الفنان الاوبرالي العالمي غابريال عبد النور: لا يزال هناك من يثّمن ويقدر هذا النوع من الغناء الراقي في ظل موجة الفن الهابط

لا تعليق
آخر الأخبارمقابلات
2
0

إعداد وحوار: منى العريضي

تصوير: أكرم الشامي

  الإنسان بُستانٌُ حيّ، فرش الله في كيانه بذوراً من  الجمال والحب والعطاء وبعث فيه الحياة ليتمكن من تجسيدِ شيئاً من مزايا المبدع الأول.. الإنسان رسالة محبة ..وطوبى لمن أحسن قراءتها وجعل من الهبة الربّانية، ثورة في عالم الموسيقى والغناء الاوبرالي يروي بها الروح من نبع العطاء الذي لا ينضب.

لم يقطع غابريال عبد النور مسافات العالمية بل استقدم العالمية الى عقر دارنا، مرسخاً ثقافتنا العربية في عمق اللحن العالمي، محققاً العولمة الموسيقية من غير توقيع اتفاقيات دولية ومعاهدات .. بل اكتفى بتوقيع  اسمه إلى جانب عمالقة الشعر على ثلاث أعمال فنية كان اولها إحياءً لروح الأديب “جبران خليل جبران” وثانيها أنار ” قمر بيروت” وثالثها” غنيت” متصدراً قائمة المبيعات بين الفنانيين اللبنانيين والعرب.

ولكي نرتقي معاً الى عالم الموسيقى الكلاسيكية والغناء الاوبرالي، التقينا بالفنان غابريال عبد النور في اليرزة حيث خصصنا بحوار مُرفق بالإبتسامة  ورّقة الكلام … والتحيات!

أولاً: مبارك العمل الجديد ألبوم” غنيت” الذي وقعته مؤخراً وقد جاء إهداءً لروح الشاعر الراحل الياس ناصر الذي وصفته شركة الإنتاج  Right Track بالعمل الجبّار ..ماذا يقول غابريال عبد النور في هذا الإطار؟

أعتّز كثيراً بهذا العمل كونه يحتوي على جزء كبير من المناجاة، دوّنها  الشاعر الياس ناصر آواخر أيامه، في جو من الروحانية وكأنه كان يدري إنه سيلتقي الرب قريباً . وكان لدينا حلم بإنتاج عمل جديد يجمع  بين اللهجة اللبنانية والألحان العالمية وذلك كتبادل للثقافات، ويكون عملاً منفتحاً  على العالم ذات كلمات تعبّر عن صميم واقعنا أُضيفت على الحان عالمية، فكان الألبوم الذي يحمل إسم ” غنيت”  هو العمل الثالث ” بعد “جبران خليل جبران” و ” قمر بيروت”.

تعاونت مع الشاعر الياس في انجاز عدد من الأغنيات ولكن وافته المنية قبل إنهاء الألبوم وتوقف العمل كلياً، ولكن ما لبثنا ان أعدنا إحياء الفكرة من خلال قصيدة كتبها الراحل لزوجته “منى”  بمناسبة عيد الحب، حيث تعاونت مع السيدة ” ام زياد ” لإخراج هذه الثروة الشعرية من عزلتها ويكون بمثابة إهداء لروح الشاعر ناصر في ذكرى السنوية الاولى على رحيله الذي تُوج ب 14 اغنية … 12 منهم من دواوين الشاعر الياس ناصر بصياغتي الخاصة تتناسب مع الألحان العالمية ”  شوبرت، شوبان، بيتهوفن، بوتشيني، تشايكوفسكي، هاندل وغيرهم من الموسيقيين العالميين. بالإضافة الى أغنيتين هما “انت رفيقي يا صديقي” كلمات الياس ناصر والحان وغناء عازار حبيب وهو رفيق درب الياس ناصر الذين قدموا معاً اجمل الأعمال  بتاريخ الأغنية اللبنانية ،فأعدت غناء هذه الأغنية مرفقة بعزف على البيانو وكانت بمثابة هدية للإثنين معاً… بالإضافة الى نشيد السلام الذي أنشدته  خلال جولتي “شعلة السلام” في لبنان والعالم العربي بدءاً من عام 2013 ولا زال مستمراً.

