الجيش يتجاوز «كمين عرسال».. والمخاطر تتزايد

 

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السابع والتسعين على التوالي.
ها هو الفراغ يرتد على المؤسسة العسكرية وجنودها الأبطال الذين يدافعون عن لبنان باللحم الحي.
فقد برز تطور دراماتيكي في قضية العسكريين المخطوفين لدى المجموعات التكفيرية، تمثل بنشر مواقع التواصل الاجتماعي صورا لإعدام أحد العسكريين، الأمر الذي انعكس خوفا مشروعا لدى عائلات باقي العسكريين، لا بل عند كل اللبنانيين، خصوصا وأنه يصعب التنبؤ بردات الفعل، سواء أكانت عفوية كما حصل في عكار من قطع طرق ليل أمس، أو من خلال ردات فعل منظمة تهدف الى إيقاع الفتنة بين النازحين السوريين ومضيفيهم اللبنانيين، أو بين اللبنانيين أنفسهم.
وعلمت «السفير» أن قيادة الجيش شكلت لجنة متخصصة من أجل دراسة الشريط الذي بث حول ذبح الرقيب ع. س. الذي تم أسره عقب «غزوة عرسال» في الثاني من آب، وطلبت قيادة الجيش من وسائل الاعلام عدم التداول بالصور او بأية معلومات عن العسكريين تحت طائلة الملاحقة القانونية.
وشهدت بلدة فنيدق مسقط رأس العسكري ع. س. حالة من الغضب، انسحبت على منطقة عكار القلقة على مصير ستة من عسكرييها المفقودين. وأفادت مراسلة «السفير» في عكار أن عددا من أهالي فنيدق قطعوا ليل أمس طريق عام طرابلس ـ عكار عند مفترق بلدة برقايل تعبيرا عن غضبهم، قبل أن يتجاوبوا مع الدعوة الى فتحها اثر تدخل النائب السابق وجيه البعريني.
وفي موازاة ذلك، كانت جرود بلدة عرسال، في الساعات الأخيرة، ساحة لمواجهات جديدة بين الجيش اللبناني والمجموعات المسلحة التي تلقت ضربة موجعة، بإفشال كمين محكم كان يهدف الى خطف عسكريين وضمهم الى رفاقهم الأسرى منذ حوالى أربعة أسابيع.
هذه التطورات فرضت نفسها مطولا، أمس، على مجلس الوزراء، وكانت لافتة للانتباه المداخلة التي تقدم بها وزير الداخلية نهاد المشنوق وضمنها معطيات تفصيلية حول الوضع في عرسال أمنيا وعسكريا وانسانيا، رافضا أي تشكيك بالمؤسسة العسكرية، قيادة وضباطا وعسكريين، مسجلا لها أنها حمت بتضحياتها السلم الأهلي، وآخذا في الوقت نفسه على مجلس الوزراء قصوره في تحمل مسؤولياته في التعامل مع الأولويات اللبنانية، ولا سيما أولوية مواجهة «داعش» عند حدودنا، بعيدا عن منطق المزايدات الرخيصة.
وردا على سؤال لـ«السفير»، حذر الوزير المشنوق من تداعيات سياسية وأمنية واجتماعية للمعارك التي تتوسع في شمال سوريا، خصوصا بعد سقوط معاقل جديدة للنظام بأيدي «داعش»، وقال إن أي توسع «داعشي» على الأرض السورية، من شأنه أن يؤدي إلى موجة نزوح غير مسبوقة باتجاه لبنان، كما سيزيد المخاطر الأمنية عبر الحدود، الأمر الذي يتطلب استنفارا وطنيا شاملا.
ولم يستبعد المشنوق، ردا على سؤال، احتمال إقفال الحدود اللبنانية ـ السورية «في حال بلوغ الأمور حد تهديد الأمن الوطني اللبناني».
