التقى المنتخب الجزائري ممثل العرب الوحيد بالخصم القوي والعنيد الألماني، لقاء فتح ذكريات المؤامرة التي تروى منذ عام 1982، ورغم انتقاد مدرب المانيا يواكيم لوف للكلام عنها، فإنها استيقظت في عالمنا العربي وكأنها اليوم، فالظالم يستطيع أن ينسى، ولكن ليس من حقه أن يطالب المظلوم بالنسيان أيضاً.
ومما ساعد على أن فتح ذكريات المؤامرة أنه الأول بعد 32 عاماً من الحادثة الشهيرة، وهو ما يجيب عن سؤال “لماذا الكلام عنها الآن؟”، كما أن الحالة المعنوية العالية للمنتخب الجزائري تخلق حماساً يدفع الجماهير الداعمة للخضر بتمني الانتقام، وإن كان يبدو صعباً.
الحكاية الكاملة .. تبدأ من التأهل:
المنتخب الجزائري تأهل إلى كأس العالم 1982 بعد أن هزم نيجيريا ذهاباً وإياباً، وكان الممثل الأفريقي الثاني إلى جانب الكاميرون.
أما المانيا الغربية فتأهلت بعد تحقيق نتائج قوية جداً في التصفيات، حيث حققت العلامة الكاملة منتصرة في 8 مباريات، وسجلت 33 هدفاً ولم يدخل شباكها إلا 3 أهداف قط، ولا يعرف كثيرون أنها كانت مع النمسا خلال التصفيات حيث هزمتها ذهاباً وإياباً؛ بواقع 2-0 و3-1 لتصبح مرشحة فوق العادة من أجل اللقب العالمي.
القرعة التي أعلنت المواجهة:
تم تصنيف الجزائر المشاركة لأول مرة في المستوى الرابع قبل إجراء القرعة، أما المانيا الغربية فتم وضعها رأس المجموعة، القرعة أوقعتهما معاً إضافة إلى كل من تشيلي (كانت مشاركتهم السادسة) والنمسا المتأهلة لمشاركتها المونديالية الخامسة.
صورة لمنتخب الجزائر في مونديال 1982، تم التقاطها قبل مواجهة تشيلي.
المانيا الغربية وليست المانيا:
منتخب المانيا آنذاك كان يمثل المانيا الغربية وليس المانيا الحالية، فقد تمت إعادة توحيد المانيا في أكتوبر 1990، مما يعني أن لاعباً مثل مايكل بالاك على سبيل المثال لم يكن ليمثل المانيا الغربية لأنه من أصول شرقية.
العجرفة الألمانية .. لا تصدق:
القصص التي ترويها كل الصحف العربية والعالمية واللاعبون والمدربون عن عجرفة الألمان قبل مواجهة الجزائر لا تصدق، تشعر أنها أقرب لتكون فيلماً منه واقعاً، لقد خان الألمان مبادئهم بالواقعية والعملية فدفعوا الثمن باهظاً فيما بعد.
فلم يتعلم الألمان من سقوط حامل اللقب الأرجنتين في افتتاح البطولة مع بلجيكا، فنسب إلى نجوم المانيا من برايتنر وكارل هاينز رومينجه أقوال مثل “سنسجل سبعة أهداف ونهديها لزوجاتنا، أما الهدف الثامن فهو هدية لكلابنا”، كما قال أحدهم “أفكر باللعب والسيجار في فمي”.
يوب ديرفال مدرب منتخب المانيا قال قبل اللقاء “لو خسرت سوف أعود إلى المانيا في أول قطار إلى ميونخ”، واعترف بعد فترة من الحدث بأنه حصل على فيديو للجزائر لكنه أخفاه عن اللاعبين، لأنهم كانوا سيسخرون منه بسبب طلبه هذا.
معجزة خيخون:
في مدينة خيخون الإسبانية، التقى المنتخب الجزائري في يوم 16- يونيو-1982 بنظيره الألماني، يومها لم يكن لاعبو الجزائر معروفين للعالم، لأن القانون آنذاك في بلادهم كان يمنع احتراف من هم أصغر من 28 سنة، قبل أن يتم تعديل القانون عقب نهاية المونديال مما أتاح المجال لنجوم مثل رابح مادجر بالاحتراف.
