جورج خباز: “خائف من التفكك الأسري.. ولتحرّر المرأة الدور الأكبر في ذلك

لا تعليق
مقابلات
9
0
Georges-Khabbaz

 في ذلك المسرح اللبناني في الذاكرة العربية مكانة لا يُستهان بها. فمن لبنان انبثق المسرح عام 1947 والى العالم العربي انطلق واطلق معه وجوه لا يزال صدى اسمها يتردّد حتى يومنا هذا.  تطوّر المسرح مع تطوّر يومياتنا، فتقهقر المسرح التراجيدي الملتزم تراجعا أمام المسرح الكوميدي الذي قدَم للناس فرجة جديدة اتَسمتبروح الفكاهة والمرح بطريقة ساخرة في مواجهة الأزمات المستمرَة التي يعايشونها. وعُرف أحد فروع هذا النوع من الفنون المسرحية بال”كوميديا السوداء” التي لا تخلو من العمق في مضمونها والرسائل المباشرة من خلال “وضع الاصبع على الجرح” كما يقول الفنان المسرحي الشامل جورج خبَاز.

 هو المخرج المسرحي والتلفزيوني الحائز على جوائز عديدة ومنها جائزة أفضل ممثّل في مهرجان “روتردام” كما “الموريكس دور”. كما أنه حائز على أغلى جائزة له    وهي محبة الجمهور الذي لا ينفك يتابعه على المسرح أو على الشاشتين الصغيرة والكبيرة رغم كل المشاكل التي تلاحق هذا البلد الصغير.  جورج خباز، معادلة صعبة في تاريخ المسرح الكوميدي في لبنان، إنساني الى أبعد حدود وأفضل مدرسة في العمل الفني الراقي.  جمهور جورج خبَاز واسع ولا يشمل فئة معيَنة من الأعمار إنَما يتخطَاها الى محبة الصغير لك قبل الكبير. ما هو سرّ ذلك وكيف تفسّر محبة الأطفال خصوصا؟  (يضحك) ربما لأنني أعمل بروحية الأطفال، فأنا استحضر الطفل الذي فيّ كل مرَة أكتب فيها. حتى إنني ما زلت أكتب على الدفاتر المدرسية الصغيرة لكي أبقي في داخلي الشعور الطفولي رغم أنني لم أكن ذاك التلميذ المتفوّق إنّما هذا لا يحدّ من الحنين الى تلك الايام. هكذا أتواصل دوما من خلال حسّي الطفولي مع هذه الفئة من المجتمع وغيرها.

الحديث لموقع Libanmag

بالحديث عن الورقة والقلم، أين انت من التكنولوجيا العصرية ومواقع التواصل الاجتماعية؟ وكيف تؤثّر هذه المظاهر برأيك على الإبداع في عالمنا؟

 

ليست التكنولوجيا موجودة في حياتي بشكل مباشر بمعنى أنه لدي صفحة للمعجبين على الفايسبوك أنشأها أحد أصدقائي وأتابعها دوما، لكنني لا أملك صفحة خاصة بي لكي أتواصل معهم وهذا تقصير مني واعتقد أنه حان الوقت للتغيير.  أما بالنسبة الى الورقة والقلم فأنا أحب الكتابة بخط اليد، فالحبر الذي ينفذ من القلم الى الورقة نابع من حبر القلب والصورة تكتمل بالتواصل بين القلب واليد فالقلم والورقة. وأهمية الكتابة بخط اليد هي في الإرث والأثر اللذان تتركهما بعدك والدليل على ذلك ما نغرفه من المخطوطات والنصوص الأدبية القديمة التي لم تطبع على الكمبيوتر ولولاها لكان اختفى الأدب. وقد وُجدت مؤخراً ورقة مكتوبة بخط يد الكاتب الفرنسي الشهير موليير ومن خلالها يدرس المؤرخون حالته النفسية في ذلك الوقت من خلال كيفية تواصله مع الورقة.

khabbaz-pencil

يتَهمك البعض بأن أعمالك شعبوية وتتَسم بالتكرار. بمَ تجيب؟

هذا ليس اتّهاما على العكس، وأنا سعيد بذلك. فكل الأعمال الكبيرة من أعمال شكسبير حتى أعمال شارلي شابلن عرَاب الكوميديا السوداء في العالم والرحابنة وغيرهم ممَن تأثرت بهم، ما زالت تُعاد وتُعرض منذ مئات السنين وهي كلها أعمال شعبوية. كما انه لا يمكنني أن أصنّف أعمالي بأنها تتَسم بالتكرار إنما ككل الأعمال المسرحية لها هوية فردية معيَنة لا يمكن ايجادها عند الآخرين. اتَخذ مثالا على ذلك في اعمال الرحابنة الذين بنوا شخصياتهم المسرحية على نمط درامي معين من خلال تكرار الشخصيات في النص كرئيس البلدية، والحارس وغيرهم والتعاون على الخشبة مع الوجوه المسرحية نفسها ولكن المواضيع تختلف. هكذا بنوا هويتهم التي لم ولن تُنسى وهذا ما أفعله حتى مع الممثّلين الذين أختارهم في مسرحياتي.  كيف يتأثّر مسرحك بالأحداث السياسية في البلد؟  الإقبال حتما قد يكون أفضل في  ظل ظروف اجتماعية وسياسية مستقرّة ولكن الحمدالله رغم كل الأحداث التي حصلت منذ ال 2004 حتى يومنا هذا لم تتأثّر العروض التي قدَمناها بشكل مباشر وهذا دليل محبة الناس لاعمالي ولنجاح هذه الأعمال.

