بكثير من اللهف، ينتظر اللبنانيون انتخاب رئيس للجمهورية ليحلّ محلّ الفراغ الذي يسيطر على قصر بعبدا منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان في 25 أيار 2014، بعد أن طالت الفترة. صحيح أنّ التقليد المتبع لانتخاب رئيس كان قد تحدّد في شهر أيلول، لكنه كُسِر أكثر من مرة (1)، وفي الفترة الاخيرة تم “تفتيته” بحيث لم يعد يعرف اللبنانيون موسم انتخاب الرئيس، فهل يكون في الصيف أم في الشتاء؟
من يسمع كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري في الايام الاخيرة، يغمره بعض الامل ويمنّن النفس بامكان الوصول إلى اتفاق يؤدي إلى انتخاب رئيس في موسم الشتاء ولو في غير موعده التقليدي. ولكن من يسمع ما يدور في كواليس الدبلوماسيين والسياسيين ويقرأ المعطيات الاقلميية والدولية، يعتريه شعور بأنّ موسم الرئاسة لن يكون في الشتاء، وقد نعود ربما إلى نغمة الرئيس الصيفي أو على الأقل الربيعي…
وما يعزز الفرضية الثانية، هي أنّ الدعوة إلى الحوار الداخلي التي بدأت تظهر ملامحها، جيدة ومطلوبة، ولكن التجارب الكثيرة التي خاضها اللبنانيون أكدت أنّ الحوار هو مسار طويل قد يثمر وقد لا يثمر، وقد وصفه البعض بأنه الطريق الأطول لتمرير الوقت ريثما تنضج المعطيات ويزول الضباب عن نتائج الاتصالات والمفاوضات، أو العمليات الميدانية.
هذا بالنسبة إلى الحوار الداخلي، وإذا سلمنا جدلاً بأنّ الموضوع الوحيد الذي سيناقش هو موضوع الانتخابات الرئاسية. أما بالنسبة الى الحوار الاقليمي والدولي، أي بمعنى أوضح المحادثات بين ايران والولايات المتحدة والغرب، أو تلك التي يتم التحضير لها بين ايران والسعودية، فما هو مجهول أكبر بكثير مما هو معلوم.
ويكفي أن نذكر أنه منذ أن أعلنت الولايات المتحدة عام 2009 انضمامها إلى المفاوضات الغربية-الايرانية حول الملف النووي الايراني، والمسألة تراوح مكانها، فلا طهران تعبت من تبرير نفسها والتمسك بمطالبها، ولا واشنطن افتنعت بأن الوقت حان لانهاء هذه المسرحية التي طالت، فيما يستفيد الطرفان خلال هذا الوقت الضائع من بعض “التسويات” التي تصب في مصلحتهما معاً وفي أكثر من بقعة في العالم.
وفي ما خصّ الحوار الايراني- السعودي لو قدّر له أن يحصل، فهو سيأخذ وقته أيضاً لانه سيكون ركيزة يرغب الجميع في أن يتمّ البناء عليها من أجل مسار واضح لايران مع الدول العربية في الخليج يطمئن الطرفين ويضع حدوداً يحترمها الجميع.
وبالعودة إلى لبنان، فإنّ هذه العوامل كلها تشير إلى أنّ الرئيس المقبل للجمهورية قد يتمّ إنجابه في فصل الصيف، وحتى هذا الوقت سيعيش اللبنانيون على أمل أن يتمّ حصول خرق ما إما على الصعيد الدبلوماسي والسياسي، او على صعيد الامن (شرط ان يكون ايجابياً بالنسبة الى لبنان واللبنانيين) فتعود الحياة الى قصر بعبدا “المنسي” في الآونة الاخيرة.
وعليه، بات الكثير يرغبون في معرفة الشهر الذي سيتم فيه انتخاب الرئيس، وهل سيكون مطابقاً لاحد الاشهر التي شهدت انتخاب رئيس لبناني أم سيطلّ شهر جديد ليضاف إلى روزنامة اشهر انتخابات الرئاسة في لبنان.
متى سيتم الزرع ليحين موسم الحصاد؟ هذا ما لا يمكن لاحد الاجابة عليه، وتبقى الآمال معلقة على الا يلتقط الموسم الرئاسي عدوى التسمم والفساد الغذائي فيحين موعد القطاف انما تكون الثمرة مسممة او فاسدة…
(1) منذ الاستقلال، وبعد الحكومة العسكرية التي تولت مهام رئاسة الجمهورية اثر استقالة الرئيس بشارة الخوري، انتخاب رؤساء الجمهورية في 23 ايلول الى ان انتهت ولاية الرئيس الراحل الياس سركيس. وسادت اوضاع صعبة ادت بعدها بشهر (23 آب) الى انتخاب الرئيس الراحل بشير الجميل، وبعد اغتياله خلفه شقيقه امين واعاد موسم الانتخاب الى سابق عهده (23 ايلول).
ولكن بعد الحكومة العسكرية التي تولى رئاستها العماد ميشال عون، انتخب الرئيس الراحل رينيه معوض في 5 تشرين الثاني، وبعد اغتياله انتخب الرئيس الراحل الياس الهراوي في 24 تشرين الثاني، وهو الموعد نفسه الذي انتخب فيه الرئيس اميل لحود.
وبعد فترة الفراغ، انتخب الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار.