الرئيسية / مقالات وتحليلات / تحديد نضالاتنا في الشرق الأوسط الحالي

تحديد نضالاتنا في الشرق الأوسط الحالي

كتبت اوكتافيا نصر

في جريدة النهار

يشكّل الشرق الأوسط مرتعاً للنزاعات والحروب التي تستقطب دائماً اهتمام وسائل الإعلام الإخبارية، لكنه لم يواجه قط هذا القدر من المآسي دفعةً واحدة كما يحصل منذ نشوب الانتفاضات العربية. هناك الآن عدد كبير من المعتدين الذين ينفثون حقدهم وهمجيتهم على ضحايا غافلين أو عزّل. عدد كبير منهم موجود منذ زمن بعيد، وبعضهم ظهر حديثاً، في حين أن آخرين هم “أصدقاء” الأمس.

إن كان من دروس نستمدّها أو نتعلّمها من جديد من الأحداث الأخيرة من غزة إلى الموصل، ومن سراقب إلى عرسال، ومن طهران إلى القاهرة، ومن عواصم الخليج العربي، أو من أوروبا والولايات المتحدة، فهي تُلخَّص على الشكل الآتي:
عندما تخوض نضالاً، تجد نفسك وحيداً.
عندما يعاكسك الحظ، لا تجد سوى حفنة قليلة من الأصدقاء بجانبك.
وعندما يكون الحظ إلى جانبك، يدّعي الجميع تقريباً أنهم أصدقاؤك ويبدون استعداداً للتهليل لك.
بحسب المنطق التقليدي، عندما تكون في الأعلى، تواصل صعودك، وعندما تكون في الأسفل، لا يمكنك سوى أن تستمر في الانحدار. ووفقاً للمنطق نفسه، يزداد الفقير فقراً والثري ثراء. ويصبح الضعيف أضعف فيما يزداد القوي جبروتاً مع مرور الوقت، وقد يصبح حتى أكثر عنفاً.
قد يكون هذا كله صحيحاً ولا مفرّ منه، لكن الأكيد هو أننا جميعاً نكافح بطرق مختلفة، وأن نضالاتنا تختلف كثيراً من شخص إلى آخر.
في الشرق الأوسط الحالي، فيما تتداخل الأسباب وتزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، يناضل الناس عند مستويات متعدّدة. ومع مرور الوقت، تلتقي النضالات إذ يدرك الأشخاص أن عدوّهم واحد.
التطرف والجهل وشريعة الغاب هي العدو المشترك، بغض النظر عن التسمية أو التوصيف الذي تطلقونه عليها أو موقعها الجغرافي.
قد نتساءل “كيف يمكن أن يعيش الناس في هذه الظروف القاسية والصعبة جداً؟” وما الذي يحفّزهم، أهي الشجاعة أم البطولة؟ الحقيقة هي أن النضال الحقيقي هو نضال الأشخاص الذين لا خيار أمامهم. يجدون أنفسهم ضالعين في نضالات الآخرين. ينجرفون فيها، ويُصابون، وتسيل دماؤهم، وتلازمهم الندوب إلى الأبد أو إلى أن يصبحوا عاجزين عن متابعة النضال.
أنحني تقديراً وأسى أمام أولئك المقاتلين السلميين المجهولين والصامتين، لأن أحدهم فرض مخطّطه عليكم، والعالم لا يفهم أنكم لم تختاروا هذا المخطّط أو تنضموا إليه بإرادتكم أو تدعموه، أو أنكم لا تبالون إذا كان يقود إلى الأعلى أو الأسفل، إلى الأمام أو الخلف. فأنتم، مثلي ومثل كثر سواي، منهمكون بنضالات أخرى، في حين أن العالم غارق في ضجيج الكره ومنهمك جداً بإصدار الأحكام إلى درجة أنه لا يعيركم حتى أي اهتمام!

عن jad haidar

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*