التصريحات الألمانية المتعجرفة لم يتم تفسيرها في المعسكر الجزائري على أنها تصريحات كرة قدم، فقد نسي الألمان بأن المنتخب الجزائري يمثل قضية وطنية هناك، فالجيل السابق لهذا المنتخب ضحى بكرة القدم والاحتراف في فرنسا لينضم إلى المقاومة في وجه الاحتلال طالبين حرية البلاد، فتم اعتبار تلك التصريحات إهانة للشعب الجزائري وتضحياته، لذلك كان لا بد من رد على قدر الذنب.
خيخون شهدت على الملحمة الجزائرية، فبعد انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي، تقدم رابح مادجر للخضر، لكن رومينجه سجل التعادل في الدقيقة 67، وعن تلك اللحظة اعتراف صاحب الهدف الألماني بعد ذلك أنه ظن فريقه في طريقه للفوز، وإعادة الأمور إلى نصابها المتوقعة بالنسبة لهم.
دقيقة واحد فقط بعد هدف رومينجه كان الرد الجزائري المزلزل، فجاء رد لخضر بلومي مدوياً معلناً فوز الجزائر 2-1.
مجريات ما بعد النصر الجزائري:
النمسا هزمت تشيلي في الجولة الأولى بهدف نظيف، أما المانيا ففي مباراتها الثانية سحقت تشيلي 4-1 وسجل كارل هاينز رومينجه هاتريك لهم، لتكون مباراة الجزائر والنمسا المهمة والتي مهدت لما بعد ذلك من أحداث.
يقول بلومي إن المنتخب الجزائري كان قليل الخبرة، اعتقدنا أننا نستطيع الفوز على النمسا بنفس الأسلوب الذي لعبنا فيه أمام المانيا، كما أن قلة الخبرة جعلت المنتخب يدخل بنفس عيوب اللقاء السابق ليتم معاقبته عليها، ويخسر الجزائريون 0-2.
المدرب النمساوي جورج شميدت كشف عن استعداده وعدم استخفافه بالجزائر على العكس من الألمان، بل إنه سافر إلى ليبيا لمشاهدة كأس أفريقيا 1982 ومراقبة الجزائريين عن كثب هناك، مما جعل النمسا تنجح في التعامل مع الخضر.
بعد الجولة الثانية أصبحت النمسا في الصدارة برصيد 4 نقاط (كان يتم منح الفائز نقطتين)، والمانيا كانت تملك نقطتين والجزائر نقطتين، وفارق الأهداف كان +3 للنمسا +2 لألمانيا و-1 للجزائر، مما يعني أن الخضر كانوا في المركز الثالث.
الخطأ الذي سمح بالمؤامرة:
الجزائر كان مقرراً عليها اللعب مع تشيلي قبل مباراة المانيا والنمسا، وفيها تقدمت 3-0 خلال الشوط الأول، مما يعني أنها لو حافظت على النتيجة، لرفعت رصيدها إلى 4 نقاط و+2 فارق أهداف، وهو حاصل يضمن لها التأهل بغض النظر عن نتيجة المباراة الثانية.
بين الشوطين ظهر خطأ قلة الخبرة من جديد، فقد كشف أكثر من لاعب عن جدل واختلاف آراء ساد في صفوف اللاعبين، بعضهم طالب باستمرار الهجوم لتسجيل المزيد من الأهداف، في حين كان رأي البعض الآخر بأن تشيلي تحطمت نفسياً، ولن تحاول فعل شيء وستحرص على الخروج بأقل خسارة لذلك يجب قتل المباراة بالتحفظ وتهدئة اللعب.
انتصر رأي المتحمسين على رأي أصحاب الحكمة، فلم تحاول الجزائر الحفاظ على نتيجتها، لتتلقى هدفين في الشوط الثاني، وتفوز 3-2، أي أن رصيدها 4 نقاط لكن فارق الأهداف صفر، وهي نتيجة تعني خروجها في حال فازت المانيا بفارق هدف أو هدفين، وليس فقط بنتيجة 1-0 كما هو شائع عند البعض.
المباراة المؤامرة:
في الخامس والعشرين من يونيو 1982، التقت المانيا الغربية مع النمسا، ورغم مفاجأة الجزائر فإن المانيا بقيت المرشحة للفوز، والدليل أنها وصلت بعد ذلك إلى المباراة النهائية، لكن المشكلة لم تكن بفوز المانيا 1-0، بل بطريقة فوزها.