2- كنت قد فقدت الأمل بعد رحيل الشاعر الياس ناصر وقلت ” الحلم انكسر” ولكن سرعان ما تحول هذا الإنكسار الى تحدي وكانت أغنية ” غنيت” دليل على ذلك … أخبرنا عن الحلم الأكبر وكيف بدأ ؟

 بدأ الحلم الكبير منذ طفولتي، منذ المرة الأولى التي وقفت فيها على مسرح مدرستي وكنت بعمر ثماني سنوات. لطالما تأثرت بالغناء الأوبرالي العالمي ووضعت هذا الحلم نصب عيني، وقد بدأت الغناء مع الكورال في المنطقة والكنيسة. بدأت الغناء الأوبرالي العالمي في عديد من الأمسيات  تزامناً مع تخصصي بعلم النفس في الجامعة وقد قدمت الكثير من الحفلات خلال استضافة لبنان للقمة الفرنكوفونية، التي أديت خلالها اغاني  بتسع لغات وكان كتكريم لكبار رموز الأغنية الفرنسية بصوتي.

ومن ثم كان علي ان أختار ما بين الهجرة لإكمال حلمي في الخارج وبين البقاء في وطني الأم والعودة للغناء الشرقي، فدرست التجويد وبدأت ابحث عن كيفية الإستفادة من التقنية العالمية بأغنيات عربية ومن هنا بدأ حلم ” غنيت ” وهو عبارة عن مزيج من الالحان العالمية المغناة بلغات عالمية حيث تم إسقاط عليها كلمات شعرية بلغتنا.. وتقصّدت أدخال آلالات من صلب أجوائنا الشرقية ( كالناي والقانون( .

3- حدّثنا عن الشاعر الراحل منير عبد النور والتعاون مع إبنته ندى؟

من الأسماء التي منحت الأغنية اللبنانية اعمال خالدة مثلاً ” يا حبي لي غاب ” ” موعدنا أرضك يا بلدنا” و ” ولا مرة كنا سوى” … لقد تعرفت على ابنته ندى من خلال مشاركتها بإعداد برنامج ” الو بيروت ” على تلفزيزون الجديد مع الإعلامية سينتيا الأسمر وقد تم تصوير ريبورتاج انذاك عن الألبوم جبران خليل جبران في حلقة كانت مخصصة لتكريم الأديب جبران.. فعلمت حينها ان ” ندى” شاعرة وقد تعاونا في الألبوم الثاني ” قمر بيروت” .. وندى هي من وطدت معرفتي بالراحل منير عبد النور من خلال دواوين شعره وقصائد مغناة وقد جمعتهم ندى ضمن كتاب يحمل عنوان ” كرمال عينيكي” .. وللأسف لم احظ بمعرفة الشاعر منير عبد النور شخصياً ولكن عرفته فقط من خلال اعماله الرائعة.

4- غنيت الميلاد، السلام، الحب، الشوق الشهادة( اغنيات خاصة للشهداء فرنسوا الحاج وجبران تويني ) كما غنيت للمرأة وللمارتون ( يلا نركض .. )  ولكن أحد لم يخطر بباله بأداء اغنية تحمل إسم ” فيروز  ” مختصرة السيدة فيروز في ختام الأغنية ” فيروز لبنان”.

بالنسبة للشاعر الياس كان صوت السيدة فيروز صوتاً إستثنائياً، أحبه وأحب آدائها وجاءت المقطوعة الشعرية تعبيراً عن ذلك. وعندما عدت لإختيار الأغاني وجدت النص وقد افرحني ما كتبه الشاعر الياس معبراً في كلماته عن محبته لسفيرة النجوم، وقد عملت على إيجاد لحن يتناسب مع النص حيث وقع الإختيار على قطعة من الحان شوبان فكانت الأغنية ” فيروز صوتها بالدني ملعلع همس مثل الشمس…” وختمت الأغنية ب” فيروز لبنان”. وهذه الأغنية جداً متواضعة أمام جمالية صوت السيدة فيروز الذي لو لم يمنحنا إياه الرب  لكان في هذه الدنيا نقص ما لا محالة.

5- حملت شعلة السلام عام 2013 وانطلقت من السراي الحكومة مضيئة إياها بمعية رئيس الوزراء آنذاك نجيب ميقاتي وجلت فيها باتجاه وزارة الدفاع وجنوب لبنان( قوات حفظ السلام) وصولاً الى حلب والمغرب .. وغيرهم .. هل حققت هذه المبادرة اهدافها حتى اليوم بمكانٍ ما او غيرت شيئاً يُذكر؟

