغلال الدين أو المذهب، لمصالح خاصة، فئوية أو سياسية. وبقدر ما تُحتَرَم الأديان وقدسية رسالتها، تُنبَذ الطائفية لأنها تفسد العلاقة بين أبناء الشعب الواحد. والتزام الدين يحتّم الولاء للدولة الضامنة لحقوق جميع المواطنين، فيما الانجرار وراء الطائفية يؤدي إلى التفرقة والشرذمة، وبالتالي يفقد الوطن معنى رسالته وعلة وجوده.
ختاماً، متى يبنى هكذا جيل واعٍ لهذه المخاطر ويسعى للقضاء عليها ومواجهتها، حينها فقط يمكننا القول إنّنا فعلاً نستحق الاستقلال الّذي صنعه لنا الأمير مجيد والقادة الكبار.

 

بقلم: الرفيق طارق حديفة

خلده ٢١ تشرين الثاني ٢٠١٧