فبعد أن أحرز هورست روبيش هدفا في الدقيقة العاشرة، أصبحت المباراة شيئاً من العار على كرة القدم، فقد توقفت المباراة عن اللعب، وغابت الحيوية من الطرفين، لم تبدُ النمسا مهتمة بتعويض النتيجة، كانت مجرد تمريرات بين اللاعبين ومحاولات خجولة للتصويب نحو المرمى.
أثناء المباراة قال المعلق على التلفزيون النمساوي “هذه فضيحة كروية، هذا عار، قولوا ما تريدونه عني لكن هذه هي الحقيقة”، وأدان تلفزيون المانيا الغربية ما يجري في الملعب وطلب من المشاهدين إغلاق التلفاز، ووصفت بعض الصحف الألمانية منتخب بلادها بالمافيا والعصابة.
الجمهور في الملعب لم يكن راضياً، فبدأ بالهتاف ضد ما يحدث وقاموا بإخراج بعض النقود كناية إلى المؤامرة، وزحف بعض الألمان إلى مقر إقامة المنتخب بعد اللقاء وحاصروه، مما اضطر اللاعبين إلى إلقاء العبوات المائية تجاههم.
هذه المؤامرة لم ينكرها الألمان في حياتهم والعالم كله متفق على حدوثها بما فيها الألماني يواكيم لوف الذي لم ينفها، بل تحدث عن قدم الحادثة، ولكن الفيفا رفض فتح تحقيق فيما جرى واكتفى بتعديل قانوني فيما بعد، تضمن عقد المباراة الأخيرة من نفس المجموعة في توقيت موحد.
اللاعب الألماني في تلك البطولة هانس بيتر بريغل اعترف بالفضيحة لاحقاً، وأوضح قائلاً “النمسا كانت تعرف بأننا قادرون على الفوز، وعندما سجلنا هدفاً مبكراً، كانوا أمام خيار المعاندة وبالتالي تسجيل هدفين آخرين وإخراجهم من البطولة، أو الاكتفاء بالنتيجة التي تؤهل كلينا، فاكتفى الطرفان بالتمرير وجعل الدقائق تمر”
مشجع يعترض على المجريات بإخراج النقود
صورة لمشجع يحتج على مجريات اللقاء بإخراجه النقود
النازية تعود للنمسا!
أطلقت فئات متعاطفة مع المنتخب الجزائري على الحادثة اسم “أنشلوس”، وهي المعركة التي ضمت بموجبها المانيا النازية النمسا إلى سيطرتها عام 1938، علماً أن المعركة كانت سلمية، وتم تشبيهها لأن النمسا خضعت للألمان وأعطتهم التأهل والصدارة من دون أي مقاومة.
القصة استمرت حتى عام 1986:
في عام 1986 أوقعت القرعة الجزائر مع كل من البرازيل وايرلندا الشمالية واسبانيا في مجموعة واحدة، وكان الإسبان يشعرون بالخجل لأن المؤامرة تمت على أراضيهم، وبعد خسارة الجزائر أمام البرازيل وتعادلهم مع ايرلندا الشمالية، كان التعادل مع اسبانيا يؤهلهم إلى الدور الثاني بسبب نظام أصحاب أفضل مركز ثالث المطبق في تلك البطولة.
حارس مرمى الجزائر في مونديال المكسيك العربي الهادي قال “عرضت اسبانيا علينا ترتيب النتيجة، مؤكدة وعد البرازيليين اللعب بكل قوة كي يهزموا ايرلندا الشمالية ونضمن التأهل”.
هذا العرض الإسباني تم رفضه جزائرياً وجاء الرد “الكبرياء الجزائري والأنفة الجزائرية ترفض التآمر”.
صحيفة الجارديان وصفت نهاية القصة الأولى ما يؤكد صحة موقف الجزائر في 1986قائلة “في عام 1982 خرج الجزائريون بكل عزة كرامة، وتأهلت النمسا والمانيا بعار وقلة احترام”.
إلى هنا لم تنته الحكاية .. فاليوم لها سيتم كتابة أسطر جديدة فيها بين المانيا بعد اتحادها، والجزائر بعد تأهلها.