تعويلٌ على بري لإنقاذ الحوار منعًا لـ”تفجير الاحتقان”!

حسين عاصي – خاص النشرة

إلى أعلى المستويات، ارتفعت حدّة الخطاب الاتهامي المتبادَل بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” خلال الأيام القليلة الماضية، متجاوزة الخطوط الحمراء، حتى قيل أنّهما وصلا عمليًا إلى نقطة اللاعودة، وأنّ مرحلة “التفاهم والحوار” ولّت إلى غير رجعة.
ولأنّ المسؤولين في “الحزب” و”التيار” بدوا عاجزين عن “ضبط” هذا الخطاب، أقلّه بدافع الحفاظ على الحدّ الأدنى من التواصل الضروري والمطلوب، كثرت التساؤلات حول مصير الحوار الثنائي الذي يُعقَد بصورةٍ دوريّة فيما بينهما، ومن يمكنه أن يتحمّل مسؤولية “فرطه” في أيّ حالٍ من الأحوال…

 

من التنفيس إلى التفجير!
بغضّ النظر عمّا إذا كان خطاب “التهويل بالانسحاب من الحوار والحكومة” الذي صدر على لسان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال رئيس فرع المعلومات السابق اللواء وسام الحسن، والذي مهّد الطريق أمام خطاب “الله معكم ومع السلامة” الذي صدر على لسان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على طريقة “ردّة الفعل”، هو السبب المباشر لتدهور العلاقات بين الجانبين، أم أنّ خطاب المشنوق كان بحدّ ذاته “ردّة فعل”، بحيث عبّر عن “امتعاضٍ عام” في صفوف “تيار المستقبل” سبّبته ممارساتٌ متراكمة، فإنّ الأكيد أنّ “المحظور وقع”، كما تقول مصادر سياسية، والمطلوب الآن تقييم الأضرار والعمل على الحدّ منها قدر المستطاع.
وإذا كان الكثير من المحلّلين سارعوا إلى “نعي” الحوار وخصوصًا في شقّه الثنائي بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”، على وقع التجاذبات الحاصلة بين الجانبين، فإنّ المصادر تستبعد أيّ توجّهٍ من هذا القبيل، وتؤكد أنّ الحوار قائمٌ ومستمرّ، ليس بسبب رهاناتٍ غير موجودة على إنتاجيّته، ولكن بسبب الرهانات المقابلة على التداعيات التي يمكن أن يؤدّي إليها انفراط عقده، فضلاً عن أنّ أيًا من “الحزب” و”التيار” ليس مستعدًا لتحمّل مسؤولية التفريط بحوارٍ عُقِد بعنوان “تنفيس الاحتقان”، ما يعني أنّ فرطه سيحمل عنوان “تفجير الاحتقان” بكلّ ما للكلمة من معنى، خصوصًا أنّهما كانا يردّان دائمًا على المشكّكين بجدوى هذا الحوار، بالقول أنّ مجرّد انعقاده بالشكل فقط هو أمرٌ إيجابي ومكسَبٌ يُبنى عليه.

 