–       لا ادري إذا كانت هذه المبادرة حققت شيئاً ما او تغيير انما ما اعرفه هو مشاركة الكورال الأطفال بأعداد ضخمة في كل مكان ضمن الجولة سواء كان في لبنان او  في المغرب وطرطوس وحلب كان هناك كورال أطفال أتوا من كل المناطق على مختلف انتماءاتهم ومذاهبهم. بالنسبة لي أعتبر اني حققت إنجازاً في غرس شيء من ثقافة السلام في نفوس الأطفال الذين شاركوني الإحتفالات بشغف وفرح كبيرين وقد ظهر جلياً خلال آدائهم وامتنان ذويهم، وهنا تكمن الإيجابية في هذه المبادرة فضلاً عن الصحافة التي رافقتني في هذه الخطوة.. فقد حاول البعض القيام بنشاطات مشابهة من بعد مبادرة شعلة السلام، ولكن آمل ان لا تنحرف هذه النشاطات عن الهدف الحقيقي الا وهو نشر السلام وانتصار الإنسانية، وأن لا تُستغل هذه الشعارات لتصبح مكسباً مادياً وتجارياً.

– بالحديث عن المادة والتجارة، تشدد كثيراً على عدم الخلط بين الفن والتجارة وتقول احياناً المادة والفن لا يلتقيان.

–       احياناً نعم، ولكن في كثير من الأمور نحن بحاجة للمادة لتغطية تكاليف الحفلات لا سيما النمط الذي أقدمه “الغناء الأوبرالي” الذي يتطلب الكثير من التجهيزات ومع ذلك يجب ان لا يُنسينا المال المضمون الأساسي لعملنا … فالجوهر الحقيقي للفن هو العطاء بمحبة وليس بالتجارة.

6-  غالباً ما تبدي تعاطفك مع قضايا إنسانية وتطلق مواقف مؤثرة حول كل ما يجري من أحداث في لبنان والمنطقة .. واخر المواقف حول الأضرار التي لحقت مدينة حلب وآثارها.. ماذا فعلت كفنان لبناني عربي وعالمي حيال هذه الأحداث؟

–       في أول زيارة لي الى حلب عام 2008 بدعوة من مديرية الثقافة بعد صدور الالبوم الأول جبران خليل جبران، اكتشفت مدينة رائعة جداً بعد ان كنت قد سمعت عنها الكثير ولا سيما انها كانت تُسمى مدينة الطرب والقدود الحلبية .. فقد لمست فيها مدينة “المتحف الحيّ ” .. كل زاوية من حلب كنت أراه  معلم أثري .. لدرجة كنت ارى سماء حلب الاكثر جمالاً .. والجدير ذكره في ذاك الوقت كان يرافقني في هذه الجولة صديق لي وهو ملحق إعلامي سألني سبب تأثري الشديد بتلك المدينة فقلت له :” لدي شعور مخيف .. كأني اشعر ان ما حصل في بيروت سيحدث في حلب… فاجابني” هذا مستحيل .. سوريا بلد آمنة ولا يمكن ان يتكرر مشهد بيروت هنا”. ومع الأسف حصل ما كنا نخشاه، واقول من خلال قرائتي وعبر التاريخ ان الغيرة تلعب دوراً ضد الحضارات العريقة وكأنه هناك سياسة معينة شأنها تدمير حضاراتنا وتاريخنا وكل شيء جميل، من مكتبات وآثار ومتاحف وغيرها من المعالم التاريخية .. سواء في العراق او سوريا ومصر مؤخراً على أثر الإنفجار الذي وقع تحديداً امام متحف مصر الشهير .. وكذلك فندق الكارلتون في حلب..  نعم تلك المشاهد تؤلمني لذلك أطلقت صرخة تحت شعار” أنقذوا حلب ” فقد استهدفوا جامع الأموي الذي عمره 1300 سنة، وكذلك كنائس ام الزنار والأربعين شهيد، وغيرهما الذين لا يقل عمرهم عن  1700 سنة ..وانا هنا اسأل كيف الناس لا تحرك ساكناً وكذلك حكام العرب الذين اقل ما يمكنهم فعله هو إنقاذ ما تبقى من حضارة بلادنا العربية طالما أنهم لا يستطيعوا إيقاف الحرب وتجارة الإسلحة. انا اقول هذا لأن اعتبر  ان الإهرامات ليست فقط للمصريين وبعلبك ليست لللبنانيين، فقط وكذلك كل معالم الآثار الموجودة في عالمنا العربي .. والمحافظة عليها واجب علينا كلنا لذلك كانت حملة ” انقذوا حلب”. والجدير ذكره اننا تحدينا الخطر وذهبنا الى طرطوس وأحيينا حفلة شاركت فيها كلّ من الشاعرة والفنانة التشكيلية” باسمة بطولي” والشاعرة “سهام الشعشاع” بإسم السلام ضمن أجواء الميلاد…ووجهنا رسالة للعالم رغبة الشعوب في بسط السلام ولا شيء سوى السلام.

