أخبار عاجلة
الرئيسية / آخر الأخبار / العبور من الأحزاب إلى الحراك

العبور من الأحزاب إلى الحراك

 

بعد ما يقارب الشهرين على انطلاق الحراك، وبعد كل ما حصل من نقاشات واعتصامات وحوارات حول طبيعته وأهدافه وتمويله، يمكن للمرء أن يستنتج باقتناع شديد وواثق، أن جمهور مؤيدي الزعماء والطبقة السياسية ينطلقون من رفضٍ أوّلي لمبدأ الحراك، ولمبدأ أن ينزل المرء إلى الشارع، ثم يبنون تحاليلهم على هذا الأساس. وبما أنّ التفكير النقدي معدوم عندنا، على حساب صنفٍ “نقاق” من النقد، فلا عجب أن يقتنع هؤلاء بالمسوّغات التي تبرر لهم عدم مشاركتهم في التظاهر. وانعدام هذا التفكير تُرجم مثلاً بانتشار المقالات والـ “بوستات” “الفاضحة” للحراك من ناحية، وبسهولة تصديقها من ناحية أخرى عند فئات القرّاء. ومع أن الرفض الذي يُبديه عموم المعارضين للحراك يبدو منطقياً بنظرهم، ويعزّز الشعور بمنطقيته تداولُه السهل والسريع وقبول منطقه من قبل البعض، إلّا أنّه يبقى غير منطقي بالنسبة للجمهور المشارك بالحراك. وأودّ بصفتي من هذا الجمهور أن أتوجّه للجمهور المنطلق من رفض مبدأ الحراك، لجمهور الأحزاب، لأقول: “أنتم تعاملوننا مثل ما يتعامل معكم أعداؤكم. تنتظرون أخطاءنا بفارغ الصبر، وتصدّقون وتنشرون الإشاعات ضدنا كما يفعل أعداؤكم بكم. تبنون سرديتكم النقدية ضدنا من منطلق أنكم ضدنا، ثم تعتقدون أن منطقكم عقلاني. المنطق ذاته الذي تألّهون فيه زعيمكم ولا تتخيّلون أحداً لا يألّهه. فهو الزعيم الأوحد، لمَ لا يتفق عليه الجميع؟ تعايروننا باختلافنا الديموقراطي، ولا وجود للديموقراطية في أحزابكم. تطلبون منا حلولاً سريعة وفورية رغم عمر حراكنا الصغير، بينما أحزابكم الموجودة في السلطة منذ عشرات السنين لا تقدّم حلولاً. تستهزؤون بأملنا في تغيير البلاد لأن “البلد ما بيتغيّر”، بينما أنتم جزء أساسي من التغيير المفترض. تتّهموننا بالعمالة وبالقبض من السفارات، بينما ليس بين زعمائكم وأحزابكم من لم يتلقّ “معاشاً” أو “مساعدةً” أو “دعماً” من جهة خارجية، عدا عن التنسيق والتعاون وصولاً إلى تنفيذ الأوامر الآتية من الخارج. إنكم ببساطة، ونظراً لتجاربكم المريرة طوال هذه السنوات مع أحزابكم في جميع المجالات، لا يمكنكم تصديق أنّه من الممكن نشوء حركات ومجموعات مستقلة، واعية، شبابية وتريد التغيير. ليس هذا التصوّر في قاموسكم. تنظرون إلى الحراك على أنه “too good to be true”، وتنظرون إلى الواقع على أنّه الحقيقة الوحيدة الممكنة.
لسنا نحمّل أحداً مسؤولية السكوت طوال هذه السنين. السلطة الحاكمة لا تؤول جهداً لتسكتكم وتضرب تحرّكاتكم مثل ما فعلت بالأمس، وهكذا تفعل اليوم معنا. لا تلامون لاستفادتكم من النظام ودخولكم في “السيستم”، لأنّه لم يكن في يدكم حيلة، هذه الأمور مفهومة. حبكم لزعيمكم مفهوم أيضاً لأنّكم لولاه لما قدرتم أن تطعموا أولادكم وتعلّموهم وتوظّفوهم، وهو أيضاً بنظركم مَن يحميكم من أعدائكم. قد تشعرون بواجب “رد الجميل” و “عدم البصق في صحن أكلتم منه”، حسناً. لكن لماذا لا تساهمون معنا في بناء دولة لا تحتاجون فيها إلى زعيم أو “واسطة”؟ أليست فكرة هذه الدولة أفضل من الواقع الحالي، على تبريراته؟ لنفتح صفحة جديدة ونقول فيها إنّ السلطة بجميع مكوّناتها فشلت في إدارة البلاد. الفشل واضح في جميع الملفات. لنترك تحديد المسؤوليات لقضاء مستقل وفعّال، ولنهتم بالواقع على الأرض. لن نسبّ، لن نشتم، ولن نرفع صوراً مهينة. سيعضّ الكثيرون منا على جراحهم التي يتهمون زعيمكم بالتسبب بها. فلنتقبّل الحدود التي تفرضها الضرورات قليلاً. وليس أصدق من المظلوم الذي يعرف مَن ظلمه. تقبّلوا صرخة الناس ضد من يعتبرونهم مسؤولين عن الفساد، ثم لنذهب كلنا إلى القضاء وندعه يحكم. دعونا نركّز على إعادة إنتاج سلطة فعّالة، عصرية ومُحاسِبة. دعونا ننتقل إلى نظام حديث يكون مبنياً على أسس التخطيط التنموي والاجتماعي ويبتعد عن الطائفية السياسية، ولنترك خلافاتنا العالقة قليلاً، لنركّز على المطالب الأساسية والمشتركة. لطالما كرهنا دروس التربية الوطنية في سنوات الدراسة، وأكثر ما كرهناه فيها هي مصطلحاتها فارغة المحتوى. لكن تنبّهوا إلى أن ما يحصل الآن من خلال الحراك، هو التربية الوطنية الحقيقية. فلنحبّها قليلاً.

عن jad haidar

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*