ما الجديد الذي ننتظره من جورج خبَاز؟

أقوم حالياً بالتحضير للموسم المسرحي المقبل الذي يستمر عادة من كانون الاول الى حزيران بالاضافة الى فيلمي الجديد الذي سنبدأ بتصويره الخريف المقبل.  أمَا العمل السينمائي فسيتضمَن اسماء لامعة جدا في الوسط الفني اللبناني وسيتمّ التعاون مع مخرج لبناني كبير وأفضّل عدم البوح بتفاصيل أخرى قبل أن تكتمل الفكرة عندي.

هل سيشبه فيلمك الأخير “غدي”؟

أبدا، فهو من نوع الكوميديا السوداء. وهذا كل ما استطيع قوله حالياً.

 وعلى صعيد المسرح ما هو الموضوع الذي ستتطرَق اليه هذه المرَة؟

 العمل المسرحي سيتناول موضوع التفكك الأسري في لبنان لأنه هاجسي الأكبر في الوقت الحالي. أنا خائف من تفكك الروابط الأسرية وأعتقد أنَ لتحرّر المرأة الدور الأبرز في ذلك. ففي السابق كانت تتعامل مع المشاكل الزوجية بطريقة فيها ليونة أكثر محافظة بذلك على دورها في ترابط الأسرة.  أمَا اليوم، بشهاداتها وبعملها اصبحت أكثر استقلالية من ذي قبل واصبحت مَن كانت تقول في السابق “اذا فلّيت وين بدي روح، كيف بدي عيش؟” تتحدَى الرجل وترحل مساهمة بذلك في تكاثر عدد العائلات المفكَكة. وهي اليوم في رأيي الشخصي اصبحت رأس البيت في أغلب الاحيان في ما يقارب 70% في لبنان وان لم تكن موجودة في البعد الاول (الصف الأمامي) أي بعكس ما نتخيل، فهي الحاكمة في المجتمعات اللبنانية خصوصا وفي بعض المجتمعات العربية..    

ألا تعتقد أن جمعيات المجتمع المدني وحقوق المرأة قد يزعجهم هذا الموضوع وطريقة تناوله في مسرحيتك؟

 لم أتطرّق الى الفكرة بشكل مسيء الى المرأة أو الى أي من الجمعيات، بل تناولته بشكل موضوعي واضعا الاصبع على الجرح لا أكثر. وأنا أتحدّث عن التفكك الأسري بشكل خاص متطرّقا الى الاسباب ومنها فقدان الاحترام بين الشريكين واختفاء اللُحمة بين الناس.

    بين المسرح والسينما، أين يجد جورج خبَاز نفسه أكثر؟

 التلفزيون والسينما ، مرتبطان ويساهمان في الشهرة والانتشار بشكل أكبر وأسرع، ويساهمان في تخليد الأعمال من خلال توثيقها. إنما يبقى المسرح هو الأقرب الى القلب لأنه يضع الفنان أمام جمهوره بشكل مباشر فيتواصل معه ويتفاعل معه ويرى في ردَة فعل الناس نجاحه أو اخفاقه. ولا انكر طبعا فضل الشاشة الصغيرة علي التي ساهمت في نشر نجاحي حتى تابعني الجمهور على خشبة المسرح ومن ثم في السينما. ويوماً ما سأعود الى التلفزيون ولكن بعمل جديد يُشكل اضافة الى مسيرتي..    

   ما رأيك بالنهضة السينمائية في لبنان؟

وأي من الأفلام التي تابعتها وتركت فيك انطباعا ما؟

 نهضة!! هي ليست بنهضة.. انما حركة سينمائية عادية.. هنالك فرق كبير بين حلقة تلفزيونية تُعرض في الصالات والفيلم السينمائي. فيلميين او ثلاث يستحقون دخول السينما اما البقية فهي افلام تلفزيونية تم عرضها في الصالات لا اكثر وأنا احببت “قصة ثواني” و “عصفوري” أما الباقي، أقصد الأكثرية، هي مجرد افلام تلفزيونية من حيث النص، الاخراج وحتى التقطيع السينمائي..  كيف يمكن لصوت الفن أن يؤثّر في تغيير المجتمع؟  لا يستطيع الفن أن يغيّر شيئا في المجتمعات وهو بالكاد يضع الاصبع على الجرح.. يمكننا القول انه يطرح جدلية معينة قد تُحدث تأثيراً على المستوى الفردي ولكن ليس على مستوى مجتمع كامل..  