احتواء ولا طلاق…
هذا الاستنتاج لا يأتي من لا شيء، بحسب المصادر، إذ هناك العديد من المؤشرات التي دلّت على أنّ رفع الأسقف بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” لا يعني الطلاق والافتراق الكامل بينهما، وبالتالي على أنّ الفريقين توصّلا إلى “اتفاقٍ غير معلَن” عنوانه “الاحتواء”. ولعلّ أهمّ هذه المؤشرات يكمن في انكفاء رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري عن الردّ الفوري والمباشر على الأمين العام لـ”حزب الله”، وهي المهمّة التي دأب على تنفيذها بعد خطاباته طيلة الأشهر الماضية، وخصوصًا بعد اشتداد الصراع الإقليمي ولا سيما بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، منذ دخول المملكة على خط الأزمة اليمنية تحت مسمّى “عاصفة الحزم”.
ومن مؤشرات عدم الرغبة في ترجمة التصعيد الكلامي إلى خطواتٍ عملية “الهدوء النسبيّ” الذي مارسته قيادة “المستقبل” في الردّ على خطاب السيد نصرالله، فعلى الرغم من “الاستنفار” الذي أبداه النائب “المستقبليّ” أحمد فتفت، والذي ترجّح المصادر أن يكون قد كُلّف رسميًا بمهمّة الردّ الإعلاميّ على الخطاب، إلا أنّ الأخير، وهو المعروف بـ”معارضته الشرسة” للحزب، حرص على الحفاظ على “خط الرجعة”، ولم يعمد إلى “الاستفزاز” أو “الإستثارة”، فيما كان لافتاً في بيان “كتلة المستقبل”، رغم تكرارها معزوفة أنّ “الكيل طفح من حزب الله”، حرصها على “توضيح” خطاب المشنوق عبر توصيفه بأنّه “جرس إنذار”، وبالتالي وضعه في سياقٍ مختلف عن ذلك الذي أخذته بعض “التفسيرات والتحليلات” إليه، معطوفًا على تأكيد الكتلة تمسكها بنهج الحوار واستمراره، ووقوفها إلى جانب رئيس الحكومة تمام سلام في تفعيل عمل الحكومة.
ولا تقتصر هذه المؤشرات على الفريق “المستقبليّ”، فـ”حزب الله” أيضًا حرص على إيصال “الرسالة” لكلّ من يعنيه الأمر بأنّ كلام السيد نصرالله كان “ردّ فعل” لا أكثر، وتلفت المصادر في هذا السياق إلى أنّ الأخير كان واضحًا في خطاب “الله معكم” نفسه أنّ الحزب لا يزال متمسّكاً بالحوار والحكومة، وأنّ شيئاً لم يتغيّر على هذا الصعيد، إلا أنّه يرفض أن يحوّل الآخرون الأمر إلى “مادة للابتزاز”، وكأنّ في استمرار الحوار والحكومة “مصلحة ذاتية” للحزب دون غيره، فيما الواقع أنّه مصلحة للبلد وللعباد ككلّ.

 

بري يتحرّك…
ولأنّ الفريقين المعنيَّين ذهبا بعيدًا جدًا في سجالاتِهِما، كما تقول المصادر، فإنّ هذه “المؤشرات” لا تكفي لـ”تبريد الأجواء” فيما بينهما، خصوصًا أنّ أحدًا منهما لا يبدو مستعدًا لـ”المبادرة” عمليًا تجاه الآخر، ولذلك فإنّ التعويل الأساسي يبقى على “راعي الحوار” رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإنقاذ حوار عين التينة، كما الحوار الموسّع في البرلمان، علمًا أنّ المصادر تشير إلى أنّ الأخير لم يتأخّر في “تلقّف” هذه الكرة، حيث بدأ بإجراء مشاوراته منذ لحظة وصوله إلى لبنان بعد ظهر الاثنين، كما كلّف الوزير علي حسن خليل متابعة الموضوع.
وإلى جانب الرهان على دورٍ سيلعبه بري على صعيد “كسر الجليد” بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”، تلفت المصادر كذلك إلى الضغوط الإقليمية والدولية لمنع وصول الأمور إلى حدّ “الانفجار”، خصوصًا أنّ لكلّ من “الحزب” و”التيار” مرجعيّات إقليمية “تمون” عليهما بالحدّ الأدنى، وهي تعتقد أنّ “التفجير” في الداخل اللبناني في هذه المرحلة يضرّ ولا ينفع، رغم كلّ ما قيل ويُقال وسيُقال، وبالتالي فإنّ المطلوب اليوم الحفاظ على الاستقرار، خصوصًا أنّ المظلة الدولية التي تحمي لبنان لا تزال قائمة وفاعلة، ولا مؤشرات على تغيير في “أجندتها” في المدى المنظور.

 

البديل الوحيد
هكذا إذاً، توحي كلّ المؤشّرات أنّ رفع الأسقف بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” سيبقى في إطاره، ولن تكون له ترجمة عملية تصعيدية، يدرك الجانبان أنّهما لن يكونا قادرين على تحمّل نتائجها الكارثية لا سمح الله.
باختصار، هي ليست المرّة الأولى التي تنفجر فيها “الجبهة” بين “المستقبل” و”الحزب”، كما أنّها لن تكون المرّة الأخيرة التي سيدخلان فيها قاعة الحوار على وقع الاتهامات المتبادلة فيما بينهما، لأنّهما يدركان أنّ البديل الوحيد عن الحوار في هذه المرحلة هو تعميم حالة الفراغ والفوضى أكثر وأكثر…