انا حقاً أشعر بالحزن حيال الاماكن التي ابدع فيها المتنبي وسيف الدولة وابو فراس الحمداني، اولئك العمالقة في عالم الشعر والثقافة ان يلحقها الدمار بهذا الشكل الهمجي.

7- لبنانياً، هل ترى في الأفق رئيساً جديداً ام فراغاً دستورياً وما هي مواصفات الرئيس الذي تتمناه كمواطن لبناني؟

اتمنى ان يكون رئيساً لديه شخصية مميزة وصاحب موقف وحضور .. وقريب من العنصر الشبابي ويكون راعي لطموحات واحلام الشباب .. واظن سوف يُنتخب رئيساً جديداً قريباً لأن هناك مساعي جدية للحؤول دون الدخول بالفراغ الدستوري.

–       هل لك نيّة بدخول معترك السياسة يوماً ما إذا عُرض عليك اي منصب رسمي؟

كل شيء استطيع  ان اخدم فيه الثقافة سيجدونني حاضراً سواء في منصب او من دونه، لأنني أؤمن بقضايا الإنسان والثقافة التي هي  وجه من وجوه حضارة الأوطان… وانا اعتبر أنني قدمت من خلال مبادرة شعلة السلام  خدمة للشعوب  من دون أي منصب رسمي في الدولة لأن لا أهمية للمناصب إذا لم تؤدِ وظيفتها الا وهي خدمة الإنسان.

8 – تخصص اهتماماً واضحاً لأهل الإعلام والصحافة وربما من الفنانيين القلائل الذين تجمعهم صداقة قوية مع الصحافة وقد ظهر ذلك جلياً خلال  حفل توقيع ألبوم ” غنيت ” مؤخراً.. هل تعتبر الإعلام أنصف غابريال عبد النور الى حد اليوم؟

لقد شكل تواجد الإعلام بشكل كثيف في حفل توقيع الألبوم ” غنيت” في ال” “Virgin Mega store صدمة وفرح كبيرين، وبالفعل تقّصدت التقاط صورة تذكارية معهم اولاً تقديراً لهم على جهودهم واهتمامهم. هذا الأمر أكد لي انه لا  يزال هناك أمل بوجود من يثّمن ويقدر  هذا النوع من الغناء الراقي في ظل الظروف الفنية غير الصحية وإتجاه الجيل الجديد نحو اختيار ثقافة موسيقية مخيفة وهابطة.

–       بالمقابل هناك من يوجه الإتهامات إلى وسائل إعلامية كبيرة في لبنان وهم يمثلون اليوم امام المحكمة الدولية.

–       مع الأسف .. مع الأسف.

9– هل من أعمال جديدة ستبصر النور قريباً لدى غابريال عبد النور؟

أتطلع نحو إنتاج ألبوم ميلادي، لأنه منذ بدأت مشواري الفني كنت أقدم كل عام حفلات ميلادية مع كورال أطفال، في قصر الأونيسكو بمشاركة العديد من المدارس والأندية، ونظراً لنجاح تلك الحفلات، أصّر الجمهور والأصدقاء على  إنتاج ألبوم خاص بالميلاد وهذا ما سيحصل بإذن الله.

وسنعتمد على الألحان العالمية، أما كلمات الأغاني سيؤخذ بعضٌ منها من دواوين الشاعر الياس ناصر وسأتعاون في هذا العمل ايضاً مع الشاعرة سهام الشعشاع وندى عبد النور.

10- كلمة أخيرة

تحية لأسرة مجلة الديمقراطية وسعيد بهذا اللقاء وسعيد باللقاء معك تحديداً منى .. وانا اعلم جيداً بالنشاطات التي تقومين بها التي من شأنها أن تصب في خدمة  الثقافة. في الختام اتمنى السلام والإستقرار للبنان وللعالم العربي .. اتمنى رئيساً للجمهورية يلبي طموحات اللبناننين .. واتمنى ان يتوقف حمام الدماء وجلجلة الألم التي رافقت طفولتنا وشبابنا. أشمل في صلاتي اليوم كما كل يوم سوريا الجريحة التي لها معّزة خاصة لدي وأسأل الله الفرج عن الإنسان الذي يقتلونه في داخلنا كل يوم بهشاشة أفعالهم.