الأمير مجيد أرسلان… تاريخ في رجل

لا تعليق
مقالات وتحليلات
25
0
طارق حديفة - أمين سر منتدى الشباب الديمقراطي

طارق حديفة – أمين سر منتدى الشباب الديمقراطي

كتب طارق حديفة ** للديمقراطي اللبناني للاعلام :

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.. في الثامن عشر من أيلول العام 1983 غاب الأمير مجيد ارسلان عن وطن هو من صنع استقلاله وقاد جيشه في أول انتصار عربي على العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة. كم هي كبيرة حاجتنا نحن اللبنانيون لرجال دولة من طراز الأمير مجيد أرسلان قرارهم وطني بامتياز، لا مجال عندهم للمساومة على الثوابت حيث يمارسون الوحدة الوطنية قولاً وعملاً ولا يركعون سوى لله عزّ وجلّ وتقبيلاً للعلم اللبناني وفقط العلم اللبناني. رجال دولة همهم الأول والأساس تحقيق وخدمة المصلحة الوطنيّة العليا لا المصالح الآنيّة والطائفيّة الضيّقة… فأين هم بعض ساسة اليوم من تاريخ ومسيرة ونهج الأمير مجيد؟ لمعرفة الإجابة يكفيك سماع نشرة أخبار ليوم واحد فقط حيث ترى كل فريق يسعى لتحقيق أهدافه وغاياته متناسياً الأسس والميثاق الوطني، فتراهم يتغنّون بالاستقلال وهم في حقيقة الأمر أبعد ما يكونون عنه، ينادون بالوحدة الوطنية وهم أنفسهم من ساهموا في تفريق أبناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة.
كم هي كبيرة حاجتنا نحن اللبنانيّون لرجال دولة من طراز الأمير مجيد أرسلان يمثّلون الشعب في مؤسّسات الدولة ويمثّلون الدولة عند أبناء الشعب، حيث يساهمون بإزالة الحاجز القائم بين المواطن ودولته. في هذا الإطار مَن كان أجدر من الأمير مجيد بأداء هذه المهمة فهو دخل الندوة البرلمانية ابن ثلاثة وعشرين عاماً في العام 1931 وحمل هموم الوطن وأبناءه وناضل في سبيل تحقيق الاستقلال وبناء الدولة اللبنانية القوية وتعزيز الوحدة الوطنيّة. كان الوزير الشبه الدائم في الحكومات اللبنانية المتعاقبة. وهو صاحب الموقف التاريخي في العام 1936 عندما عارض قرار الحكومة آنذاك القاضي بالمشاركة “بمعرض تل أبيب للمنتوجات الزراعيّة” وذلك انطلاقاً من الثوابت والاسس الوطنية التي آمن بها الأمير مجيد واستمدّها من تاريخ أسلافه الارسلانيين الّذين شكلوا الاطار الاول للكيان الذي عرف في ما بعد باسم لبنان من خلال قدومهم في العام 798 إلى منطقة سن الفيل أي منذ 1215 عاماً للدفاع عن الأراضي العربيّة من الغزوات الصليبيّة، فكانوا مثالاً يحتذى به في التضحية والبطولة. هذا هو التاريخ الارسلاني ومنه انطلق الأمير مجيد وعليه أضاف محطات مشرقة ومضيئة يفتخر بها كلّ وطني شريف.

