اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الإثنين، أن قوانين الأحوال الشخصية في لبنان تتضمن “تمييزا ضد المرأة”، ودعت البرلمان إلى تبني قانون “مدني اختياري”، يضمن حقوقاً متساوية لجميع اللبنانيين الراغبين في الزواج، والحكومة إلى ممارسة إشراف على المحاكم والسلطات الدينية.
جاء ذلك في تقرير أصدرته المنظمة الحقوقية الدولية الاثنين، ونشرته على موقعها الإلكتروني بعنوان “لا حماية ولا مساواة: حقوق المرأة في قوانين الأحوال الشخصية اللبنانية”، يتألف من 114 صفحة.
وقالت المنظمة إن “قوانين الأحوال الشخصية القائمة على الديانة في لبنان تميز ضد المرأة عبر جميع الطوائف الدينية، ولا تضمن لها حقوقها الأساسية”.
وأوضحت أنه في لبنان “15 قانوناً منفصلاً للأحوال الشخصية لطوائفه المعترف بها، في غياب قانون مدني لتنظيم مسائل مثل الطلاق أو حقوق الملكية أو رعاية الأطفال”.
وأشارت إلى أن هذه القوانين “تدار من خلال محاكم دينية مستقلة بغير إشراف حكومي يذكر”، معتبرة أنه “كثيراً ما تصدر أحكاماً تنتهك الحقوق الإنسانية للمرأة”.
ورأى التقرير أن قوانين الأحوال الشخصية عبر جميع الطوائف “تنصب الحواجز أمام السيدات أكثر من الرجال الراغبين في إنهاء زيجات تعيسة أو مسيئة، أو في بدء إجراءات الطلاق، أو ضمان حقوقهن المتعلقة بالأطفال بعد الطلاق، أو تأمين حقوقهن المالية من زوج سابق”.
واعتبر أنها “تنتهك أيضا حقوق الأطفال، ولا سيما ضرورة أخذ مصالحهم الفضلى في الاعتبار في أية قرارات قضائية تتعلق بمصيرهم”.
من جانبه، قال نائب مدير قسم الشرق الأوسط في المنظمة نديم حوري في بيان، إن “المرأة تلقى معاملة جائرة على طول الخط، ولا تحظى حقوقها وأمنها بأية حماية”، معتبرا أن “تبني قانون مدني اختياري للزواج، إضافة إلى الإصلاحات المطلوبة بشدة في قوانين الأحوال الشخصية والمحاكم الدينية القائمة، بات ضرورة مستحقة منذ وقت طويل”.
ووفقا للتقرير، قامت المنظمة “بتحليل 447 حكماً قضائياً حديثاً، أصدرتها محاكم دينية تنظر قضايا الطلاق والحضانة والنفقة الزوجية ونفقة الأطفال، وأجرت مقابلات مع محامين وقضاة وأخصائيين اجتماعيين ونشطاء وسيدات خضن معارك الطلاق أو الحضانة أمام محاكم دينية”.
كما راجعت “243 من قضايا الطلاق، ووجدت تمييزاً ممنهجاً ضد المرأة، بما في ذلك بسبب قصور توصلها إلى الطلاق أو إجراءات المحاكم التي تثقلها بأعباء مالية وتنصب أمامها الحواجز عند إنهاء الزواج وحماية حقوقها”.
واستشهد التقرير برواية سيدة من بين اللواتي أجريت معهن مقابلات، وهي “ميراي”، وهي سيدة مارونية (طائفة مسيحية)، “احتملت سنوات من الإساءة البدنية ولم تطلب الطلاق إلا بعد بلوغ أطفالها سن الرشد، بسبب أحكام الحضانة التمييزية”، حيث قالت “أجبرت نفسي على تحمل ما لا يحتمله البشر، كل الظلم والعنف. وكانت بناتي، وهن روحي وحياتي، هن السبب الرئيسي… لم أستطع احتمال مجرد التفكير في فقدانهن”.
ونوه التقرير إلى أن “سبعة من السيدات الـ27 اللواتي أجرت معهن هيومن رايتس ووتش المقابلات، وكن راغبات في إنهاء زيجاتهن، قلن إنهن لم يلجأن للمحاكم الدينية لطلب الطلاق نظراً لعدم امتلاكهن القدرة المالية على تحمل تكاليف إجراءات المحاكم أو خشية فقدان حراسة أطفالهن”.
ولفت التقرير إلى أنه “عند مراجعة 101 من قرارات المحاكم المسيحية والإسلامية والدرزية، وجدت هيومن رايتس ووتش، أنه رغم قيام القضاة في أغلب الأحيان بتطبيق سن حضانة الأم بغير التفات إلى ما يمثل مصلحة الطفل الفضلى، إلا أن بعض القضاة، وخاصة في المحاكم المسيحية، والسنية، أظهروا الاستعداد لإيلاء الاعتبار لذلك العامل”.
ونوه إلى أن “المحاكم الدينية، نادراً ما كانت تنظر في سلوك الأب عند الفصل في قضايا الحضانة، بينما كانت تدقق في سلوك المرأة بطرق تعكس تحيزات أو تنميطات اجتماعية”.
وفي ختام التقرير اعتبرت المنظمة أن منظومة الأحوال الشخصية اللبنانية الراهنة “منتهكة حقوق المرأة الإنسانية، بما فيها الحق في عدم التمييز، والمساواة عند الزواج وعند حله، والحق في السلامة البدنية وفي الصحة”، مؤكدة أن “جميع هذه الحقوق مكفولة بموجب العديد من المعاهدات الدولية الحقوقية التي صدق عليها لبنان”.
وطالبت “رايتس ووتش” البرلمان اللبناني بـ”تبني قانون مدني اختياري يضمن حقوقاً متساوية لجميع اللبنانيين الراغبين في الزواج بموجبه”، وحثت الحكومة على “ممارسة إشراف على المحاكم والسلطات الدينية، لضمان امتثالها للالتزامات الحقوقية وتوفيقها مع التزامات لبنان الحقوقية الدولية، بما يضمن للسيدات والرجال حقوقاً متساوية في جميع قضايا الأحوال الشخصية”.