بمناسبة عيد الأستقلال اقيمت ندوة في مقر بلدية مدينة الشويفات بعنوان: “دور الأمير مجيد أرسلان في انتزاع الإستقلال”، حاضر فيها عضو المجلس الوطني للإعلام المفكر السياسي الدكتور حسن حمادة، إلى جانب رئيس لجنة التاريخ والعلاقات الدولية في المعهد العالي للدكتوراه البروفيسور وليد عربيد، بحضور فعاليات الشويفات والمنطقة.
بداية أكد عربيد على أهمية المناسبة في هذه الظروف التي يمر بها لبنان والمنطقة، راجياً أن تتمكن القوى السياسية اللبنانية من فهم معاني الإستقلال، وبالتالي عدم التفريط بلبنان الذي خاض من أجله الأمير مجيد ورفاقه معركة إستقلالية حقيقية.
من ناحيته ركز حمادة على فكرة أن إستقلال لبنان لم يُمنح كما يظن البعض وإنما إنتُزع إنتزاعاً من أيدي المستعمرين الفرنسيين، وقد كان الأمير مجيد ورفيقيه حبيب أبي شهلا وصبري حمادة في وسط الحدث، وهما الشخصيات الثلاث التي لم تتمكن فرنسا من إعتقالهم بعد أن إعتقلت باقي أعضاء الحكومة، بالإضافة الى رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح وحجزتهم في سجن قلعة راشيا.
وتطرق حمادة الى الظروف السياسية والوقائع التاريخية التي ميزت مرحلة الإستقلال على المستوى العالمي والإقليمي واللبناني. فعالمياً كانت فرنسا “فيشي” المستعمرة في لبنان قد تقهقرت دولياً وأصبح إنتصار حكومة فرنسا الحرة بقيادة ديغول حتمي، ما يعني أن الحكومة المستعمرة للبنان، أي حكومة “فيشي” قد أصبحت حكومة غير شرعية بل خائنة ومتعاملة مع الحركة النازية الهتلرية الإلمانية. هذا الواقع أدى الى مجابهات بين الفرنسيين الديغوليين والبريطانين وجيوش حكومة “فيشي” الموالية لألمانيا على الأراضي اللبنانية، وهو العامل الدولي الذي دفع بالأمير ومجيد ورفاقه الى ترجمته من خلال الثورة المجيدة التي سعوا اليها لإستقلال لبنان من خلال فهم كيفية إستغلال هذه الفرصة الذهبية للتناقضات القائمة بين اللاعبين الدوليين في لبنان.
في تلك الآونة، حسب حمادة، تلقى الأمير مجيد ورفيقيه عرضاً من الجنرال إدوارد سبيرز يقتضي بتقديم طائرة حربية لنقلهم الى مصر، وكانت تحت الإدارة البريطانية، حيث سوف يتمكنوا من تشكيل حكومة في المنفى حتى لا يعرضوا نفسه للإعتقال من قبل الفرنسيين. غير أن الزعماء الثلاثة رفضوا العرض الإنكليزي وفضلوا أن يتوجهوا الى المناطق الوعرة في جبل لبنان المحمية طبيعياً والمحصنة بأبناء الجبل، ومجملهم من أنصار الأمير مجيد، فكانت بشامون خياراً عسكرياً إستراتيجياً، إحتضنت الأمير ورفيقيه كما إحتضنت متطوعي الحرس الوطني الذي سارع الأمير مجيد الى تأسيسه إيذاناً ببدء الثورة المسلحة ضد المستعمرين، وهو الحرس الذي شكل النواة الوطنية المستقلة للجيش اللبناني.
على المستوى الإقليمي، تمكن الأمير مجيد من فهم اللعبة الغربية التي لم تكن تريد للبنان إستقلالاً ومناعةً. فالإنكليزي أيضاً الذي سعى الى ضرب الفرنسيين المستعمرين في لبنان كان يفاوض مع الفرنسيين الديغوليين على معاهدة تسمح ببقاء الجيوش البريطانية – الفرنسية في لبنان تحت شعار حمايته. غير أن إجتماعاً عُقد في عالية بين الحكومتين السورية واللبنانية أدى الى نسف مشروع المعاهدة من أساسه.
إضافة الى ذلك، فقد فهم الأمير مجيد إتفاقاً أخراً مُتبنى بريطانياً وواجهه، وهو بين الوكالة الصهيونية والفرنسيين (معروف بإسم مشروع بلوم- رئيس حكومة فرنسا)، يقتضي بتوطين اليهود الألمان بين صيدا وصور، ما يعني أن تمتد حدود الكيان الصهيوني مستقبلاً حتى مداخل جنوب لبنان. وقد لعب مفتي القدس الحاج أمين الحسيني دوراً بارزا في التنسيق بين الأمير والثوار الفلسطينيين وكذلك بين الأمير وثورة رشيد علي الكيلاني في العراق، وهما الثورتان اللتان عملتا على إستقال فلسطين والعراق بموازة الجهود الإستقلالية اللبنانية بهدف إيجاد مناخ إستقلالي عربي عارم.
وتابع حمادة: “الفرنسيون الذين فهموا أن كل مشاريعهم لم تمر أوفدوا مفوضاً عسكرياً اسمه “روجّا” يرافقه الثائر شكيب وهاب للتفاوض مع الأمير مجيد الذي صده صداً عنيفاً وقال له: حتى شكيب الذي يرافقك سوف يتركك إذا ما هاجمتمونا، ما دفع بــ “روجّا” الى البكاء”. وهكذا كان مصير الجنرال كاترو الذي لم يفلح بالتفاوض مع الامير الصلب الذي شرف لبنان بمواقفه الكبيرة.
كان الفرنسيون يعرفون تمام المعرفة، حسب حمادة، أن مواجهة الحرس الوطني سوف تستنهض الهمم من كل الأراضي اللبنانية التي سارع بنوها، من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال-الشرقي للإلتحاق بالثورة، وصولاً الى جبل العرب الذي لم يُهّنْ جيش فرنسا إلا على أيدي ثواره في العام 1925، بإعتراف الجنرال ديغول نفسه، فعدلوا عن المواجهة وساعوا الى الإنسحاب من الجبال… لتنتصر بذلك إرادة الأمير مجيد ورفاقه، أي إرادة كل اللبنانيين الذين لطالما حلموا بلبنان المستقل”.
وإختتم الحفل بحفل كوكتيل حضره باقة من المثقفين وممثلو المجتمع المدني ورئيس وأعضاء بلدية الشويفات.