ابراهيم ناصرالدين
رد فعل قوى 14 آذار «الغاضب» على «زحف» الناخبين السوريين الى السفارة السورية لتجديد «البيعة» للرئيس السوري بشار الاسد، يدل عن «مرض عضال» غير قابل للشفاء لدى هؤلاء خصوصا اذا ما كانت المفاجأة البادية على وجوههم حقيقية وليست من قبيل «عدة الشغل» المعتادة لشد عصب جمهور تعود على خيبات الامل من فريق سياسي يبيعه الوهم، وعندما تدق ساعة الحقيقة يتصدر قادته قائمة «المذهولين». هذا التوصيف «الدقيق» لقيادي بارز في قوى 8آذار، تتبعه سلسلة من الاسئلة حول حقيقة ما يقلق هذا الفريق ورعاته الاقليميين بعد ان ثبت «بالوجه الشرعي» امس انهم خسروا «ورقة» اللاجئين السوريين التي تاجروا بها واستغلوها على مدار ثلاث سنوات تحت غطاء انساني ؟ فاين تكمن المشكلة لدى هؤلاء؟ وهل ترتبط «الهواجس» فقط بتقدم الخصوم ام تراجع الحلفاء؟
يُجيب القيادي في 8 آذار ان المعضلة الاساسية تكمن في ان قيادات 14 آذار مارست نوعا من «الغش» الذاتي قبل ان ينتقل الى الجمهور، فهذه القيادات وبعضها ممسك بوزارات امنية، تبلغ من السفارة السورية ان عشرات الالاف سجلوا اسماءهم للمشاركة في عملية الاقتراع، وكان متوقعا ازاء هذا الامر ان يحصل هذا الحشد الهائل امام السفارة وعلى الطرقات المؤدية اليها، لكن تلك القيادات لم تصدق «الخبرية» واعتبرت انه جزء من «دعاية» النظام، فغابت الاجراءات المناسبة لمواكبة هذا الحدث ما ادى الى حصول هذا الاختناق المروري الكارثي، وللتغطية على الفشل علت الاصوات المنتقدة للناخبين السوريين الذي اصبحوا كلهم «مخابرات»، كما سيقت الاتهامات الى حزب الله باعتباره انه قام بتنظيم هذه «الاجتياح»، مع العلم انه لو تعامل المعنيون بجدية مع هذا الملف لكان حصل تنسيق مع السفارة السورية وطلب تأجيل عملية الاقتراع الى يوم الاحد، وهذا كان ليخفف من الاعباء على اللبنانيين، وينسف «مؤامرة» الحشود «المفبركة»، لكن قيادات 14آذار تأتي كالعادة متأخرة، وهي حتى يوم امس كانت مقتنعة بأن جلّ النازحين السوريين ينتمون الى المعارضة!
اما الحديث عن «رسائل» سياسية من وراء هذا الحشد، فلا تخفي أوساط في 8 آذار هذا الامر، لكنها لا ترى انه يحتاج الى كل هذا الحديث عن نظرية «المؤامرة»، فما حصل في بيروت كان جزءا مما حصل في 38 دولة قبلت باجراء الاستحقاق الانتخابي السوري على اراضيها، والنظام معني بتوجيه الرسائل الى خصومه عبر صناديق الاقتراع، والغريب ان يكون ثمة مندهشين ازاء هذا الامر، مع العلم ان قوى 14آذار ليست معنية بهذه «الرسالة»، فقد تدنى موقعها الى اسفل لائحة الخصوم، بعد ان نجح حزب الله والقوات السورية في اخراج الحدود اللبنانية من «الخدمة» وتراجع دور هؤلاء وتأثيرهم في الحرب السورية، فالرسالة كانت من دمشق الى عواصم القرار الاقليمية والدولية، بان ثمة تغييراً كبيراً في مزاج السوريين الذين بدأوا العودة الى «حضن النظام»، وما يهم القيادة السورية هي التقارير التي رفعتها بالامس السفارات الغربية في بيروت، بعيدا عن «بروباغندا» قوى 14 آذار التي تحدثت عن ترهيب وترغيب من قبل حزب الله، وفيها الكثير من «الذهول» والوقائع التي تتحدث عن اسباب «الانقلاب» لصالح القيادة السورية، وقد اختصرتها بثلاثة امور تحدث عنها الكثير من المعارضين «التائبين» وهي التقدم الميداني، سطوة «التكفيريين» على المعارضة ، وتخاذل الدول الاقليمية والدولية في تقديم الدعم لاسقاط النظام.