القائد الشاب كان حليفاً للشيخ بشارة الخوري رئيس “الكتلة الدستوريّة” والذي أصبح بعد انتخابات ايلول 1943 رئيساً للجمهورية لتبدأ معه ومع حكومة الرئيس رياض الصلح (الذي كان الأمير مجيد وزيراً للدفاع الوطني فيها)، مسيرة الاستقلال الحقيقي، فكلّ قارئ للتاريخ اللبناني يدرك الخطوات والقرارات الوطنيّة الجريئة التي اتخذتها تلك الحكومة ومن بعدها اجراءات الانتداب والاعتقالات التي قام بها الفرنسيّون، وهنا يبرز مجدّداً دور الزعيم الوطني الحقيقي حيث شكّل الأمير مجيد مع زميله في الحكومة حبيب أبو شهلا والرئيس صبري حمادة “حكومة بشامون” واطلقوا “الحرس الوطني” للدفاع عن مقر الحكومة الشرعيّة وما تبع ذلك من رضوخ فرنسي للإرادة الوطنية اللبنانية واطلاق سراح رجال الدولة المعتقلين، وبذلك تكمن الحقيقة التاريخية بأنه لولا الأمير مجيد أرسلان لم تكن هناك معركة استقلال ناجحة فجميع الزعماء في تلك الفترة صعدوا في كنف الامير مجيد الى بشامون حيث أقاموا حكومة مؤقتة
نحن قومٌ لا نهادن المستعمرين ولا نهاب المحتلين نقاتل حتى النصر أو الشهادة”، هذا ما قاله الأمير مجيد في العام 1948، فوزير الدفاع في تلك الفترة لم يدر أمور المعركة من مكتبه في الوزارة في بيروت، إنما ذهب الى الجبهة في المالكية، وتنقل بين الخطوط القتالية الامامية وهيئة الأركان، فالأمير مجيد قاتل إلى جانب جنود الجيش اللبناني، وما فعله بطل الاستقلال في المالكية يشبه ما قام به بطل معركة ميسلون وزير الدفاع السوري الشهيد يوسف العظمة عندما واجه جيوش الجنرال غورو. ومن الحقائق التي لا يعرفها كثر هو أن الجيش اللبناني هزم في البداية، لكنه قام بعدها بالهجوم المعاكس وكانت معنويات الجيش حينها منهارة، فما كان من الامير مجيد إلا ان جال على الخطوط الأمامية حيث رفع معنويات المقاتلين الّذين تفاجأوا بوجود وزير الدفاع الى جانبهم ممّا ساهم في إعادة انتصار الجيش في تلك المعركة، وبذلك يكون الأمير مجيد أول قائد عربي يحقق انتصاراً بوجه اتفاقية “سايكس – بيكو“…

MEER MAJID ARSLAN

بعدما حصل في فلسطين عرف الأمير المقاوم العرب على حقيقتهم، العرب الذين هم الأعراب الذين وصفتهم الآية القرآنية الكريمة بالكفر و النفاق {إنّ الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً} ، وهذا ما يحصل اليوم من تواطؤ عربي على حساب قضايا الأمة، و ليس آخرها الاستقواء الاعرابي بالغرب على سوريا قلب العروبة النابض. فبعدما أيقن الأمير الارسلاني حقيقة العرب، أصيب بخيبة أمل كبيرة فهو الزعيم الشاب الذي صنع الاستقلال وانتصر في فلسطين في غضون خمس سنوات. أمّا على الصعيد الداخلي فبقي مترفعاً عن الخلافات السياسيّة الضيّقة، ساعياً في سبيل تحقيق ما يخدم مصلحة الوطن وأبنائه، وكان المحذّر الأول من المؤمرات الخارجيّة التي تهدف الى تحقيق أطماع الأعداء حتى أنّه قال عن كلّ تعصّب مذهبي فيه كراهيّة للآخر هو حالة صهيونيّة.
هذا هو جزء قليل من تاريخ رجل عظيم أشرق على لبنان في الثامن من شباط عام 1908 وغابت شمسه في 18 أيلول 1983 حيث كان الوطن الذي أحبه في خضم حرب أهلية لطالما حذر منها قائد الاستقلال والانتصار.

الأمير مجيد أرسلان، حلقة من سلسلة تاريخية تمتد جذورها لأكثر من ألف عام، وتستمر وتتجدّد بوجود عطوفة الأمير طلال أرسلان حامل الأمانة الأرسلانية وضمانة الوحدة الوطنية وصاحب شعار “أيها اللبنانيون، أنتم لستم أعداء لبعضكم البعض”. فهكذا تكون مسيرة العظماء وهكذا تبنى الأوطان..

ختاماً، وفي الذكرى  الواحدة  والثلاثين لرحيل البطل، تحيّة من الرفاق لروح المجيد، وعهد شبابي ديمقراطي بإكمال المسيرة حتى بناء دولة لبنانية مستقلة قوية و قادرة.

** طارق حديفة : أمين سر منتدى الشباب الديمقراطي