الرئيسية / مقالات وتحليلات / هنادي أبي علي:نظرة إلى الأقليات في الشرق المحتدم: مصير الموحدين الدروز

هنادي أبي علي:نظرة إلى الأقليات في الشرق المحتدم: مصير الموحدين الدروز

 

عندما نتحدّث عن الأقليات في الشرق الأوسط، تتوارد إلى أذهاننا أعراق وطوائف تكاد لا تتعدّى بضعة ملايين. ولعلّ واحدةً من  أبرز الأقليات التي تقطن الشرق الأوسط، طائفة الموحدين الدروز. انتشر الموحدون الدروز في بلاد الشام التي قُسِّمت بعد اتفاقية سايكس- بيكو، واستقرّوا في جبل لبنان، جنوب سوريا، جبل السماق في شمال سوريا، شمال فلسطين، وغرب الأردن. تبعثر الدروز بين هذه الدول الأربعة، لكن علاقاتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم بقيت كما هي.

إن تماسك المجتمع الدرزي، وإحاطته بشيء من السرية، أدى إلى صموده في وجه التقلبات الأمنية في المنطقة، حيث يُعتبر الدروز ركناً أساسيا وحاسماً من اللعبة السياسية المحلية. فعلى الرغم من كونهم أقلية عددية، إلا أنّهم قادرون على قلب المعادلة السياسية لما يصب في مصلحتهم. إنّ الزعامة الدرزية مقسومة بين عائلتين إقطاعيتين، طالما اختلفتا في الخط السياسي، وهي ممثلة ب وليد بك جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي من جهة، والأمير طلال أرسلان، رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني من جهة أخرى. يتفرّع ولاء الدروز السياسي في كل من لبنان وسوريا بين هذين القطبين، كونهما الواجهة الأساسية للتمثيل الدرزي السياسي على الصعيدين الإقليمي والعالمي. ولعلّ ما ضمن بقاء الدروز واستمراريتهم في المنطقة، هو اختلاف توجهات زعيمهم في الآراء والمواقف. ففي حين تقلّب الأحداث في المنطقة، واتضاح توجهات كل من جنبلاط وأرسلان، يجد الدروزأنفسهم حليفاً لأي طرفي نزاع، مما قد يضمن لهم الحماية والأمان.

druze

ولعلّ الواقع المثالي للدروز هو العلمانية، حين تتساوى موازين القوى بين  المحورين  الفاعلين والمتحكّمين بالسياسية الإقليمية، ويتخطى تصنيفهم كجزءٍ من الشرق الأوسط، الإطارين الديني والطائفي. لكن للأسف، في وقتنا الحالي، أصبحت العلمانية حلماً مفقوداً، وفرض الواقع على كل الأقليات خيارين لا ثالث لهما. وعند التحدث عن الخيارات، تطرق أذهاننا الثورة السورية، وموقف الدروز منها. فلطالما عُرف دروز سوريا، إلى جانب غيرهم من الأقليات العلوية والمسيحية في سوريا، بولائهم للنظام كونه باعتقادهم حامياً لحقوق الأقليات ومصالحهم. لكن بعد أن بدأت منطقة السويداء، معقل تجمع الدروز في سوريا، إلى جانب قرى جبل السماق، بالتعرض لهجمات من قبل جبهة النصرة وداعش، وبدأ إهمال الجيش السوري للدروز دونَ تزويدهم بالسلاح، شهد الموقف الدرزي انشقاقا بين موالٍ للنظام،وغاضبٍ عليه.

يعتقد البعض أن وجود فرقة من الدروز غير راضية على النظام ساهم في الإفراج عن أسرى دروز كانوا بقبضة جبهة النصرة منذ أشهر فائتة. ومن جهةٍ ثانية، تأتي أخبار تدريب وتسليح شباب من السويداء للمقاتلة إلى جانب الجيش دليلا على أهمية بقاء الدروز بين صفوف الموالاة، ودورهم في تقوية النظام في منطقةٍ بدأ يضعف الأخير فيها. ومن هنا،  نجد إثباتاً لفكرة أنّ تقسيم التحالفات هو استراتيجية بقاء ناجحة.

فمع دخول مقاتلي النصرة وداعش إلى مناطقهم، وإجبارهم على إعلان الإسلام الداعشي، يجد الدروز أنفسهم في حيرةٍ من أمرهم. ألبقاء مع نظامٍ مهدد بالزوال، أم الاستسلام لمعارضة همجية لا تتقبل الآخر، ومن المحتم أنها ستشنّ حملة إبادة على من يخالفها؟ أمّا في لبنان، لا تختلف الواجهة كثيرا، حيث يشهد الوسط الدرزي انشقاقا بين داعمٍ للنظام السوري، ومعارضٍ له، مع ما يعكس هذا على السياسة الداخلية للبنان.

وطالما كان الدروز الكلمة الفصل في الواقع السياسي لبلادهم، ولعبوا دوراً أساسيا في بناء دولهم وصونها. فهم على الرغم من كونهم أقلية عددية، إلا أنّهم لا يملكون عقدة الأقليات، ويبدو هذا جليّاً في المواقف السياسية التي يتّخذونها. لكن في الوقت الحالي، بات وجودهم مهددا، وخياراتهم ستعود عليهم بخسائر في كلتا الحالتين. لكن بقي عليهم قراءة الواقع بعين الفراسة، وتوقع مسار السياسة الإقليمية، لكي يتخذوا قرارا قد يكون الأصحّ في المستقبل لضمان وجودهم وبقائهم، وتحمّلهم أقلّ خسائر ممكنة.

Sources: The Daily Star- Now Media- Book titled: The Survival of Minorities in a Turbulent Environment: The Case of the Druze in the Arab Spring by Assem Abi Ali

عن jad haidar

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*