  من خلال أعمالك ومعالجتك الكوميدية للأوضاع ما هي أهم المواضيع التي تؤثر بجورج خبَاز الفنان ولم يتناولها بعد؟  اولاً، اللاانسانية موجودة بكل اوجهها، انطلاقا من عدم تقبل الآخر على اختلافه الى أبسط حقوق الانسان وهذا موضوع يزعجني كثيراً.  اما هاجسي الثاني وهو رأسمالنا الوحيد في هذا الشرق، العائلة.. أخاف أن يتوسع التفكك لأن مجتماعاتنا غير مهيأة لهذا النوع من الترشذم العاطفي المتعلّق بالعائلة وهذا ما يميّزنا كشرقيين وكلبنانيين خصوصا عن بلدان الغرب. فالرابط بين الناس في لبنان هو اسري بامتياز، له سلبياته ولكن ايجابياته اكثر بكثير في ظل عدم استقرار النظام فيه. في اوروبا مثلاً، ان توقفت عن العمل تنام في الشارع بينما في لبنان اذا توقفت عن العمل سنتين وحتى ثلاث أو ربما أكثر، تتناول الطعام عند خالتك، عمتك.. ولكنك لن تكون وحيدا، وهذا هو الشيء الإيجابي عندنا.  وأنا شخصياً حر في اختياراتي واسكن بمفردي، لكنني اقوم دائما بزيارة أهلي وقضاء الوقت معهم لكي أتغذى من عاطفتهم ومن دعمهم.  

هل تتابع المونديال؟ وما هو تعليقك على عدم احقية لبنان في بث مباريات كأس العالم؟  

انا مهووس بكرة القدم لاني امارس هذه الرياضة ولا أكتفي من متابعة المباريات انما اشاهد التحليلات التقنية للمباريات على القنوات الاوروبية. وأنا أشجّع منتخب البرازيل.  أما بالنسبة لمشكلة بث المونديال فأنا أقول عيب.. الا يحق للفقير العيش في هذا العالم؟

ولكن لا ذنب للشعب إن كانت الدولة قد سمحت باختراق فضائها من دون علمها حتى فُرضت تلك الشروط وقتها على المشاهد اللبناني.

 ولم تفضّل متابعة المباريات على القنوات الاوروبية؟

 اشاهدها احياناً على تلفزيون لبنان، لكن المعلقين الاوروبيين يؤدون بشكل علمي، منطقي بعيد عن التعليق العاطفي  بعكس المعلّقين العرب. أما بعد المباريات أحب متابعة التحليل الذي تعرضه قناة TF1.  وإذا قيَمنا التعليق العربي على المباراة بين الجزائر والمانيا على سبيل المثال، شعرنا يومها وكأنَ الحرب وقعت كون الفريق الجزائري الذي شجَعناه كلّنا الفريق العربي الوحيد في كأس العالم.

 وما تعليقك على عنوان “الحرب الأهلية ستقع في حال المواجهة بين الفريقين الالماني والبرازيلي” على فايسبوك؟

 “ما بدها هلقد”.. الناس يحتاجون الى التعبير وهم بحاجة لأن يصرخوا دون أن يُنعتوا بالجنون ولعبة كرة القدم هي الوسيلة الأفضل لذلك وأنا اتفهّم هذه الحاجة لديهم. وليت هنالك مباريات كروية كهذه  تُعرض سنوياً لكي تلمَ شمل المشجعين من مختلف الاطراف السياسية  8 و14 ولكن حينها سيخفّ وهج المونديال.  

كلمة أخيرة  تحب أنَ تتوجَه بها لقراء موقعنا والشباب الذين يطمحون دخول معترك الفن التمثيلي؟

 أود ان أقول لهم ان سلاح الانسان الوحيد هما المعرفة والمحبة، وبغير ذلك لن نصل الى اي مكان. الانسان يبقى انساناً مهما اختلف دينه او لونه.. وأتمنى ان يتذكروا ان هذا الوطن (لبنان) لنا كلنا واملنا ان نعيش فيه معا. وأنَ كنز لبنان فكر شعبه وثقافته إذ أنه لم يعد لدينا الكثير لنتحدّث عنه حتى طبيعته المميزة قضوا عليها.. لذا اتمنى ان يهتموا بالفكر وبالثقافة لكي يبقى اسم لبنان موجودا على الخريطة العالمية. ولطلَاب الفنون والمسرح أقول أنَ الموهبة هي نعمة الهية وهي أساس للنجاح، ولكن علينا صقل هذه الموهبة بالعلم وبالثقافة لكي نرقى معها ويرتقي بها وطننا ومجتمعنا.