منذ سنوات تُحاول الأطراف السياسية المتصارعة في لبنان، أو أقلّه هكذا تُوحي، الوصول إلى قانون إنتخابي نيابي جديد، من دون أيّ نتيجة تُذكر، على الرغم من كثرة إقتراحات القوانين المعروضة في الإعلام. ومع تحديد رئيس مجلس النواب نبيه برّي مهلة شهر للجان المُكلّفة الخروج من هذا المأزق، حاول بعض الأطراف إشاعة أجواء إيجابيّة لجهة إمكان التوصّل في نهاية المهلة المُحدّدة لقانون إنتخابي عصري جديد. لكنّ هذا الأمر لن يحصل، والمحادثات تدور في حلقة مُفرغة، في ظلّ تضارب كبير في الإقتراحات، وكذلك في ظلّ محاولات متعثّرة للإتفاق على مبدأ الإنتخابات، حتى قبل الدخول في تفاصيل القوانين.
والسبب الذي أسفر في الماضي، ويُسفر حالياً، عن الفشل في الإتفاق على قانون إنتخابي جديد، محصور بمعادلة واحدة بسيطة تتمثّل بإمكان تحديد نتائج الإنتخابات سلفاً. والقاعدة المُتبعة لمعرفة نتائج كل قانون يتم طرحه للدرس، أكان في اللجنة النيابيّة المُختصّة أم على مستوى الإعلام، تتمثّل في قيام مجموعات حزبيّة مُختصّة بإخضاع كل قانون مُقترح لدراسة مُفصّلة في شأن عدد النوّاب الذين من الممكن أن يؤمّنهم لكل فريق سياسي، وذلك إنطلاقاً من حسابات سهلة هي:
أوّلاً: التوزيع الجغرافي للدوائر المُقترحة في كل قانون (يتمّ إحتسابه بدقّة).
ثانياً: التوزيع الطائفي والمذهبي في كل دائرة من الدوائر المُقترحة (يتمّ إحتسابه بدقّة).
ثالثاً: عدد الناخبين أو الذين بلغوا سنّ الواحد والعشرين من العمر (يتمّ إحتسابه بدقّة).
بعد ذلك، يتمّ تقديرياً إجراء دراسة بشأن هويّة الفائز والخاسر بحسب الإنتماء السياسي لهؤلاء الناخبين (يتمّ تقديره إنطلاقاً من نتائج وإحصاءات الدورة النيابيّة الأخيرة التي نُظّمت في العام 2009) وفق التوزيع الطائفي والمذهبي في كل دائرة جغرافيّة مُحدّدة في كل قانون مُقترح. والمُشكلة أنّ الماكينات الناشطة للأحزاب السياسيّة الفاعلة في لبنان، تمكّنت من إحتساب عدد النوّاب الذي يؤمّنه كل قانون من القوانين المتعدّدة المُقترحة، لكل جهة سياسيّة عريضة، وحتى لكلّ حزب، وذلك بهامش خطأ محدود جداً. وهذه الدقّة الحسابيّة إنسحبت أيضاً على القوانين المُقترحة والتي تدخل النسبيّة في صلب مفهومها، على الرغم من أنّ لا تجربة سابقة للنسبيّة على مستوى الإنتخابات النيابيّة في لبنان. لكن الإنقسام المذهبي الحاد والذي بلغ في الدورة الإنتخابية الماضية حدود 70 وحتى 80 % لهذه الجهة أو تلك، جعل إمكان إجراء مثل هذه الحسابات ممكناً. والتموضع المذهبي يُضاف إلى التموضع المناطقي حول هذه الشخصيّة أو تلك، وحول هذا الحزب أو ذاك. وكلاهما يلعبان دوراً حاسماً في تحديد هويّة الفائز السياسي في أي دائرة جغرافيّة مُحدّدة.
وفي الخلاصة، طالما أنّ أيّ قانون إنتخابي مُقترح-وبغض النظر إذا كان نسبياً أو أكثرياً أم مختلطاً، وبغض النظر عن تقسيماته الجغرافية، وحتى بغض النظر عن الجهة التي تقف وراء طرحه، هو قابل للقراءة مُسبقاً لناحية النتائج والأحجام السياسيّة المتوقّعة لكل فريق، فإنّه لن يُبصر النور بالتأكيد. وبالتالي لا حلّ قبل النجاح في تقديم إقتراح قانون مُبهم النتائج حتى على أكثر الماكينات الحزبيّة تطوّراً ودقّة، أو على الأقلّ حتى التوافق على قانون يُعطي الجميع فرصة التواجد في المجلس النيابي من دون حصول أيّ جهة سياسيّة فاعلة على الأغلبيّة النيابيّة.
ناجي البستاني: خاص النشرة