من “الشغور” الرئاسي إلى الفراغ الشامل… قريباً؟!

 

مُنتصف ليل 24-25 أيّار الماضي، إنتهت ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من دون إنتخاب خلفٍ له، ما جعل الشغور يحلّ في أعلى منصب في الجمهورية اللبنانية، وهو دخل شهره الثالث ولا بوادر إنفراج قريبة في ظلّ تمسّك أكثر من طرف داخلي بموقفه المتشدّد، وإستمرار الصراع الإقليمي، وغياب الضغط الدولي الجدّي. وفي 20 تشرين الثاني المقبل تنتهي الولاية الممدّدة للمجلس النيابي، من دون أن يتم الإتفاق على أيّ قانون إنتخابي جديد، ولا الإعلان عن أيّ ترشيحات جدّية أو تنظيم حملات سياسيّة، وفي ظل حديث متصاعد عن سعي كبير من قبل أكثر من جهة للتمديد للمجلس النيابي لمرّة ثانية(1). فهل ستحصل إنتخابات نيابية قبل الرئاسية، ووفق أي قانون؟ وهل سيتم التمديد للمجلس النيابي، أم سيحلّ الفراغ الشامل؟

من الضروري بداية التذكير أنّ الإنتخابات النيابية يجب أن تُنظّم في مهلة 60 يوماً من إنتهاء ولاية المجلس، أيّ إعتباراً من 20 أيلول المقبل، بحسب ولاية المجلس النيابي الحالي الممدّدة، مع إلزامية توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة بين 20 تموز و20 آب من قبل كل من رئيسي الجمهورية والحكومة. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يكفي أسبوعان أو ثلاثة للتوافق على قانون إنتخابي جديد بعد سنوات من الخلافات، حتى إذا سلّمنا جدلاً أنّ الكتل الناخبة راغبة بتنظيم الإنتخابات في موعدها، وهذا ليس صحيحاً أصلاً؟! أكثر من ذلك، من يُروّج لمقولة نفاذ القانون الحالي، أي قانون الستّين المعدّل، أو قانون تسوية الدوحة، يَنسى أو يَتَناسى أنّ هذا القانون الذي جرت على أساسه الإنتخابات النيابية في العام 2009، يحمل صفة “لمرّة واحدة”. وبالتالي ليس صحيحاً أنه لا يزال نافذاً من الناحية القانونيّة. وإذا كانت الوقائع تؤكّد عدم وجود قانون إنتخابي جديد حائز على الإجماع، وكذلك عدم إمكان إعتماد القانون السابق ما لم يتم إيجاد مخرج قانوني، علماً أنه لا توجد نيّة فعليّة في تنظيم الإنتخابات النيابية في موعدها، يبقى إحتمال التمديد للمجلس الحالي لولاية ثانية بحكم الضرورة وبغيرها من التبريرات التي يُتوقّع أن “يبتدعها” النوّاب، بعيداً عن وضوح الكثير من قوانين الدستور اللبناني.
لكن حتى إذا سلّمنا جدلاً أنّ صفحة الجدل القانوني بشأن دور المجلس النيابي في ظلّ الفراغ الرئاسي، لجهة كونه هيئة ناخبة فقط لا غير، أم هيئة تشريعية ممكنة عند الضرورة، قد طُويت، وإنعقدت جلسة تمرير مشروع قانون التمديد للمجلس النيابي الحالي لمرّة ثانية، وحتى إذا سلّمنا جدلاً  أنّ هذا المشروع إستحوذ على الأغلبية العدديّة المطلوبة من أصوات النواب(2)، فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو: من سيوقّع على صدور قانون التمديد لمجلس النواب في ظلّ الشغور المستمرّ في موقع رئاسة الجمهورية؟ وفي حال السعي لتمرير القانون عبر توقيع الوزراء الذين حلّ توقيعهم مجتمعين مكان توقيع رئيس البلاد، فإنّه من المتوقّع أن يمتنع ممثّلو “التيار الوطني الحرّ” (على الأقلّ) عن التوقيع إنسجاماً مع موقفهم السابق برفض التمديد للمجلس. وعندها سنكون مع مشكلة دستوريّة جديدة تضاف إلى باقي المشاكل المتراكمة، مرتبطة بدستورية بقاء الصفة التمثيلية للمجلس النيابي الممدّدة ولايته أصلاً. حتى أنّ تنظيم إنتخابات نيابية في ظلّ شغور موقع الرئاسة يطرح سؤالاً مهمّاً بشأن الجهة التي ستجري الإستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة جديدة، باعتبار أنّ الحكومة القائمة تُصبح تلقائياً بحكم المستقيلة.
إذاً، الكثير من العقبات والثغرات القانونيّة والدستورية آخذ بالتراكم نتيجة عدم إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. والخشية كبيرة من أن يتحوّل الشغور الرئاسي إلى فراغ شامل يطال المجلس النيابي، لتشلّ معه الحكومة وكلّ قرارتها، ما لم “تبتدع” الكتل السياسية مخرجاً تُصنّفه دستورياً وقانونياً بعيداً أيضاً وأيضاً عن القوانين والأحكام الدستورية النافذة.
(1)كان مجلس النواب اللبناني قد إستبق في 31 أيّار 2013 الماضي إنتهاء ولايته الأساسيّة، بالتمديد لنفسه حتى 20 تشرين الثاني 2014، ونال قانون التمديد آنذاك توقيع الرئيس ميشال سليمان.
(2)في المرّة الماضية، صوّت 97 نائباً لصالح قانون التمديد للمجلس النيابي.