السبب الاخير ربما هو اكثر ما يقلق 14آذار والرعاة الاقليميين بحسب الاوساط نفسها في ظل تراجع الولايات المتحدة المطرد عن تقديم الدعم المطلوب لحلفائها في المنطقة، وهو الامر الذي يسبب كل هذه «النكسات»، وقد زادت تلك الهواجس بعد الخطاب المطول للرئيس الاميركي باراك اوباما أمام خريجي أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية في نيويورك، حيث وضع «مكافحة الإرهاب» عنوانا وحيدا لسياساته الخارجية فيما تبقى من ولايته، رافضا تهم حلفائه في المنطقة بأنه يقود سياسات «انعزال»، مع العلم انه كان واضحا عندما توجه الى خريجي الاكاديمية بالقول، «أنتم أول دفعة تتخرج منذ هجمات 11 ايلول 2001 لن ترسلوا للقتال في العراق أو أفغانستان». وهذا يعني ان واشنطن لم تعد في وارد ارسال جنودها للدفاع عن احد، وهو ما عبر عنه اوباما في ختام خطابه بالقول «لقد عانينا من موسم طويل من الحرب».
وبحسب تلك الاوساط، فان ترداد أوباما كلمة «الإرهاب» 17 مرة في خطابه رسالة الى «الحلفاء» بان الشراكة معه في المنطقة تحصر في مكافحة الإرهاب، ومن هنا جاء تعليقه مختصرا على البرنامج النووي الإيراني، وهذا يعني اشارة واضحة بان واشنطن ماضية في الاتفاق مع ايران، واوباما لا يريد الحديث علنا عما يجري في «الغرف المغلقة» وفضل عدم اثارة هذا الملف كما كان يحصل سابقا لتطمين حلفائه. اما المفارقة التي تحمل دلالات كبيرة فكانت التغيير الجوهري في مفردات الخطاب، حيث استبدل أوباما عبارة «الربيع العربي» «بالاضطراب العربي»، في انتقاد لافت لما يدور في العالم العربي من زعزعة استقرار وتراجع للحريات. والاسوأ من ذلك انه لم يقدم أي حلول لإنهاء تلك الفوضى.
اما «الطامة» الكبرى بالنسبة لقوى 14 آذار والقوى الحليفة في الاقليم فتتعلق على حدّ قول الاوساط بتعامل واشنطن مع الملف السوري، واكثر الامور المثيرة للتعجب في خطاب أوباما كانت المهمة التي اوكلها للمعارضة السورية في خوض حرب على جبهتين، الأولى ضد النظام السوري والثانية ضد تنظيم القاعدة والمتطرفين. ولكن لم يشرح كيف سيتمكن هؤلاء من القيام بهذه المهمة اذا كان الجيش الأميركي قد فشل في حربيه في العراق وأفغانستان في القضاء على تلك المجموعات الإرهابية، فهل ستتمكن المجموعات المسلحة السورية «المعتدلة» القيام بالمهمة وهي غير قادرة اصلا على حماية نفسها؟
طبعا يعرف السعوديون ان الحديث عن اجراءات اميركية جديدة لن تغير وجه الصراع في سوريا ولكنها ستطيله، تقول الاوساط في 8 آذار وتدرك القيادة السعودية ان الاميركيين يريدون في نهاية المطاف وضع الجميع امام واقع «الجلوس على الطاولة»، وهذا ما لا تريده الرياض التي لن يرضيها شيء بعد ان ضيعت الإدارة الأميركية فرصة الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، بعد تراجع اوباما عن الضربة العسكرية، وهي ترغب بدور اميركي يغير قواعد الحرب في سوريا لدفع الأسد للخروج من السلطة، وحتى الان لم يلمس السعوديون جدية لدى واشنطن التي تعمل وفق اجندة قديمة سمحت للنظام السوري بتحقيق الانجازات على الارض، ويخشى السعوديون ان ترضخ واشنطن في نهاية المطاف للوقائع وتضطر الى «هضم» نتائج الانتخابات الرئاسية السورية، وتندفع في وقت لاحق لاعادة وصل ما انقطع مع النظام السوري، بحجة مواجهة خطر التنظيمات الارهابية. وهذا يعني خسارة كل الرهانات السابقة «وهزيمة» مدوية ستكون لها تداعياتها الخطيرة على دور المملكة. ومن هنا يمكن فهم «الذعر» الواضح لدى قوى 14آذار التي لمست خلال اليومين الماضيين ابعاد معنى تدخل حزب الله في الحرب السورية وانعكاساته اللبنانية، لكن المثير للدهشة هو تخويف اللبنانيين من مشهد «الزحف» نحو السفارة باعتباره محاولة من حزب الله لاعادة «الوصاية» السورية الى لبنان، وثمة من يسأل في هذا السياق عما اذا كان حزب الله يحتاج الى استحضار «الملائكة» السورية لاثبات قوته ونفوذه على الساحة اللبنانية؟
«الزحف» الى السفارة «رسالة» الى الخارج
0