عرسال: كمين.. ومفقود
ميدانيا، حاول الإرهابيون، في الساعات الثماني والأربعين الماضية، رسم «خطوط حمراء» للمناطق التي يمكن للعسكريين التحرك فيها في محيط بلدة عرسال البقاعية، وبالتحديد في جرودها، وعليه، فقد هاجموا، حاجز الجيش في وادي حميد، ثم كمنوا لمجموعة من الجنود كانوا في سيارة «هامر» عسكرية في منطقة الرهوة فوق حاجز وادي عطا، وبالتحديد في الجرد «الوسطاني» القريب من مثلث نحلة وعرسال والحدود السورية، وكأن تحرك الجيش خارج نقاط حواجزه التي تزنر عرسال ممنوع نحو الجرود.
ووضعت اعتداءات المسلحين على الجيش عرسال وأهلها مجدداً في «فوهة المدفع»، وهو ما أدى إلى نزوح مئات العائلات من اللبنانيين والنازحين السوريين، في اليومين الماضيين، مخافة وقوع جولة عسكرية جديدة.
وعلمت «السفير» أن خمسة جنود من الجيش اللبناني كانوا في دورية روتينية فوق حاجز وادي عطا، وبالتحديد في منطقة «الرهوة» في الجرد الوسطاني، عندما هوجمت سيارتهم بعد انحرافها عن خط سيرها المقرر. وعلى الفور، قفز الجنود من «الهامر» واتخذوا مواقع قتالية، بعدما اتصلوا بمركز القيادة في المنطقة. واستمرت المواجهات إلى حين وصول سريتين من فوج التدخل في الجيش إلى «الرهوة»، حيث دارت معارك عنيفة انتهت إلى قتل وجرح عدد من المسلحين، وتدمير الجيش سيارة «الهامر» التي كان قد سيطر عليها المسلحون إثر نزول الجنود منها. وأعلنت قيادة الجيش في بيان لها عن «فقدان جندي وإصابة آخر بجروح طفيفة بعد إنقاذ العسكريين الأربعة».
وعلمت «السفير» أن العسكريين الأربعة أخضعوا للتحقيق وتم التدقيق في الرواية التي تحدثت عن محاولة الجندي سائق «الهامر» خطف رفاقه وتسليمهم للمسلحين في الجرود، وعليه انعطف بسيارته خارج الطريق التي كانوا يسيرون بها، وهو ما تمت ملاحظته من قبل جهاز أمني في المنطقة قام بإبلاغ الجيش بما يحصل.
وتزامناً مع المواجهات، قامت مدفعية الجيش اللبناني المتمركزة في التلال الغربية لعرسال بقصف مواقع المسلحين في الجرود بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، بالإضافة إلى تعزيز نقاط تمركز الجيش في وادي حميّد والمصيدة ووادي عطا وعقبة الجرد، في حين ما زال موقع وادي الحصن خالياً من أي حاجز ثابت، لاعتبارات عسكرية.
ويعتبر وادي الحصن المعبر الأساسي نحو الجرود العرسالية لناحية «عقبة المبيضا» التي تؤدي إلى الجرد الوسطاني.
وإثر مواجهات الساعات الأخيرة، عزز الجيش اللبناني قواته في عرسال بسريتين من الفوج المجوقل، وأخريين من فوج التدخل، ما لبثت أن غادرت كلها البلدة الى مراكزها الثابتة في الجوار بعد عودة الأمور إلى ما كانت عليه.
ولم تسجل، أمس، أية تحركات علنية للمسلحين في عرسال، باستثناء ظهور باللباس العسكري من دون اسلحة ظاهرة في بعض مخيمات النازحين، وتحدث شهود عيان لـ«السفير» عن تعزيز المسلحين قواتهم وتجمعاتهم في منطقة «الجرد التحتاني» بما فيه «طاحون الهوا» فوق «تنية رأس بعلبك»، وسط مخاوف من إعادة اجتياح عرسال أو الهجوم على بعض بلدات البقاع الشمالي، الأمر الذي تسبب بموجة نزوح جديدة.